Sunday 23/02/2014 Issue 15123 الأحد 23 ربيع الثاني 1435 العدد
23-02-2014

قصة الشاعر الذي باع روحه

سياحة في بيت:

بيعة جزوم!

إن ما حصل لي ما تعوّضت غيره

بعت الهوى واقفيت بيعة جزومي

هذا البيت يمثل قفلة لقصيدة ليست كغيرها من القصائد، وهو ليس فقط خيال شاعر يقول ما لا يفعل، بل إنه يقرر حقيقة لم يتم اكتشافها إلا بعد وفاته. لم يكتف الشاعر ببيع الهوى (بيعة جزوم) عندما لم يحصل له من يريد فقط، بل باع بسبب ذلك روحه أيضا!

نقل الأستاذ الدكتور عبدالله الربيعي عن والده الراوية الشهير عبدالرحمن الربيعي رحمه الله (ت 1402): أن رجلاً من أهل السر قدم إلى عنيزة ليعرض أخاه على المعالجين لمرض أصابه لم يصرح بعلته، وتسلف الرجل مبلغا من المال، ثم عاد من قابل ليفاجئ الجميع بخبر وفاة أخيه الشاب الذي كان يحب ابنة عمه حبا عذريا غير أنها تزوجت وغادرت إلى الرياض، فمرض حتى مات تاركا تحت ثيابه قصيدة رائعة مطلعها:

يا مل قلب فيه مثل السعيرة

كنه على جمر الهشيم مختومي

وسلم الرجل الربيعي نسخة من هذه القصيدة فسجلها في مجموعته. (انظر: صناجة عنيزة ص 54، 55)

وسبق أن عرض الزميل الباحث الأستاذ سعد الحافي القصيدة في زاويته الأسبوعية في جريدة (الرياض) مع صورة ضوئية لها من مخطوط لم يذكر - على غير العادة - ما هو. وذكر في مناسبة القصيدة ما يلي:

«جاء في تقديم النص أنه علق بفتاة جميلة من أهل بلده وصار بينهم حب شريف ولم يدر عنهم أحد فخطبت الفتاة من أهلها فزوجوها ورحل بها زوجها إلى إحدى المدن لأنه صاحب وظيفة فلما سمع خبر زواجها وارتحالها انصدم وتغيرت أحواله وانهارت آماله ومرض مرضاً مؤلماً وكان له أخ أكبر منه سناً فأخذه إلى الأطباء وسافر به إلى خارج المملكة فلم يجد له علاجا، فرجع إلى نجد ولم يترك مدينة أو قرية إلا وبحث فيها عن علاج أخيه، واستمر على هذه الحال سبع سنوات ومرضه يزيد وأنفق في ذلك ثروته واستدان عليها، ثم عاد به إلى بلده وفيها توفي ولما نزعوا ثيابه وجدوا فيها قصيدة عصماء أنبت عما فيه من الهوى وألم الغرام.. وهذه القصيدة لا قبلها ولا بعدها».

ولولا هذا التقديم لقلت إن المخطوطة المعروضة من مخطوطات الربيعي فخطها يشبه خطه، لكني أعرف أنه رحمه الله كان لا يطيل في التقديم كهذه الإطالة بل يوجز إيجازا شديدا، وأسلوب التقديم هنا يختلف عن أسلوبه، فهذا تقديم عصري نوعا ما، ولست أدري أهو نص نقله الأستاذ سعد بحروفه أم ترجمه بأسلوبه.

ومهما يكن من أمر فإن النتيجة واحدة وهي أن عبدالله بن عبدالعزيز الناهض، كما ذكر الحافي هنا، أو ناهض بن عبدالعزيز الناهض، كما يذكر الدكتور سعد الصويان نقلا عن الهطلاني، هو أحد الشعراء الذين قتلهم العشق، ولم يكن أحد ليعلم بذلك لولا هذه القصيدة التي وُجدت بين جسده وثيابه بعد وفاته!

وفي المناسبة التي أوردها الحافي تفصيل للمناسبة التي نقلها الدكتور عبدالله الربيعي عن والده، وليس بينهما من تعارض سوى في مسألة مكان وفاة الشاعر فخبر الربيعي يوحي أنه توفي في عنيزة عندما أتى به أخوه إليها مستطبًّا، والمناسبة التي أوردها الحافي تقول إنه توفي في بلده (البرود) في إقليم السر.

alkadi61@hotmail.com

تويتر alkadi61@

مقالات أخرى للكاتب