Monday 03/02/2014 Issue 15103 الأثنين 03 ربيع الثاني 1435 العدد
03-02-2014

إرهاصات

* هناك ظواهر في المجتمع، أو في بعض شرائحه، تبدو أو تبرز للجمهور المتابع لوقائعها على أنها صورة من صور الإخفاقات الإدارية الفاشلة، لكنها في الواقع والحقيقة بوادر تصحيح لبعض مساراتنا الوظيفية، وتستحق منا الوقوف والمساندة. فأخلاقيات المهنة، وقواعد السلوك الوظيفي بدأت تأخذ منحى آخر، يتجاوز التنظير إلى التطبيق العملي الفاعل، المستفيد من الوسائل التقنية المتاحة كافة.

* كثير من المؤسسات الحكومية استشعرت أن الإخفاق في المخرجات، أو تدني الجودة في المشروعات، أو القصور في الخدمات العامة المقدمة للموطنين، أو المفترض تقديمها، سببها الإهمال الوظيفي، أو ما يسمى (التسيب الإداري) الذي بات ظاهرة مرصودة، ولا مكان في هذا العصر لأيّ مقصّر، أو متراخٍ، فالتنافس هو الإبداع والإتقان والجودة، ويشتد يوماً بعد آخر في هذا العصر الذي أصبح التحدي فيه على أكثر من صعيد سمة من سماته.

* تُردَّد كثيراً عبر وسائل الإعلام المختلفة إثارات متعددة عن تطبيق بعض المؤسسات نظام (التبصيم) لإثبات الحضور والانصراف للموظفين، وهو في حقيقته أحد الإجراءات المستقبلية الحتمية على موظفي الدولة كافة لتطبيق (الحكومة الإلكترونية) التي تفاوت تطبيقها بين مؤسسة وأخرى، هذه الخطوات أمست جزءاً من أحاديثنا في منتدياتنا العامة والخاصة، وطبيعي أن تكون بين مؤيد ومعارض لها، كغيرها من المسارات التي اخترناها للتغيير. وأعتقد أن هذا الحراك من بعض المؤسسات والهزات التي أصابت المنتسبين للوظيفة العامة تبدو في بعضها كإحدى إرهاصات التصحيح الإيجابي التي نسعى من خلالها للحد من الإهمال، أو التسيب الوظيفي الذي أعاق التنمية في بعض مفاصلها ببلدنا. ليس هذا فحسب، بل شوه الكثير من منجزاتنا أمام الآخرين، حتى مع الدول القريبة التي تتشابه وتلتقي معنا في كثير من الظروف، وخلقت إلى جانب ذلك نوعاً من التوتر بين المواطن الذي بات يحلم بخدمات تليق به بوصفه مواطناً سعودياً، يباهي بها غيره، وما يشعر به من إهمال بعض المسؤولين، أو عدم مبالاتهم، نتيجة ضعف الرقابة والمتابعة عليهم.

* التغيير في سلوك الموظفين، أو التطوير في إدارة المنشآت، فن له قواعده، وأصوله، ونظرياته، وأدبياته.. تلك الأصول قد تغيب أحياناً عند بعض متخذي القرار في مشروعه التطويري، أو عند رغبته في التغيير، فيتحول القرار في المشروع التطويري البنّاء إلى مشكلة، أو إحداث زوبعة، وصراعات قوية، تتجاوز حدود المنطق والمعقول في التعامل والحوار داخل بعض المؤسسات، بسبب عدم التهيئة، أو التدرج، أو التوعية بمثل تلك الخطوات الإصلاحية وغاياتها وأهدافها.

* على أية حال آلت إليها الأوضاع في تلك المنشآت، يبقى الإصرار والعزيمة المطلقة على تحقيق الهدف السامي والغايات النبيلة لهذا الشأن أهم المؤشرات الحقيقية لاختيار القيادات والكفاءات الإدارية، ودعمها والوقوف معها؛ حتى لا يتسلل إليها اليأس والإحباط، أو تُترك وحدها في ميدان الصراع، وهو ما يؤدي في بعض صوره إلى فقدان الثقة بالمؤسسة ككيان.

* ظاهرة ثانية من الظواهر التي لا يقل أثرها وامتدادها عن الأولى، تتمثل في تلك التجاذبات القوية، أو الاختلافات الإيجابية الصحية في بعض المجالس، وأعني المجالس البلدية، ومراحل انتخاب رؤساء الغرف التجارية، وجميعها من القضايا الساخنة على السطح، فالأولوية في طرح المشاريع في المناطق والمحافظات والمراكز الإدارية ومستوى الخدمات العامة، والإيرادات والمصروفات، والحسابات الختامية، والتقارير السنوية، مثار جدل بين البلديات وهذه المجالس، وكذلك الشأن في الغرف التجارية، وما يصاحب مراحل الانتخابات من إسقاطات قد لا تكون حقيقية. هذه الأجواء والمناقشات في كل أحوالها تنأي بأي مؤسسة حكومية أو شبهها عن الممارسات غير السوية، والاجتهادات الفردية التي لا تخدم المصلحة العامة للوطن والمواطن.

* إذا كان ما أشرنا إليه يدور حول أداء المؤسسات الحكومية، أو السلوك الوظيفي، وأخلاقيات المهن في أي مجال، فإن هناك ظواهر أخرى، على المستوى الفكري والثقافي، بات طرحها مألوفاً، وينعم بجو من الحرية التي أُتيح للمواطن الصادق المخلص أن يغرّد فيها، دون المساس بثوابت المجتمع، أو يكون سبباً في شرخ الوحدة الوطنية التي ننعم بها.

إذن، لنتكيّف أمام هذه الأجواء، ولنقبلها بتقلباتها، ولنقف صامدين أمام النوافح واللوافح .

dr_alawees@hotmail.com

dr.alawees.m@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب