Monday 06/01/2014 Issue 15075 الأثنين 05 ربيع الأول 1435 العدد
06-01-2014

دفاع مدني في حدود إمكاناته

الخبر الأول: فجر الأربعاء 29 صفر 1435 هـ أنقذت فرق الدفاع المدني سكان ثماني وعشرين شقة في أحد أحياء الرياض، بعد أن شب حريق في عمارة من ثلاثة طوابق. المهمة الإنقاذية حصلت في الساعة الثالثة والنصف فجرا. هرعت (هكذا في الخبر) ست فرق إطفاء وإحدى عشرة فرقة إنقاذ وأربع فرق إخلاء، إضافة إلى عربات الإنارة إلى محل الحريق. تم قص شبابيك النوافذ الحديدية (للتمكن من الوصول إلى المحتجزين داخل الشقق).

الخبر الثاني: في يوم 17 صفر 1435هـ سقطت طفلة في بئر ارتوازية في بر تبوك. البئر كانت مغطاة من الأعلى ومفتوحة من الجانب وغير محمية بسياج مانع. لا تزال حتى كتابة هذا المقال جثة الطفلة في البئر ومحاولات الدفاع المدني لانتشالها متواصلة.

ذكر الدفاع المدني أنه استعان بهيئة المساحة الجيولوجية وشركة أرامكو وشركة بن لادن، مما يعني أن إمكانات الدفاع المدني وحدها لم تكن تكفي.

ذكر الدفاع المدني أيضاً أنه استعان بأربعة عمال أفغان لديهم خبرة في حفر الآبار. لاحظوا أنهم عمال مستقدمون من أحد بلدان العالم الثالث المعروفة بتخلفها، لكن لديهم خبرة أفضل من أهل البلد في مجال الحفر في الصحاري السعودية.

مجريات الحادثتين ومحاولات الإنقاذ المتخصصة والمجهدة من قبل الدفاع المدني تستحق الثناء والشكر، مصحوبين بالسؤال الملح:

هل الدفاع المدني السعودي يمتلك الجاهزية المطلوبة من حيث أعداد الأفراد وأعداد المراكز والتدريب الميداني التطبيقي والتجهيزات الآلية وسهولة الحركة بدون عوائق بيروقراطية ومرورية ؟. حيثيات الحادثين تبعث، ويجب أن تبعث على التفكير في جاهزية الفرق الإنقاذية المتوافرة عندنا فيما لو (لا سمح الله) حصلت كوارث طبيعية أو عدوانية غير متوقعة بحجم كبير وفي أكثر من مكان وبتزامن واحد؟. التعذر بخروج الأحداث عن حدود التوقعات لا تفي بالغرض لأنها لا تنقذ أحدا. للوطن الحق في توفير أفضل الإمكانات للدفاع المدني تحسبا لكل التوقعات.

أما الخبر الأول عن الحريق في أحد أحياء الرياض فقد كان حدوثه في ساعات الفجر الأولى، أي في وقت يكون فيه المرور في الشوارع محدودا وحرية الحركة للدفاع المدني مثالية. لكن لنفترض أن الحريق حصل في فترة ما بين الثامنة صباحا والثانية عشرة ليلا. الحشد الإنقاذي الوفير الذي استطاع الدفاع المدني مشكورا توفيره من الأفراد والعربات والآليات وفرق الإخلاء والإسعاف الأولي، هل كان بالاستطاعة إيصال نفس الحشد بنفس الكفاءة في توقيت آخر؟. النوافذ الحديدية على الشقق السكنية احتاجت إلى القص لتمكين فرق وآليات الإنقاذ من مباشرة العمل. الوقت الثمين الذي تضيعه السياجات الحديدية على شبابيك المنازل والشقق في السعودية، كيف يمكن اختصاره؟. هل تستطيع مرجعية الدفاع المدني، وهي وزارة الداخلية ، إقناع الدولة بفرض مواصفات معمارية محددة على كل المساكن والدكاكين والمحلات، تجعل فتح الشبابيك من الداخل مهمة سهلة على الأقل للبالغين من السكان المحاصرين مع بقية أفراد العائلة في الداخل.

الملاحظ في السعودية أن كل المنازل والمباني قلاع أسمنتية مسيجة بالحديد ، أي مصائد مثالية للهلاك عند الكوارث.

من مهمات الدفاع المدني كسلطة إنقاذ أن تقنع المواصفات والمقاييس المعمارية في هذه البلاد بإجراء تغيير جذري بهذا الصدد وبأثر رجعي على كل المباني القائمة في التجمعات السكانية الكبيرة.

الخبر الثاني يعتصر القلب حزنا على طفلة بريئة خرجت مع أهلها في نزهة عائلية فاصطادتها هوة سحيقة حفرها شخص ما وتم تركها دون تحسب لأرواح الناس، إضافة إلى غياب الرقابة والرقيب، وهي في هذه الحالة غائبة بين الدفاع المدني ووزارة الزراعة وربما بلديات المدن والقرى.

قبل أيام قليلة صرح معالي المهندس عبد الله الحصين وزير الكهرباء والمياه بأن أعدادا كبيرة جدا من الآبار الارتوازية تحفر في صحارينا، بعضها بتصريح وبعضها بدون. التصريح كان نابعا من الهم الأساسي لمعالي الوزير، وهو هدر المياه والسفاهة المفرطة في التلاعب بمصير البلاد من خلال إهدار أمنها المائي. أما أنا فأريد أن أضيف إلى هذا الهم الأعداد غير القليلة من حوادث السقوط في الآبار، وأغلب ضحاياها من الأطفال الأبرياء.

عودة إلى إمكانات الدفاع المدني السعودي بناء على حيثيات الخبر الثاني. استعان الدفاع المدني بكبريات الهيئات المتخصصة في الحفر ، أرامكو ، المساحة الجيولوجية، بن لادن. نقول لا بأس، لكن هذه الهيئات ليست إنقاذية، وأتوقع أنها هي التي قد تستعين بالدفاع المدني عند حصول الكوارث في أعمالها وليس العكس. أما مسألة الاستعانة بمهارات أربعة عمال أفغان، فهذه مسألة فيها نظر وتثير الدهشة وتحتاج إلى شرح موسع لجعلها مفهومة ومقبولة.

أريد أن أقول: الكوارث قد تأتي فرادى ، ومن لطف الله أنها أحيانا تكون في فترات زمنية مناسبة لأعمال الإنقاذ، لكنها قد تأتي فجأة وفي عدة أماكن وبتزامن واحد وفي فترات غير مناسبة.

الدفاع المدني السعودي يحتاج وبسرعة بناء على هذه الاحتمالات أن يستثمر فيه ماليا وتدريبيا وآليا واستشاريا على أعلى المستويات، بما هو أوسع وأكبر بكثير من الموجود الآن.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب