Sunday 16/02/2014 Issue 15116 الأحد 16 ربيع الثاني 1435 العدد
16-02-2014

التكرار يعلِّم الـ.....!

هذا من الأمثال الطريفة التي مرت عليّ في صغري، ففي المَدرسة كان هناك طلابٌ كسالى لا يبالي أحدهم بالدراسة ولا يذاكر أبداً و لا يهتم، وإنما لا همّ له غير الكرة والتسكع واللعب، ولو قلتَ له كلمة «واجب دراسي» لحدّق في وجهك مذهولاً وكأنه يسمع الكلمة لأول مرة في حياته! رأيتُ معاناة المدرسين معهم، فيشرح المدرس تارةً تلو الأخرى ويوماً بعد يوم يكرر الدرس، ومهما سأَلَهم فكأنّ على رؤوسهم الطير ولا يُحير أحدهم جواباً، حتى إذا نفد صبر المعلم واستهلك التلميذ البليد حِلمه صاح به: ما لك لا تعرف؟ التكرار يعلِّم الحمار!

وبعيداً عن غضب المدرس المسكين أو إهمال الطالب الكسول، فإنّ هذا المَثل - على ما فيه من بعض الفظاظة! - صحيح، والتكرار لا يعلّم فقط هذا الكائن الذي يُضرب به المثل في الحماقة وإنما يعلّم البشر أيضاً، بل هو أفضل الطرق للتعلُّم، وهذا مما يفيدنا به عالم المُخ جون مدينا، ذلك أنّ طرق التعليم الشائعة حول العالم (خاصة عندنا العرب) والقائمة على ساعات متواصلة من الشرح والتلقين لا تجدي ولا تثمر، وإنما يخبرنا أنّ العلم أثبت أهمية التكرار في التعليم، لا سيما وأنّ المعلومات التي نستقبلها لا تمكث طويلاً في أدمغتنا، وهذه معلومة قديمة مُثبتة، فمثلاً العالم هيرمان ابنغهاوس أظهرت تجاربه في القرن التاسع عشر، أنّ أيّ شيء نتعلّمه في الحصة فإننا ننسى منه 90% خلال 30 يوماً، والتجارب الحديثة أكّدت هذا وأظهرت أنّ نسيان الدرس يبدأ خلال ساعات معدودة من نهايته. ولهذا لا يحبطك أنك أحياناً تتعلّم شيئاً وتتقنه وتحفظه وتعرف تفاصيله عن ظهر قلب، وما هي إلا فترة - تطول أو تقصر - حتى تنساه وتجهَله كأنه لم يمر عليك من قبل، فهذا طبيعي إذا كانت تجربتك معه قصيرة الوقت ومحدودة العدد.

وهذا ما أخذه العالم مدينا في الحسبان، ولهذا اقترحَ نظاماً تعليمياً يعتمد على العِلم المجرَّب، فيقول: بدلاً من الدرس الفلاني لمدة 50 دقيقة ثم الدرس الذي يليه لنفس الفترة، فإنّ الطريقة الأمثل في المدارس والجامعات والمعاهد هي أن يُشرَح الدرس لمدة 25 دقيقة وبعدها بتسعين دقيقة يُشرح مرة أخرى، وهكذا، ثلاث مرات إجمالاً في اليوم. هذا سيُرسِّخ المعلومات بقوة فائقة، بعدها بثلاثة أيام يضع المدرس حصة للمراجعة هدفها التذكير بالمعلومات باختصار. من حسنات هذا النظام أنه سيلغي الواجبات الدراسية والتي مهمتها أصلاً ترسيخ المعلومات، فلا فائدة لها الآن بعد أن رسخت المعلومات.

هذه ليست خاصة بالدراسة أو التلاميذ فقط، وإنما تستطيع تطبيق هذا على أي شيء تريد أن تتعلّمه، فالتكرار مهم في التعلّم، وهكذا صُمِّمَ العقل البشري.

Twitter: @i_alammar

مقالات أخرى للكاتب