Thursday 19/12/2013 Issue 15057 الخميس 16 صفر 1435 العدد
19-12-2013

الانتظار الذي طال أمده..!

المتأمل في مسيرة التعليم التقني والتدريب المهني بالمملكة يدرك أن التعليم التطبيقي التقني انزلق عن مساره الصحيح بسبب كثرة الاجتهادات غير الموفقة والفتاوى غير المتخصصة ووجهات النظر البعيدة كل البعد عن رؤية ورسالة وأهداف التعليم التقني التطبيقي، حتى أصبح الأمر مجرد شعار ظاهره كم وصور ملونة وباطنه حقائق مؤلمة تخفي حالة استنزاف وهدر للموارد والطاقات والقدرات دون عوائد مجزية على التنمية البشرية، ولا ندري إلى متى سيستمر الأمر على هذه الحال؟ علماً أن المؤسسة أقدمت قبل عامين على إلغاء كلمة التعليم حتى من اسمها، وبذلك اقتصر اسمها ودورها على التدريب، وهو دور مهم إن هي تخلت عن كليات التعليم التقني التطبيقي (كليات التقنية) وعن الانشغال بها على حساب التدريب، وخاصة (التدريب على رأس العمل) بشكل متقن وتوسعت في مجالاته التي تتطلبها برامج التنمية في البلاد خاصة، وأن من يشغل غالبية المهن فيها عمالة وافدة متدنية التأهيل عددها وصل إلى أرقام فلكية محزنة ومخجلة.

الكليات التقنية بطبيعتها كليات تعليم تطبيقي، وليست كما يزعم البعض كليات تدريب لأن الفرق بين التعليم التطبيقي والتدريب كبير وشاسع؛ فالأول هدفه إكساب الطالب المعارف والمهارات الأساسية العامة للحياة بما في ذلك المهن التي يتطلبها سوق العمل، في حين أن التدريب هدفه إكساب الطالب المهارات المهنية الفنية المتخصصة اللازمة للقيام بالعمل في مهنة معينة ومحددة ضمن المهن التي يحتاجها سوق العمل، أي أن التعليم التقني التطبيقي يركز على التعليم (عن العمل) بطرق ووسائل وأساليب تطبيقية تتمثل في المعامل والمختبرات والورش، ولكنه لا يؤهل لسوق العمل بشكل مباشر دون تدريب مخرجاته عند الالتحاق بسوق العمل لمدة قصيرة، لأن سوق العمل يتطور ويتغير بسرعة، وخلال فترة التعليم الطويلة يكون السوق قد مر بمراحل تغيير وتطوير متلاحقة قد لا تكون مدرجة في مناهج الدراسة. في حين أن التدريب يكون بعد الالتحاق بالعمل ومعرفة متطلباته وواجباته ومسؤولياته ومهاراته، وهو الدور الذي من المفترض أن تقوم به المؤسسة لسد حاجة سوق العمل؛ بمعنى آخر أن مخرجات كليات التعليم التقني التطبيقي أمامها خيار التدريب للعمل أو مواصلة مشوار التعليم التقني العالي، كما هو معمول به في معظم دول العالم بما فيها دول مجلس التعاون وغيرها من الدول العربية والإسلامية، ونحن تقريباً الدولة الوحيدة التي لا زالت تتخبط في أهم تخصص تحتاجه الأجيال القادمة وتتطلبه برامج التنمية دون سبب منطقي واحد، علماً أن رأي المجتمع بمفكريه وعلمائه تجاوز حد المطالبة إلى حد المناشدة بإيقاف هذا النزيف والتخبط وسرعة وضع الأمور في نصابها الصحيح وضم الكليات التقنية إلى التعليم العالي لمدة خمس سنوات لتأهيلها وتحويلها بعد ذلك لجامعة أو جامعات للعلوم والتقنية، وهي النقلة الحقيقية في مسيرة التعليم التقني التطبيقي التي يتطلع إليها كافة منسوبي الكليات والمعاهد التقنية وبرامج التنمية الصناعية في البلاد.

إن تحويل الكليات والمعاهد التقنية (كليات ومعاهد التعليم التقني التطبيقي) إلى جامعة للعوم والتقنية سيمنح المؤسسة المزيد من القوة ويوفر عليها الكثير من الجهد والوقت الذي تحتاجه في مجال التدريب المهني بشكل عام وعلى رأس العمل بشكل خاص، وتأهيل الكوادر الشابة تأهيلا عمليا يعكس ويلبي بالفعل وبكل المقاييس حاجة سوق العمل. وهذا الدور ينسجم مع توجه المؤسسة وتنظيمها الأخير الذي بموجبه غيرت حتى اسمها من «المؤسسة العامة للتعليم التقني والتدريب المهني» إلى الاسم الجديد «المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني»، هذا بالإضافة إلى أن التعليم العالي في البلاد في أمسِّ الحاجة إلى جامعات للعلوم والتقنية تفتح المجال أمام عشرات الآلاف من مخرجات الكليات والمعاهد التقنية لمواصلة مشوارهم التعليمي، وتركز على البحث العلمي التقني وتوطين التقنية وتخريج المهندسين والعلماء والمفكرين التقنيين الأكفاء ذوي المؤهلات العليا وغيرها من الكوادر التي تحتاجها خطط وبرامج التنمية الصناعية في المملكة.

المؤسسة ليست مؤهلة لإدارة كليات تعليم تقني تطبيقي، هي مؤسسة تدريب مهني في دورات قصيرة لا تتجاوز الشهور، وحتى شركات الشراكة الاستراتيجية التي لجأت اليها مؤخراً دون أي عائد يذكر هروباً من تنفيذ الأمر الملكي (أ-121) الخاص باخضاع برامجها فوق الثانوي لإشراف مجلس التعليم العالي والهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي هي مؤسسات تعليم تطبيقي وليست مؤسسات تدريب، ويكفي فشلا نسبة المتسربين من طلابها التي تفوق 50% ونسبة العاطلين من مخرجاتها التي تزيد على30%، وخروج المئات كوادرها من الكفاءات التقنية والمهنية والقيادات العليا إلى الجامعات والشركات، وعودتها نتيجة لذلك إلى سد حاجتها بالتعاقد الأجنبي، هذا علاوة على أن منسوبيها ممن لا يؤيدون سياساتها يقاضونها في المحاكم على التفرد وسوء المعاملة والإدارة.

ختاما غني عن القول أن كافة البحوث والدراسات العلمية والعملية وتوصيات المؤتمرات واللقاءات والمنتديات وآراء المختصين والخبراء وقادة الرأي والمشورة التعليمية في المجتمع، كلها أكدت وأجمعت على ضرورة ضم الكليات والمعاهد التقنية التطبيقية في المملكة إلى التعليم العالي وإلى جامعات للعلوم والتقنية، والكل لا يزال يأمل وينتظر، والانتظار طال أمده..! فهل من بشرى نزفها للوطن ولشبابه وللتعليم التقني العالي؟!

- - أستاذ التعليم التقني والمهني التطبيقي المشارك بكلية التقنية بالرياض

مقالات أخرى للكاتب