Thursday 30/01/2014 Issue 15099 الخميس 29 ربيع الأول 1435 العدد
30-01-2014

إبراهام لينكون وزكاة الأراضي

في عام 1863 ميلادية، وقف إبراهام لينكون خطيبا ليعلن قرار تحرير العبيد، خاتما حديثه بقوله « وأنا أعتقد مخلصا بأن هذا القرار هو قانون إقرار العدالة المضمونة بالدستور والمحمية بقوة الجيش عند الضرورة. وأنا قد أقمت هذا الأمر باستدعاء حكم الإنسانية، ورأفة ورحمة الرب العظيم». فكانت العاقبة حميدة عليه وعلى بلاده وقومه . فتوحدت البلاد وتضاعفت الولايات وتحقق له ما لم يتحقق لأحد من العالمين. فقد اجتمعت الإنسانية جمعاء على قراره الذي شرعه، من غير إجبار. ولم يجتمع العالم قط على قرار بشر من قبله ولا من بعده.

لقد كان تحرير العبيد خروجا صارخا على التعاليم المسيحية فلم يثنِ ذلك إرادة لينكون، فما بالنا نتردد في قرار جباية زكاة الأراضي وهي أمر واجب في التعاليم الإسلامية، لكونها أموالا ظاهرة.

وتحرير العبيد لم تكن له أي جدوى اقتصادية منظورة آنذاك، بينما تكمُن كل الجدوى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في فرض الزكاة والضرائب على الأراضي.

وتحرير العبيد كان يرتكز على حجة مبدأ العدالة الإنسانية والرحمة البشرية فصودرت ملكية العبيد مصادرة بلا أي عوض، وزكاة الأراضي ترتكز كذلك على مبدأ العدالة ومع ذلك فهو قرار لا يُصادر ملكيتها من ملاكها بل يعنيهم على أنفسهم بمنعهم من ظلم مجتمعهم وأهلهم.

ولم تكن العبودية شيئا هامشيا في اقتصاد البلاد، بل كانت قيمتها آنذاك تساوي مجموع جميع الشركات الكبرى في أمريكا اليوم. وقد حُسبت القيمة الاقتصادية للعبودية آنذاك بالقوة الشرائية اليوم فقاربت خمسة عشر تريليون دولار، أي ما يساوي الاقتصاد الأمريكي اليوم. وقد كان عائد العبد السنوي على سيده يتجاوز 10% سنويا، مقارنة بأعلى العوائد آنذاك والتي كانت لا تتعدى 6% . وكذلك هي حال الأراضي عندنا في الأهمية الاقتصادية، ولكن بوضع معكوس. فتحرير العبيد كان إهدار لذلك الاقتصاد العظيم الكبير، بينما فرض الزكاة والضرائب هو إحياء للأراضي المجمدة وتشغيل للاقتصاد وإدخال قيمتها واقتصادها مُضاعفا أضعافا عديدة داخل اقتصاديات المجتمع.

قرار تحرير العبيد كان قرارا سياسيا داخليا خطيرا، لأنه كان ضد الغالبية الساحقة. فقد كان عدد العبيد يتجاوز عدد البيض الأحرار في الجنوب. فلم يكن قرار تحرير العبيد مقتصرا على إغضاب الفئة الغنية، بل هو إغضاب لكل أفراد المجتمع، بينما الأراضي على عكس ذلك. فلا خطر من غضب وامتعاض مُلاك الأراضي الكبيرة، فهم قلة قليلة جدا، وليس لكثير منهم أي إنتاجية في المجتمع، وكسر احتكارهم للأراضي بفرض الزكاة والضرائب هو كسب لتأييد الغالبية من المجتمع.

واقتصاد العبيد كان مصدر دخل مجاني لا ينضب ولا يستهلك شيئا من موارد البلاد الطبيعية. فسبعون ألفا من العبيد الجدد يصلون سنويا لأمريكا، كانت تعتمد عليها تجارة عظيمة تبدأ من التمويلات والبنوك وتنتهي بالإدارة والوساطة، فتحرير العبيد كان تضييعا لهذا الدخل المجاني المتجدد المتدفق على البلاد من الخارج. وأما الأراضي، فهي محدودة ولا تعويض لها من الخارج.

وقرار تحرير العبيد ما كان يتصور له فوائد مستقبلية آنذاك، وزكاة الأراضي وضرائبها على العكس تماما.

يهوش بعضهم ويخوف الناس بخطورة فرض جباية زكاة الأراضي وعدم جدواها وعدم شرعيتها، رغم أن الصحيح عكس ذلك تماما. كيف استطاعت قلة مُحتكرة، أن تجمد المشروع مرارا ومرارا. لم لا نر استجابة قوية للإعلام والصحافة والكُتاب لفرض الزكاة والضرائب وهي من أهم القرارات الإستراتيجية الإصلاحية في إصلاح ما مضى وإصلاح ما سيأتي، بدلا من نشر إشاعات الفساد ومحاربة المجتهدين والمخلصين.

إن نجاح نمو الاقتصاد وضمان استقرار السياسة الداخلية والتحام البنية الاجتماعية كلها معلقة بحل وضع الأراضي، والذي لا حل لها جذريا إلا بزكاتها وفرض الضرائب عليها . وكلما تأخر الحل كلما تعقدت المسألة وأصبح لحلها آثار سلبية أخرى. فتأخيرها سيضاعف من مشاكل التمويلات القائمة والمشاريع المنفذة. ويزيد من عدد المتورطين في عقارات شروها بأثمان غالية. وتأخير القرار يخلق كذلك عدم استقرار السوق مسببا ارتفاعا لمعدل المخاطرة في الاستثمار العقاري مما يرفع الأسعار ويقلل الاستثمار. كما يسبب تعنتا واشتدادا من مُلاكها في احتكاريتهم.

إذا قارنت عظيما فقارنه بالعظماء، وقد قال عليه السلام « إذا فاخرت ففاخر بقريش», فأين قرار زكاة الأراضي من قرار تحرير أبراهام لينكون للعبيد!!!

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب