Tuesday 31/12/2013 Issue 15069 الثلاثاء 28 صفر 1435 العدد
31-12-2013

سمو وزير التربية والتعليم ترانا في الذمة «طال عمرك» 1 - 2

يقول وفقه الله: (... في يوم من الأيام دخل علي على غير العادة حارس البوابة الرئيسية للإدارة العامة للتربية والتعليم، وبعد أن سلم وصبح بادرني بالاعتذار ثم أردف قائلاً: « دكتور.. فيه واحد عند البوابة الخارجية يسأل عن مكتبك، يقول وين مكتب مدير التعليم، وواضح أنه غير طبيعي - يقولها وهو يشيح بوجهه ويتردد في النطق بها- سألته: كيف غير طبيعي؟، فقال: ما أدري جاي قبل تداوم الناس، وشكله مرتبك، ولا أحببت أخليه يصعد لوحده ويدخل عليك والمكتب ما فيه أحد.. سألته عن هيئته وأسلوبه وسنه، ثم طلبت منه أن يسمح له بالدخول ويكون في المكتب المجاور حتى يأتي أحد الموظفين.. وبالفعل دخل الشاب وكان كما قال عنه الزميل، جلس قريباً مني، ثم تحدث عن نفسه قائلاً: «شف يا المدير أنا كنت أدرس عندكم بالصف الثاني المتوسط قبل عشر سنين، وكان يدرسنا مادة القواعد الأستاذ... الله لا يذكره بالخير، وهو الآن مشرف تربوي، أبيك تفصله، لأنه قومن أحل على السبورة، وكنت أكتب الجواب وما دريت إلا ضاربن كف وأنا سارح.. توقفت عن الكتابة وصار وجهي للطلاب، ويضربن ثاني بقوه وأطيح على الأرض ويطيح شماغي، ويضحك كل الفصل، أنا لحظتها انقهرت لكن ما أدري وش أسوي، رجعت للبيت والموقف معي، عجزت أنساه، ضحكات الطلاب ترن براسي، وأحس بالألم الشديد، ما اقدر أقول لأبوي لأنه رايح يحط اللوم علي، صرت في صراع نفسي صعب، بدأت أكره المدرسة، أكره الأستاذ، أعيش بمعزل عن زملائي في الصف الذين ضحكوا وسخروا مني لحظة سقوطي على الأرض.. فكرت بالانتقام من هذا المعلم ولكنني عاجز عن إلحاق الأذى به فهو أكبر مني بكثير، فكرت بالانتحار فأنا في النهاية إنسان لا يستحق التقدير، قررت أخيراً أن أترك المدرسة، وبالفعل كنت أخرج من البيت على أنني ذاهب للدرس وما أن أقبل على مبنى المدرسة حتى أصاب بهلع وخوف شديد، حتى كانت النهاية المؤلمة التي كنت لا أتمناها لأحد فضلاً عني لأنني كنت شاطر وكنت أتمنى أن أكون إذا كبرت شيء يتنومس به أبوي عند ربعه وقبيلته وتفخر فيه أمي.. لقد تركت المدرسة ومع نهاية ذلك العام الدراسي السيئ أغلقت ملف الدراسة بشكل كامل جراء هذا الموقف الذي قلت لك.. بعد ثلاث سنوات من البقاء بالبيت سجلت عسكري ، وأنا الآن أعمل في الشمال، كل من معي يباشرون العمل في الميدان إلا أنا فأجلس في العزبة أطبخ لهم وأغسل حتى أضمن لقمة العيش.. أنا هناك أعمل ولكنني بصدق لا أعمل، لا يسمحولي القيام بأي شيء، لا يعطونن ذخيرة ولا أمسك سلاح أو أقبض على أحد، وزوجتي عند أهلها هنا.. أبشرك يا المدير اليوم بعد الفجر جاءني ولد، أول مولود الحمد لله، ويبي يدعونن الناس من اليوم أبو... فرحت به كثيراً وجيت من المستشفى بعد ما شفته لمكتبك على طول، أبي أقول لك تره يا لمدير أمانة في عنقك إلى يوم الدين، لا تخلي مثل الأستاذ... يدرسه ويضربه ويهين كرامته فيصير له مثل ما صار لي ويكره المدرسة، أبيه يصير دكتور يعالج الناس.

وقبل سنوات لا أذكر بالتحديد كم هي، ركبت مع مواطن بسيط جداً بسيارته الصغيرة من جوار الحرم المكي إلى جدة، وكالمعتاد تجاذبنا الحديث وتعرفنا على بعض، وما أن عرف أنني في التربية والتعليم حتى قال لي سائلاً: يا أستاذ تصدق الأطفال مشكلة، أنا الآن عندي ولد أكبر أولادي، أبي أدخله المدرسة، بس أنا وأمه محتارين، وين ندرسه، ودنا مدرسة كويسة، نبيه يطلع صح، والمشكلة أن أولاد اليوم غير، أول حنا ما نعرف مثل ما يعرفون، الولد اليوم ما يعرف كلمة عيب، المدرسة تعلمه الأشياء اللي مو كويسه، وأهم شي عندي أنا وأمه أنه يطلع صح، ما أبي يتمرمط مثلي، مثل ما أنت شايف، حياتي شقاء وتعب وبهذله، وأولاد عمي اللي درسوا وشقيوا أول عمرهم مرتاحين الآن!!

ومما أذكر من الحكايات أن هناك معلما كان كثير الغياب والتلاعب لأسباب لا تخفى، وبعد أن تم التحقيق معه من قبل اللجان المختصة كان من ضمن التوصيات نقله إلى جهة أخرى تختلف تماماً عن الدائرة التي كان فيها من قبل لعله أن يتحسن ويلتزم، وأثناء الجولات الميدانية ومتابعته الشخصية من قبل مركز الإشراف وجد أنه ما زال على حاله التي كان عليها، ولذلك أوصي بإعادته إلى الجهة التي كان فيها من قبل عقاباً له ومحاولة أخيرة لعلاج حاله.. وما أن علم أهل هذه القرية التي سيعود لها حتى حضر أحدهم إلى مقر الإدارة العامة للتربية والتعليم طالباً مقابلة مديرها، وفور دخوله المكتب والسلام على من فيه حتى قال: سمعنا أن المدرس... يبي يرجع للمدرسة بعد ما افتكينا من شره، قلت: نعم، اللجنة التي درست الموضوع أوصت بهذا، طأطأ راسه للأرض، وما هي إلا لحظات حتى رفع رأسه وهو يقول : يا المدير لما تجيبه يدرس عيالك، وتفك أهل الديرة من شره، وتشوف وشلون شغله وتدريسه من قريب، ما هو تتركه يلعب بعيال الناس، وإلا عيالك غير عيالنا، ترانا بذمتك يا المدير، وأنا أقول من ذمتي لذمة معالي الوزير.

مقالات أخرى للكاتب