Thursday 19/12/2013 Issue 15057 الخميس 16 صفر 1435 العدد
19-12-2013

السلفية العلمية والمستقبل الواعد

هل للدين أثر على أخلاقيات اتخاذ القرارات عند قادة الشعوب.؟ هذا مجال يحاول بعض الإصلاحيين من مختلف الأعراق والأديان اكتشافه، من أجل استغلاله في نشر السلام العالمي. والإسلام من أهم الأديان الذي يحاول الإصلاحيون اكتشاف هذا الجانب فيه.

فهل الأديان عموما، والإسلام خصوصا، قادرة في التأثير على أخلاقيات قرارت القادة لتدفعهم إلى تجنب الحروب وسفك الدماء؟

فأما تطبيقيا، فالأديان عموما كانت هي سبب غالب الحروب أو كانت هي الغطاء الشرعي للحروب الاقتصادية والسياسية. وأما نظريا، فبخلاف الأديان الأخرى، فالنصرانية والإسلام من بين الأديان خاصة التي تبنت ودعت إلى الجهاد المقدس من أجل نشر الدين.

فكل ما تطرحه النصرانية والإسلام من مفاهيم التسامح والسلام، فإنما هو مبني على افتراض أن السيادة والعزة والحكم تكون للمنتسبين للدين، وأما غيرهم من أهل الأديان الأخرى فهم درجة ثانية، تُفرض عليهم الضرائب والمكوس والجزية. و إنما التسامح يكون بعد ذلك في عدم الاعتداء على أعراضهم وأموالهم ودمائهم.

هذا كان مفهوم التسامح والأخلاق في تعامل أتباع الأديان مع من خالفهم في دينهم، وقد فشل النصارى في تطبيقه قديما، بينما طبقه المسلمون -خاصة من بين جميع الأديان- على مستوى عال من المثالية البشرية.

ولعل تفرد المسلمين من بين جميع الأديان الأخرى في التعايش الحسن مع أهل الذمة يعود إلى سببين: الأول أن دوافع التنافر الفطري التي تنشأ بسبب الاختلاف في الأعراق والألوان، لم يكن لها مكان في المجتمع الإسلامي. فبخلاف الأمم الأخرى التي كانت من نسيج اجتماعي واحد، فإن المسلمين قديما كانوا أشبه ما يكونون بأمريكا حديثا، من حيث خليط التركيبة الاجتماعية. فالعرب هم أصل المسلمين، وهم قلة رفعها الله بالإسلام وحفظ لسانها بالقرآن. والأمة الإسلامية قامت على الأمم والشعوب من غيرها، وقد كانوا هم الغالبية في الأمة الإسلامية. فلم يكن هناك مكان للعنصرية العرقية الشعوبية إلى مستوى يدفع المسلمين إلى عدم استطاعة معايشة أهل الذمة، فجميعهم من الجانب العرقي سواء. وأما السبب الثاني فإن وضع أهل الذمة في المجتمع الإسلامي، يمنعهم تماما من المنازعة على السلطة السياسية.

فمن أجل هذا لم يتوافر هذا التسامح والتعايش بين المسلمين بعضهم بعضا. فالمسلم والعربي خاصة - بخلاف الذمي- يُنازع المسلم على السلطة. ولذا فبالرغم من صراحة النصوص في تحريم الدم المسلم والتغليظ فيه، وأن دمه أعظم حرمة عند الله من الكعبة، وأن قاتل المسلم مخلد في النار -فهو أخرويا في حكم المرتد- ، إلا أنه ما من شيء استهان فيه المسلمون وخاضوا فيه بلا حرج يجدوه في أنفسهم مثل دماء بعضهم بعضا من المسلمين.

فمنذ سفك دم ذي النورين أمير المؤمنين وخليفة رسول الله عثمان رضي الله عنه، والسيف لم يُرفع عن رقاب المسلمين يقتل بعضهم بعضا في فتن كقطع الليل المظلم. وقد رفع أعظم وأشرف أصحاب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- السيفَ في وجوه بعضهم بعضا - رضي الله عنهم - وأنفاس نبيهم عليه السلام لا تزال عطرة.

فما هو الشيء الذي به استباح المسلمون دماء بعضهم؟ وهل مازال موجودا اليوم؟ التأويل، هو المركب الذي ركبه الأولون والآخرون من الأمة في استباحة دماء بعضهم بعضا. والتأويل ليس فقط مازال موجودا بل إنه قد فُتحت جميع الأبواب عليه وليس بابه فقط. فإن كان الدين قد تُأول، فلم يمنع القرون الثلاثة الأولى المفضلة (ويدخل فيها مجازر عظمية) من استباحة دماء بعضهم بعضا، فكيف يمكن للدين اليوم أن يكون وسيلة للسلم والأمن العالميين؟

باستثناء النصرانية والإسلام، فالأديان عموما لا تقاتل باسم الدين إلا دفاعا عن نفسها، والمجازر في ديارهم هي بدوافع عرقية غالبا. والنصرانية قد اعتزلت الحياة العملية واقتصرت في الكنيسة على تزويد أتباعها بالروحانيات. وأما الإسلام، فما يُتبع من تعاليمه حقيقة مقتصر على الروحانيات المتمثلة في العبادات. أما في جانب المعاملات ومن ذلك السياسة والجهاد والاقتصاد والأخلاق الاجتماعية ، فالإسلام بريء منه وليس منه في شيء إنما مسميات دعائية ما أنزل الله بها من سلطان. وليس هناك من حل للعودة لدين محمد عليه الصلاة والسلام كما جاء به غضا طريا إلا بالسلفية العلمية التي ستعود بنا للكتاب والسنة خالية من التأويل والتقليد. وذلك هين بسيط وفي أيدينا مفاتحه، اللهم أن تتوفر الرغبة العلمية الصادقة. وفي تحديد معنى السلفية العلمية وقفات أخرى.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب