Wednesday 08/01/2014 Issue 15077 الاربعاء 07 ربيع الأول 1435 العدد
د. عبدالله بن ثاني

د. عبدالله بن ثاني

إجابة على رسالة نجدة أنزور:

08-01-2014

موهبة السعودية في إرسال الرغيف والدواء وليس في تنفير القتلة والتكفيريين

بعد أن كتبت مقالي عن فيلم (ملك الرمال) الذي أخرجه الأستاذ نجدة انزور والموسوم «يا نجدة آنزور مخرج فيلم ملك الرمال: الملك عبد العزيز زعيم من زعماء الأمة الإسلامية والتاريخ الإنساني»...وصلتني رسالة في الإيميل تعقيبا من الأستاذ نجدة انزور مخرج فيلم ملك الرمال، وهي: «الدكتور عبد الله بن ثاني عميد الموهبة والإبداع بجامعة الإمام محمد بن سعود: لأن كان للملك المغفور له عبد العزيز آل سعود من المناقب ما ذكرت فلتتفضل المملكة بتوظيف الإبداع والموهبة التي تدّعي تعليمها حضرتكم لإخراج عمل سينمائي أو فني يظهر هذه المناقب فيكون الرد على الفن بفن وعلى الإبداع بإبداع بدلاً من إظهار موهبة المملكة في إرسال القتلة والتكفيريين لسفك دم الشعب السوري وزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد».

«نجدة أنزور»....

ولا أدري: هل هي من الأستاذ نجدة أو من غيره، ورجحت أنها من الأستاذ نجدة شخصيا لأن البريد يحمل عنوان تحت سماء دمشق 1931م وهو فيلم سوري لوالد نجدة إسماعيل انزور وهو من مفاخره التي ما يفتأ أن يذكرها في كل محفل، والذي جعلني أقف عند مضمونها الأخير الذي نص فيه على أن موهبة المملكة في إرسال القتلة والتكفيريين لسفك دم الشعب السوري وزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، ولي وقفات مع هذا المضمون غير الموضوعي تماما، ولن أتحدث عن مناقب الملك عبد العزيز الخالدة والتي اعترف بها العظماء المعاصرون له -رحمه الله- وهم أفضل مني ومن الأستاذ نجدة انزور وأكثر قدرة على تقييم زعماء التاريخ الإنساني الذين تميزت بصمتهم في جوانب الخير والبذل والإصلاح والصلاح، وسأركز على الجزء الأخير في الرسالة الذي يتهم المملكة العربية السعودية بأنها ترسل القتلة والتكفيريين لسوريا:

1- تعلم أيها الأستاذ نجدة انزور والحكومة السورية أن مايسمى بدولة الاسلام في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة لاعلاقة لهما بالمملكة العربية السعودية ألبتة وهي منظمات مصدرها العراق وسوريا بدليل أن أبا بكر البغدادي زعيم داعش وأبا محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة وهما غير سعوديين علما أن التنظيمين من رحم تنظيم القاعدة الذي تختلف معه في المملكة العربية السعودية جملة وتفصيلا ولم تسلم من شره قيادتها ولاحكومتها ولاشعبها. وهذا التنظيمان داعش والنصرة اعترفا في تصريحات رسمية بأنهما يتهمان (النظام السعودي) بالطعن بهم وبوضع العوائق أمامهم وأمام من يرغب بالسفر للجهاد في سوريا. وقد أثبت مؤخرا إصدار مرئي مطول خُصص لهذا الأمر باعتراف الشباب الذين يغادرون الحدود للقتال في الدول المجاورة. وقد تم نشره وحذفه عدة مرات من الإنترنت. وهو عبارة عن فيديو دعائي لمؤسسة الفرقان التي تعنى بإصدارات الدولة الإسلامية في العراق والشام على شبكات التواصل الاجتماعي. وفي هذا الإصدار عدد من الجهاديين السعوديين كما يسمونهم، ممن قاتلوا في العراق وأصبحوا من جنود الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهم يشرحون حيثيات وأوضاع سجنهم الصعبة جدا من قبل السلطات السعودية على خلفية «نفيرهم» أو حتى «نيتهم بالنفير» للجهاد في العراق. فكيف تحكم بعد ذلك يا نجدة على أن السعودية ترسل القتلة والتكفيريين لسوريا.

2- في التقارير الرسمية أن ما بين 3300 و11 ألف مقاتل من أكثر من 70 دولة توجهوا إلى سوريا لقتال قوات الرئيس بشار الأسد.وقال المركز الدولي لدراسة التطرف وهو شراكة بين خمس جامعات مقره جامعة كينجز كوليدج في لندن «نقدر أنه في الفترة من أواخر 2011 إلى العاشر من ديسمبر 2013 ذهب ما بين 3300 و11 ألف فرد إلى سوريا للقتال ضد حكومة الأسد». وأضاف «هذه الأرقام تشمل الموجودين حاليا في سوريا ومن عادوا إلى وطنهم أو ألقي القبض عليهم أو قتلوا». وأظهر التقرير أن العرب والأوروبيين شكلوا الجانب الأكبر من المقاتلين الأجانب إذ مثلوا ما يصل إلى 80 في المائة لكن كان هناك أيضا مقاتلون من جنوب شرق آسيا وأمريكا الشمالية وأفريقيا والبلقان وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. وقال المركز إن القادمين من غرب أوروبا - ومعظمهم من فرنسا وبريطانيا- مثلوا ما يصل إلى 18 في المائة من المقاتلين الأجانب في سوريا بينما مثل الآتون من الشرق الأوسط ما يصل إلى 70 في المائة.

3- يعلم نجدة أن التأزيم مصدره الواقع السوري بكل أسف الذي أعلن الطائفية على مكونات شعبه، وهذا شعور يختلج أهل السنة بعامة في كل العالم وليس مقتصرا على بلد دون بلد، إذ أشارت التقارير الرسمية إلى أن زيادة عدد القادمين من غرب أوروبا لثلاثة أمثاله بدءا من أبريل الماضي وهو أمر قالت التقارير إنه ربما كان مرتبطا بتزايد انضمام مقاتلين لبنانيين وعراقيين شيعة إضافة إلى دور إيران في القتال إلى جانب الأسد الذي ينتمي إلى الطائفة الشيعية العلوية. وجاء في التقرير «ربما عزز هذا وقوى من تصور بعض السنة بأن الصراع طائفي في الأساس وبأنهم بحاجة للوقوف جنبا إلى جنب لوقف تقدم العدو (الشيعي)».ولم تشمل نتائج التقرير آلاف المقاتلين الأجانب الذين يعتقد أنهم قاتلوا في صفوف قوات الأسد. وهذا أكدته وكالة رويترز.

4- صحيح أن ما يمر به الشعب السوري من جحيم مزعج للمملكة العربية السعودية حكومة وشعبا، ولذلك هبت جمعيات البر والخير والإحسان إلى مد يد العون لإخوانهم في العروبة والإسلام في المخيمات التي على حدود بلادهم وقدمت حكومة خادم الحرمين الشريفين تسهيلات للمقيمين السوريين على أرض المملكة فيما يتعلق بالتأشيرات والرعاية التعليمية والصحية والسكنية والإغاثة تقديرا لظروفهم الإنسانية التي ما مرت على بشر منذ بدء الخليقة لأن الإبادة التي يتعرض لها الشعب السوري بالكيماوي والبراميل المتفجرة والقتل على الهوية تضرب الإنسانية ومنظماتها العالمية في صميمها لأنها فوق التصور والخيال.

5- لا يعني تقديم المساعدات الإنسانية من قبل حكومة المملكة العربية السعودية أنها تقر كل من يريد أن يتخطى الحدود للقتال في سوريا بدليل أن القضاء السعودي يحكم في جلساته المعلنة في وسائل الإعلام على كل من حاول أو هيأ للذهاب إلى تلك الجهات، ولذلك كثيرا ماكانت المصادر السعودية تنص على وجوب التقيد بتعليمات وزارة الداخلية الصارمة، ومن ذلك ما أكده مصدر سعودي لـ»الخبر برس» إجابة على سؤال حول وجود هؤلاء في سورية بصفة حكومية قال المصدر: «المملكة لم ترسل أي مواطن للقتال في سورية ومن يذهب يذهب بمبادرة شخصية»..

6- الفتاوى الرسمية من قبل هيئة كبار العلماء تمنع من الذهاب إلى العراق وسوريا، ولم تتبن أي جهة دينية رسمية في الدولة هذا الاتجاه بل العكس تماما سيقدم للمحاكمة من يخالف هذه التعاليم المشددة، وأن المساعدة تقتصر على المساعدات الخيرية لرفع البلاء والحاجة عن هذا الشعب المكلوم في الدول المجاورة في الأردن ولبنان وتركيا دون تدخل في الأراضي السورية، وأما المواقف الشخصية والمبادرات الفردية من آحاد الناس فلا تمثل رأيا رسميا، ومن يقوم بها يتحمل نتائجها كما أن تلك المبادرات الفردية للبريطانيين مثلا لاتمثل الرأي الرسمي البريطاني الذي أسقط الجنسية عن المشاركين في مسرح الأحداث، ومن الأمثلة على ذلك: التصريح الذي نشرته العربية في صفحاتها الرسمية عن رأي سماحة مفتي عام السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ الذي وجه نقده إلى الذين يحرّضون الشباب على الذهاب إلى الجهاد بينما يمنعون أبناءهم عنه، مؤكداً أنهم يزجّون بهؤلاء الشباب في الهاوية. وهو يقصد سوريا والعراق. وكذلك أكد سماحته إن الدعاء للسوريين ومساعدتهم بالمال قد يكون الأفضل (الجزيرة-أرشيف)، كما حذر من دعوة الشباب السعودي إلى ما سماه الجهاد في سوريا، وقال إن دعم السوريين «بالمال قد يكون أفضل». وخلال لقاء مع خطباء المساجد في الدمام شرق السعودية، قال المفتي «أنا لا أؤيد خروجهم للجهاد مهما كان»، في إشارة إلى شباب السعودية، وعلل موقفه بأنهم -أي الشباب- سيذهبون إلى أماكن غير معروفة ولا يعلمون تحت أي لواء ينخرطون»، وأن ذلك قد يوقعهم في أشياء غير مناسبة ويكونون هدفا سهلا لأعدائه، وأضاف سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ أن الدعاء للسوريين ومساعدتهم بالمال قد يكون أفضل لهم وهو ما يلزمهم، واشترط أن «يكون دعمهم بالطرق النظامية»، وكان أحد أعضاء هيئة كبار العلماء السعودية أصدر في يونيو/حزيران الماضي فتوى تقضي بتحريم الجهاد في سوريا على السعوديين دون إذن من السلطات، وذلك بعد تصاعد الدعوات إلى ذلك في شبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت.

وصرح لـ«الرياض» عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور عبدالله المنيع أنه لا جهاد في الحروب الأهلية, وأن ما يحصل في سوريا وبلاد الثورات ما هو إلا حروب أهلية لا جهاد بها, كما أن الحروب الأهلية يصعب فيها تحديد الأصدقاء من الأعداء خاصة وإن كانت الدولة مسلمة. واستنكر الشيخ المنيع الفتاوى التي تستثير شباب المملكة للقتال في سوريا تحت مسمى الجهاد, مشيرا إلى أنه من أركان الجهاد موافقة ولي الأمر والدولة لم تأذن بالجهاد, وقال: ينبغي للإنسان في مثل هذه الحروب أن لا يتصرف إلا في إطار رأي ولي الأمر, وكون أنه يستقل في نفسه ورأيه هذا لا يجوز شرعا... والأمثلة كثيرة من علماء المملكة حفظهم الله.

7- السعودية يؤلمها كثيرا الواقع الذي وصل إليه النظام السوري مع شعبه، وتردد دائما في خطابها الرسمي الحل السلمي في سوريا، قال وزير خارجيتها سعود الفيصل في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري محمد كامل عمرو في الرياض «الخروج السلمي من الأزمة السورية مطلوب ومرغوب عربيا ودوليا»، وأن طريقة وشروط الخروج تتوقف على الشعب السوري نفسه..

8 - في الإحصاءات الرسمية التي نشرتها الوكالات العالمية أن عدد السعوديين المشاركين في سوريا لا يتجاوز الآلاف من 2000 إلى 7000 فقط، وهذا رقم بسيط لايستدعي كل هذا العداء والتشويه يا نجدة مقارنة بمن هم في الساحة من أوروبا وأمريكا والمغرب العربي والعراق ولبنان, وقد نفر هذا العدد البسيط بمبادرات شخصية تحمسا لما لحق بإخوانهم في العقيدة والعروبة والإسلام من إبادة وتنكيل وتهجير بينما يسكت نجدة أنزور وغيره عن الأعداد الهائلة الباغية الغازية من العراق ولبنان وإيران ويرون مشاركتها جهادا طائفيا، والتي تصل أعدادهم إلى مئات الآلاف التي لحقت بالجيش السوري الظالم دعما للشبيحة والمرتزقة والتي لم يسلم منها الأرض والعرض والروح، وفعلت ما لم تفعله كل القوى الغازية لهذا الشرق منذ مئات السنين.

9- المملكة العربية السعودية لم تبعث الشعب السوري للثورة على نظامه ولم تكن ذات يوم إلا في صف سوريا حينما كانت دولة مقاومة وممانعة وتحمل هم العروبة والإسلام، وتحملت كثيرا من الأزمات التي تعرضت لها سوريا وتنازلت كثيرا وتسامحت أكثر مع قيادات سوريا التي تهجمت وتطاولت على السعودية قيادة وشعبا ولاأدل من موقف خادم الحرمين الشريفين الأبوي مع الرئيس بشار في مؤتمر الكويت الاقتصادي أمام العالم بأسره، وليس كثيرا لأن مبادئ الأخوة تقتضي ذلك ولكن ثورة الشعب السوري يتحملها من أوصل هؤلاء البشر الصابرين المحتسبين عقودا إلى هذه الحالة بعد فقدوا كل مقومات الحياة والعيش الكريم والمواطنة المحترمة.

10- نسأل الله أن يمن على سوريا بالاستقرار والأمن والأمان وأن تعود إلى سابق عهدها الحضاري والإنساني الذي علم منارات الفكر العالمي الأبجدية، كما أتمنى للأستاذ نجدة أنزور أن يوفقه الله للحق والحقيقة والإنصاف. . والله من وراء القصد

abnthani@hotmail.com

عميد الموهبة والإبداع والتميز البحثي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

مقالات أخرى للكاتب