Thursday 23/01/2014 Issue 15092 الخميس 22 ربيع الأول 1435 العدد
23-01-2014

التقويم يا وزارة التربية والتعليم

خلال الأسابيع القليلة الماضية، ومع موسم الامتحانات شدّت كل الأمهات اللاتي أعرفهن ممن وصل أبناؤهن إلى السنة الأولى في المرحلة المتوسطة شعورهن، وصرخن وعبَّرن عن خيبة عارمة في كل نظام التعليم. والسبب أنه وللمرة الأولى في حياة أبنائهن يضطر الولد أو البنت إلى الدخول في تجربة الامتحانات الفعلية، فطوال سنوات الابتدائية الست لم يتعلم الطلبة أن يدرسوا فعلاً، فنسوا مهارة الحفظ أو القدرة على كتابة فقرة، أو التعبير عن معلوماتهم بلغة عربية سليمة تتضمن أدوات الربط وتشكل جملاً مفهومة.

ومن ثم لم تكن مهمة هؤلاء الأمهات التأكد من معرفة أبنائهن للمقررات المختلفة التي سيمتحنون فيها، بل إعادة تأهيل هؤلاء الطلاب ليكونوا قادرين على عبور هذه الامتحانات، من حيث فهم طريقة الأسئلة والقدرة على استعادة ما يدرسونه، وصياغته بعبارات مفهومة (رغم أن المدارس للأسف وللتسهيل على الطلاب تنحو تجاه الملخصات للمواد، مع التركيز على الأسئلة الموضوعية التي لا تحتاج الإجابة عليها إلى كتابة).

وما نتحدث عنه هنا هو نظام التقويم المستمر المطبق في المرحلة الابتدائية، حيث يكتفي بنظام تقويم المعلم للمهارات المختلفة للطالب مع إلغاء الامتحانات في آخر الفصول الدراسية، والذي بدأ تطبيقه في مدارس المملكة منذ العام 1419 وحتى هذا العام، وبدأ تطبيقه على الصفوف المبكرة تم تدرج حتى شمل كل سنوات المرحلة الابتدائية في الأعوام الأخيرة. وقد رأت الوزارة آنذاك أن تطبيق هذا النظام يتماشي مع روح العصر، ومع التطورات التي يشهدها علم التربية، الذي يركز على المفاهيم والمعاني والنظرة الكلية للمعرفة وللتعلم، أي النظرة البنائية.

وقد حددت المادة الخامسة من لائحة تقويم الطالب التي استصدرتها الوزارة مع بدء تطبيق هذا النظام، إلى أن معيار الحكم على مستوى الطالب هو مدى إلمامه بالمهارات والمعارف الأساسية المحددة، ضمن قوائم شاملة لمفردات المنهج من قبل وزارة التربية والتعليم. والحكم بانتقال الطالب من صف إلى صف أعلى يُبنى على تمكن الطالب واكتسابه لحدٍ أدنى من العلوم والمعارف والمهارات الأساسية المحددة من وزارة التربية والتعليم. (وزارة التربية والتعليم, 1426هـ )

لكن ما الذي حدث، وكما أشارت العديد من الدراسات؟؟؟

تم تطبيق النظام دون تدريب عميق للمعلمين ليتمكنوا من استيعاب فلسفته التي قام عليها، وهي التأكد من إتقان المهارات قبل الانتقال إلى مهارات أعلى، سواء كانت عقلية او لغوية او معرفية، كما أن الكثير من المعلمين غير المدربين بما فيه الكفاية وجدوه وسيلة تريحهم من (دوشة) الامتحانات والتصحيح ورصد الدرجات، وأصبح المتعارف عليه إعطاء امتياز في كل المهارات دون التأكد فعلاً من تحقق هذه المهارة لدى المتعلم، كما وجدها الأهل طريقة مريحة أيضاً أعفتهم من أعباء التدريس والمتابعة لأولادهم، فهم في كل الأحوال قد ضمنوا الانتقال الآلي لأطفالهم من سنة إلى أخرى دون أن يدركوا أن معارف أبنائهم الأساسية كانت تتساقط على الطريق وتضمحل سنة بعد أخرى.

تطبيق هذا النظام كان يتطلب بيئة تعليمية وتربوية وأسرية متكاملة، تبدأ من استيعاب المعلمين لفلسفة التقويم الأساسية، مروراً بفصول معقولة في إعدادها، يستطيع المعلم فعلاً أن يتابع مهارات طلابه بدل هذه الأعداد التي تصل في بعض المناطق إلى 40 طالباً وطالبة، وعطفاً على الأهالي الذين يجب أن يكون همهم الأول ليس فقط الانتفال الآلي لأطفالهم بل حقيقة التعلم وهل حدثت أم لا؟

في هذا الخصوص أجرت طالبة الماجستير (فاطمة التميمي) من قسم السياسات التربوية بكلية التربية جامعة الملك سعود دراسة استطلاعية، تتبعت فيها نتائج الطالبات ممن طبق عليهن نظام التقويم منذ ست سنوات وانتقلن الى الأول متوسط، إذ لاحظت الباحثة تراجعاً كبيراً في المستويات الدراسية للطالبات، وخصوصاً مهارات اللغة العربية (القراءة والكتابة)، وهي المفتاح لبقية المواد وتليها مخرجات المرحلة المتوسطة لهؤلاء المجموعة، حيث جاءت النتائج مخيبة للآمال خصوصاً في الفصل الأول، إذ كانت نسبة النجاح في الصف الأول متوسط 68% فقط في أربع مدارس من كبرى مدارس الدلم، بعكس ما كانت عليه قبل عام من تطبيق النظام، إذ كانت نسبة النجاح في الصف الأول متوسط للفصل الدراسي الأول 98.7% (مكتب إشراف الدلم, 1434هـ).

كما قامت ذات الباحثة بدراسة كيفية للمعلمات قابلت فيها 18 معلمة، وقامت بملاحظتهن في فصولهن، وأوضحت النتائج وجود خلل كبير في معرفة أساليب وأدوات التقويم المستمر، وفي كيفية استخدامها بين هؤلاء المعلمات.

النتيجة؟ هم أطفالنا الذين مروا بالمرحلة الابتدائية خلال السنوات الأخيرة منذ بدء تطبيق النظام عام 1419، فالطالب اليوم لا يعرف القراءة، وإن عرفها فلا يعرف الإملاء، وإن عرف الإملاء استعصت عليه بعض المفاهيم الرياضية الأساسية!

ما هو الحل؟ كما أشارت التقارير: فإن الوزارة بصدد إيقاف هذا النظام بعد إثبات فشله على جيل كامل بدءاً من العام القادم!!

هكذا وبكل بساطة.. يسقط جيل كامل نتيجة محاولة الوزارة (مجاراة العصر؟؟!) ماذا نفعل نحن الأهالي مع هذا الجيل الذي لا يستطيع أن يفهم سؤالاً يبدأ بكلمة: علل او أشرح في فقرة كاملة او تذكر الجدول الرياضي أو اقرأ قطعة محفوظات واحفظها او لخص قصة في منهج القراءة واشرحها بلغة عربية سليمة؟!

ماذا نفعل؟ هل تريدون نصيحة عملية؟

عليكم أن تعوضوا هذا النقص عبر مدرسين خصوصيين في اللغة العربية والرياضيات، وعبر متابعة يومية للتلميذ والتأكد بأنفسكم من مهاراته ولا تتركوها أبداً أبداً للمعلمين.

مقالات أخرى للكاتب