Thursday 23/01/2014 Issue 15092 الخميس 22 ربيع الأول 1435 العدد
23-01-2014

حتى لا يتحول تعليمنا إلى تجارب

لماذا تسير خطوات تطوير التعليم لدينا بخطوات بطيئة؟ ولماذا لا تكون على المستوى المطلوب والمتوقع من وزارة توفر لها الدولة منذ عقود ميزانيات ضخمة تسمح لها أن تنجز ما يعدّ لها مفخرة في مسيرة البناء والنهضة والتقدم؟

سيبقى هذا التساؤل في حاجة لإجابات شافية وافية، تتعدى الردود الإعلامية التي تهدف لبث الاطمئنان في النفوس، أو تسعى للدفاع عن كل ما هو كائن أو تعمل على تبريره، ونحن - وإن كنا في حاجة لما يريح النفوس - إلا أن قضية التعليم هي قضية تمثل حياة ومستقبل الوطن، وما يمسّ وطننا أو يتصّل بكيانه يجب ألا يكون محلاًّ للمجاملات أو موضعًا للسكوت عليه أو السلبية تجاهه، أو الاكتفاء فقط بمحاولات بث روح الاطمئنان ثم ما تلبث الأمور أن تعود إلى سيرتها الأولى.

ولعلّ هذا يفسر لنا الدافع وراء استقبال الأمير خالد الفيصل فور تعيينه وزيراً للتربية والتعليم بهذه الآراء التي ازدحمت بها صحافتنا، وفرضت نفسها على منتدياتنا وأحاديثنا، وكيف لا والتعليم هو قضية كل بيت وأمل كل من يتطلّع للمستقبل الذي يليق ببلادنا؟ ونحن على ثقة أن سمو الأمير الوزير يعايش قضايا ومشكلات التعليم في المملكة، ويضع يده على مواضع الأزمات فيه، وأنه - بحكمته وفكره وحزمه في إداراته، وبراعته في كل ما تولاّه من مناصب قيادية - قادر بعون الله على التشخيص الدقيق لواقع ما يعانيه تعليمنا من أزمات تعوق تقدمه وتطوره، وتجعله بعيدا عن تحقيق طموحاته بصورة أفضل، وبناء على هذه الثقة تعددت الرسائل الموجهة عبر الإعلام إلى سموه، بعضها يسترجع أحلام الماضي التي لم تتحقق، وبعضها تناقش مشكلات الحاضر، وأخرى تعبر عن تطلعاتها نحو المستقبل.

ولسنا هنا بصدد استعراض تفاصيل تلك الرسائل، فوزارة التربية والتعليم تمتلك من الأجهزة والكفاءات ما يمكنها من تصنيف كل ذلك، بل والوقوف على تفاصيله، غير أن ما يستوقف المتابعين هو استرجاع تلك الرسائل للمقارنات بين حالة تعليمنا وبين حالته في نماذج الدول المتقدمة، وهنا نخشى أن نعيد من جديد محاولات أخرى للاطلاع على تلك النماذج، ثم نكتفي باستعادة الذكريات حولها، والاكتفاء بإبداء الدهشة وكل معاني الاستغراب بشأن ما وصلت إليه هذه الدول من تطور وتقدم، فلقد سبق أن مرّ على وزارة التربية والتعليم وقت من الزمن شنّت فيه هجمة استكشافية واسعة النطاق، للوقوف على تجارب العديد من الدول المتقدمة، فأرسلت العديد من مسؤوليها ليقفوا على تجارب تلك الدول، ومعرفة أسباب التقدم فيها، وأهم الدروس المستفادة منها، فكانت رحلات الوفود المشهورة في الوزارة التي غطت نماذج متعددة على خارطة التربية والتعليم الدولية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ووقفت الوزارة على واقع التعليم في العديد من الدول ومنها اليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والصين واستراليا وفنلندا وغيرها، وماذا كانت النتيجة من هذه الرحلات الاستكشافية التي استغرقت وقتا وجهودا ناهيك عن الأموال التي أنفقت عليها؟

لعل النتيجة المؤكدة أن الوفود المستكشفة قد وصلت إلى حقيقة مهمة لم يختلفوا عليها، وهي أن ما وصلت إليه تلك الدول من سبق كبير وضخم في ميادين التطور والتقدم التقني والاقتصادي، كان للتعليم فيها الدور الواضح في صناعته وتحقيقه، مما جعل هذه الدول تفرض هيمنتها الاقتصادية حتى أصبحت كثير من شعوب العالم تعتمد على ما تنتجه هذه البلدان، التي تبوأت مكانة متميزة في مختلف الميادين بفضل التعليم المتطور فيها والذي كان للمعلم أكبر الدور في تحقيقه.

ولقد أجمعت الوفود الاستكشافية للوزارة على ضرورة وجود المعلم المتميز والمعلمة المتميزة، إذا أردنا تحقيق أهداف العملية التعليمية، فالمعلمون والمعلمات هم القادرون على تحقيق الأهداف مهما كان طموحها أو بدا لنا أن هذا الطموح بعيد المنال . وقد بدأت البوادر التي بعثت الأمل فينا واستبشرنا بها خيرا عندما رفعت الوزارة في فترة من الفترات - وعقب اطلاعها على تجارب تلك الدول - رفعت شعارات براقة حول أهمية تطوير المعلم والمعلمة والعناية بهما ليكونا على قدر المسؤولية في التطوير، وكم سمعنا في مختلف المناسبات مسؤولي الوزارة وهم يصرّحون بما أثلج الصدور حول المعلمين والمعلمات، ولكن أين اتجهت هذه الصيحات وأين ذهبت تلك التصريحات؟

وبحكم معايشتي للتعليم في مواقع مختلفة من المسؤولية ثم متابعًا بعد ذلك أقول: لقد كان بمقدورنا واستطاعتنا أن نحقق تطورا حقيقيا في تعليمنا متى جعلنا المعلمين والمعلمات في المكانة التي يستحقونها من الاهتمام واستفدنا من تجارب غيرنا في إعدادهم وتأهيلهم والعناية بهم، غير أن جهود تطوير التعليم قد تشتت في ميادين متعددة على مدى عقود مرّت في تاريخ الوزارة، فلم تستطع أن توفي كل ميدان حقّه من الاهتمام المكثف، والأدلة أمامنا واضحة: فالمباني المدرسية تعاني من نقص ملحوظ سواءً في تأسيسها أو تأثيثها، والمناهج الدراسية خضعت لتجارب عديدة وكان من ثمارها ما نراه على ظهور أبنائنا وبناتنا من حقائب مدرسية لم تستطع محاولات تطوير المناهج تخفيفها، ولم يكن بمقدور التقنية المعاصرة للوزارة أن تخفف من أثقالها التي قوّست ظهور الطلاب والطالبات، كما أن الشعارات التي رفعتها وتغنّت بها الوزارة حول اهتمامها باللغة العربية تثير في النفس مكامن الحزن على لغتنا عندما نقف على حقيقة مستوى أبنائنا وبناتنا في اللغة العربية، وهو مستوى لا يخفى على أحد.

ومع كثرة التجارب والمحاولات التطويرية التي لا نشك في صدق توجهها، وغطّت مجالات عدة في العلوم والرياضيات وفي تدريس اللغة الإنجليزية وفي تطوير الاختبارات وغيرها، مع هذه التجارب الكثيرة لم ينل العصب الرئيسي في العملية التعليمية - وأقصد به المعلمين والمعلمات - ما يستحقه من الاهتمام، حيث بقي العبء التدريسي عليهم كبيرا، واستمرت شكاواهم تتزايد مطالبة بتحسين المستوى، بل وتحسين أحوالهم ورد اعتبارهم، واسترجاع مكانتهم اللائقة بهم، تلك المكانة التي عرفها لهم مجتمعهم في زمن ليس بالبعيد.. وفي الوقت الذي نشارك فيه وزارة التربية والتعليم اقتناعها بأهمية المعلم والمعلمة في العملية التعليمية، وبأن أي محاولة تطويرية للتعليم سوف تتحطم عند صخرة المعلم غير الكفء، فما يزال المعلمون والمعلمات في انتظار من يحقق لهم آمالهم، ويجسّد لهم مطالبهم، ويحسم لهم رغبتهم في التقاعد المبكر الذي خضع لدراسات وبحوث مستفيضة، وأنفق عليها الكثير من الجهد والوقت والمال، ثم تلاشت صدى نتائجها بين وزارات التعليم والمالية والخدمة المدنية على الرغم مما ثبت من إيجابيات كثيرة لتخفيض سن التقاعد على العملية التعليمية، وبصفة خاصة للمعلمات، لما لذلك من تأثيرات يعود مردودها على دور المعلّمة في أسرتها ورعاية شؤونها، علاوة على ما يوفره تقاعدها المبكر من حلول لمشكلة البطالة التي تستشري في قطاع المرأة على مرّ الزمن وتحتاج إلى حلول حاسمة وليس إلى مسكنات مؤقتة . والآمال معقودة على الأمير الوزير - خالد الفيصل - أن تجد ملفات المعلمين والمعلمات ما تستحقه من فكره السديد، ومن اهتمامه وحسمه المعروف حتى يتحقق طموحنا جميعًا في أن يصبح التعليم في بلادنا في مصاف الدول المتقدمة، فهو طموح ليس بعيد المنال، عبر همة الرجال المخلصين الأوفياء الذين يكملون ما بدأته الوزارة من مشروعات تطويرية، ويحسمون أمرها بوقفة تقويمية تعدّل ما يحتاج منها إلى تعديل لمساره، وفق منهج بحثي علمي لا تعيقه أعمال اللجان، أو تستوقفه مصالح أي جهة مستفيدة يكون مسعاها تحويل التعليم إلى ميدان للتجارب.

وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام سابقاً

مقالات أخرى للكاتب