Friday 07/02/2014 Issue 15107 الجمعة 07 ربيع الثاني 1435 العدد
07-02-2014

نعم .. ما لدينا من كليات الطب يكفي!

عنوان جريء ولكنه صادق هذا الذي روّس به زميلنا الكاتب الباحث الدكتور محمد الخازم مقالته المنشورة في صحيفة الجزيره بتاريخ 28-3-1435هـ تحت عنوان (لا للمزيد من كليات الطب). خلص الدكتور إلى هذا الرأي القاطع في ضوء ما توصلت إليه دراسة -

ذكر أنها تعدّ للنشر فى إحدى المجلات العلمية - بأن كليات الطب الحكومية القائمة ستخرج حوالي أربعين ألف طبيب خلال العشرين سنة القادمة، يضافون إلى العدد الحالي وهو ستة عشر ألف طبيب سعودي دون حساب مخرجات كليات الطب الأهلية أو الكليات المتوقع بدؤها (ما يعني أنه سيكون لدينا عام 1455هـ ما يزيد عن ستة وخمسين ألف طبيب سعودي)، ثم يقول: (إن القفز من تخريج ألفي طبيب إلى تخريج أربعين ألف خلال عشرين عاما يعتبر إنجازا رائعا).

أزيدك يا أخي الدكتور (من الشعر بيتين): لقد شاركت مع أربعة من زملاء أكاديميين عام 1431هـ فى بحث موّلته (كليات الغد الدولية للعلوم الصحية) عن الاحتياجات المستقبلية لسوق العمل من التخصصات الصحية - ومن بينها الطب.

وتوصل الباحثون - بعد حساب مخرجات 31 كلية طب بينها ست أهلية و 22 كلية طب أسنان بينها ست أهلية ودفعات الابتعاث - إلى أن العدد التراكمي للخريجين حتى عام1445هـ سيبلغ حوالي (57304) طبيبا، يضافون إلى عدد الموجودين على رأس العمل عام 1429هـ بحيث يبلغ عدد السعوديين عام 1445هـ (بعد حساب نسبة التسرب) حوالي (63895) طبيبا- أي بعد عشر سنوات من الآن؛ وعندئذ تكون نسبة السعودة حوالي 75 %، بدلا من 24 %، كما هي الآن.

وبصرف النظر عن إمكانية تحقيق أي من هذه التوقعات، فإن هذه النتيجة داعم قوي للمطالبة بعدم فتح المزيد من كليات الطب (وطب الأسنان أيضا)، والتوجه نحو الأولويات النوعية التي أشار إليها الدكتور الخازم ببعض التساؤلات.

بالفعل فإن على رأس تلك الأولويات (تجويد المخرجات عن طريق تجويد مناهج وطرق التدريس والتدريب).

ومع أن من الملاحظ الآن اجتهاد عمداء الكليات الجديدة فى التعاون مع كليات طبية مرموقه فى الخارج للاستفادة من خبرتها ومستواها العلمي، وقيام مجالس الأمناء الذين توافق على تعيينهم وزارة التعليم العالي بالمتابعة الفنية لمسيرة الكليات وتطورها، إلا أن الإمكانات والموارد المتاحة لهذه الكليات ليست مكافئة للمناهج وطرق التدريس المقررة، ومن ثم ليست ضامنة لمخرجات ذات جودة عالية.

فالنقص العددي فى كوادر التدريس قد لا يكون ناتجا عن نقص الوظائف المعتمدة بقدر ماهو ناتج عن شحّ الكوادر الأكاديمية في الداخل والخارج ذات الكفاءة العالية التى تستطيع بخبرتها ومستواها العلمي والمهني أن تنتج مخرجات جيدة التأهيل.

والأدهى من ذلك أن هذا الشحّ يضطر الجامعات إلى تعيين أكاديميين أو استشاريين على سبيل الإعارة أو التفرغ الجزئي أو الذين يقل تأهيلهم عن المطلوب.

ويزداد الأمر صعوبة بتردد الأكاديميين - وخاصة من الأطباء - فى الانتقال إلى كليات خارج المدن الكبرى حتى لا يفقدوا فرص العمل الجزئي فى القطاع الخاص.

وليس التدريب بأقل صعوبة - سواء وقت الدراسة فى المرحلة الأساسية فى المعامل، أو وقت الدراسة الإكلينيكية، أو في مرحلة تدريب الامتياز؛ إذ أنه مرتبط أيضا بتوافر المتخصصين الذين يشرفون على تدريب الطلاب ويقيّمون أداءهم، ومرتبط أيضا بتوافر الحالات المرضية المتنوعة التي يرى فيها الطلاب عيانا ما درسوه نظريا.

ومن دون مستشفيات تعليمية - سواء تبعت للجامعه أو لجهة صحية كوزارة الصحة - يعمل بها استشاريون ومتخصصون على درجة عالية من التخصص والكفاءة، يصبح التدريس والتدريب السريري للطلاب قاصرا.

وكلما ازداد عدد المستشفيات مع ازدياد عدد الكليات الطبية كانت الصعوبة أكبر فى توفير الكفاءات.

وهذا يعود بنا إلى نبوءة الدكتور الخازم (أنه سيأتي يوم نبحث فيه فكرة الاندماج بين بعض الكليات أو الجامعات).

وأقول: ليت هذا اليوم يأتى الآن، فهناك كليات طبية متجاورة جغرافيا لا توجد كثافة سكانية تبررها.

وهناك بالمقابل مشاريع مستشفيات ضخمة - تعليمية وخدمية - في مدينة واحدة لا تبررها أيضا كثافة سكانية.

ولكن سوف تنشأ فى هذين المثالين صعوبة بالغة في توفير الكفاءات البشرية المتخصصة عالية التأهيل، وأيضا في وفرة وتنوع الحالات المرضية.

ولن يضيرنا الدمج أو تعديل المواقع وفق الاحتياج والحد من فتح كليات جديدة؛ فلدينا الآن من كليات الطب مثلا (33) كلية ، أي بمعدل كلية واحدة لكل 750 ألف مواطن، أو لكل مليون مواطن ومقيم.

هذا المعدل يفوق متوسط المعدلات العالمية وهو كلية طب واحدة لكل مليونين إلى مليون ونصف فى الدول المتقدمة أما الأولوية الأخرى فهي تدريب الأطباء فى برامج التدريب التخصصيه بعد البكالوريوس.

ويتم هذا فى الوقت الحاضر إما عن طريق الابتعاث - وتشرف عليه وزارة التعليم العالي- أو عن طريق الإيفاد للداخل - وتشرف عليه الهيئة السعودية للتخصصات الصحية التى تضع معايير الاعتراف بالمستشفيات كمراكز تدريب على التخصص.

وغنيّ عن القول أن مخرجات التخصص (سواء العام أو الدقيق) فى الداخل والخارج تتماشى فى جودتها مع جودة الإشراف على التدريب ومستوى كفاءة الاستشاريين والأقسام التخصصية.

ولا يتوافر هذا فى كل مستشفى معترف به، إلا إذا أولت الجهة المقدمة للخدمه اهتماما بدوره التعليمي.

وأغلب المستشفيات المعترف بها للتدريب المتخصص تصلح للتخصص العام، أما التخصص الدقيق فليس متاحا إلا فى المستشفيات المرجعية أو في الخارج.

وفى كل الأحوال فإن كفاءة الاستشاريين وجودة الإشراف ونظام العمل بالمستشفى وجدية التقييم هي الضامن لتخريج متخصصين أكفاء.

وأخيرا فإن (التخطيط لاستيعاب المخرجات من حيث تحديد الاحتياج من التخصصات المختلفه) كمّا ونوعا فى الجهات الصحية هو قضية تنسيق بين الجهات الصحية الخدمية وجهات التعليم الجامعي.

وقد سبق للباحثين في دراسة أجرتها وزارة التعليم العالي عام 1428هـ ضمن مشروع (آفاق) أن اقترحوا تشكيل (هيئة وطنية للتعليم الصحي) لتقوم بمهمة التنسيق والمواءمة بين متطلبات تلك الجهات؛ وهو اقتراح لا يزال مطلوبا، ويمكن أن ينفذ تحت مظلة مجلس الخدمات الصحية الذى يضم ممثلين للجهات الصحية الخدمية وللتعليم العالي.

لا بد أن ندرك - معا - أن الوقت الآن هو وقت الجودة والمنهج العلمي.

مقالات أخرى للكاتب