Sunday 23/02/2014 Issue 15123 الأحد 23 ربيع الثاني 1435 العدد
23-02-2014

مواقف العلماء تبدد ظلمات الفتن

كثيرة هي المحن والإحن والفتن التي مرت عبر التأريخ الإسلامي، البعيد والقريب، ورغم قدم جل هذه المحن إلا أنها مازالت حية في ذاكرة الأجيال، راسخة في وجداناتهم، تتجدد ولم تتبدد، كانت قاسية مؤلمة، فرقت الوحدة، ومزقت الصف، وأفضت إلى تقاتل، وإلى تناحر وتدابر، وإلى فرقة ووحشة، وإلى فرق يعادي بعضها الآخر حتى يومنا هذا، بل بلغت حد التعدي بسفك الدماء، وسلب الأموال، والتدمير بشتى صوره المادية والمعنوية، وفي الوقت نفسه الكل تناسى العدو الحقيقي الذي أضحى في أمن وأمان، بل صار يستمتع بصور التدمير المهلكة، والتقتيل البشعة التي تحصل بصفة يومية في ديار المسلمين.

وأيا كانت مسوغات هذه الفرقة وهذا التدابر وهي كثيرة ومفهومة، إلا أن الاستسلام لها، والانقياد لشهوتها في التدمير، أغرق الأمة الإسلامية في أتون عميقة من الشحناء والبغضاء، وجعل كل فريق ينكفئ على نفسه، ليس هذا فحسب، بل يعد نفسه الفريق الناجي، الفريق الوحيد الذي هو على طريق الهدى والتقى دون غيره، وأنه الأصوب والأصلح، وصار كل فريق يصف الآخر بصفات منكرة، ويعده خارج الإطار الشرعي الذي ارتضاه الله لخلقه، وبالتالي، أجاز كل لنفسه التعدي على الآخر بكل ما أوتي من قوة وسطوة، ويستنزف قدراته ومقدراته في حروب وفتن عبثية ومغامرات خلفت الكثير من الدمار والخراب.

ومما زاد الطين بلة، أن تقدم إلى الصفوف الأول، من عدوا أنفسهم دعاة صلاح، ونصبوا أنفسهم هداة إلى الخير، بينما حالهم في حقيقة الأمر ينقصها الكثير والكثير من المؤهلات الفطرية والمكتسبة، فلا علم يهديهم، ولا خبرة تسعفهم، ولا منطق يساعدهم، كل ما يتمتعون به سمات خارجية، تجلت في صور من الأناقة المتكلفة، من بشوت الزري، إلى الغتر المكوية، وترديد عبارات السجع، والكلام المنمق، وترتب على تقدم هؤلاء إلى الصفوف الأمامية، مضار ومخاطر، أقلها أنهم لم يقنعوا أحدا، وأنهم أضحوا سبباً في الإعراض عن الاستماع إلى من هو أجدر منهم وأقدر، الذين يمتلكون العلم النافع، والخبرة والحكمة.

الحال نفسها تنطبق على كثير من الدول التي أشعل سفاؤها نار الفتنة والفوضى، حيث علا منصات الهذر العديد من حدثاء الأسنان الذين أقصى ما يتقنون ترديد الشعارات الفارغة، فمن نظرة عجلى لهيئات هؤلاء، واستماع لمقولاتهم، يتبين لك دون تردد، أنك لا يمكن أن تأمنهم على حظيرة دجاج مصاب بداء « الطبيلة «، فكيف بهم وهم يتحدثون باسم الأمة، حتما لن تقبل التعامل معهم، أوالاستماع لقولهم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ومع هذا يصر هؤلاء الحدثاء سناً، الذين يجيدون إشعال أسباب الفتنة ونارها، يصرون على الحديث نيابة عن الناس، والناس لم يفوضوهم، ولم يطلبوا منهم التقدم إلى واجهة الأحداث، لأن هناك من هو أولى منهم وأقدر، يقول الشاعر الجاهلي الأفوه الأودي واسمه صلاة بن عمرو بن مالك:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا جهالهم سادوا

تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت

فإن تولت فبالأشرار تنقاد

إن الأزمات المستعرة حالياً في بعض الدول العربية، قد خرجت عن السيطرة والتحكم، لذا فهي بحاجة ماسة إلى أن يتقدم أهل الرأي إلى الصفوف الأمامية كي يتصدوا لها بصفة مستعجلة، أعني العلماء، الفتن لا يمكن أن يتصدى لها جاهل أو متعالم، أو من لا يمتلك سمات شخصية ناضجة مؤثرة تؤهله لقبول الآخرين به، والإنصات لقوله، وتقبل ما يوجه به ويدعو إليه ويطرحه من آراء وأفكار ومواقف.

العلماء الذين حباهم الله العلم الشرعي الصحيح المستند إلى الكتاب والسنة وفي الوقت نفسه يتمتعون بوقار العلماء وسمتهم، هم وحدهم من يجب أن تفتح لهم الأبواب على مصراعيها، وفي كل سبل التواصل الممكنة ليقولوا قولتهم، لأنهم إن قالوا استمع لقولهم، وإن وجهوا استجيب لتوجهاتهم، وإن حذروا أخذ تحذيرهم محمل الجد.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب