Friday 28/02/2014 Issue 15128 الجمعة 28 ربيع الثاني 1435 العدد
28-02-2014

مؤسسة بحثية تعنى بالشؤون الإيرانية

إيران، وأوضاع إيران من الداخل شأن يهمنا كسعوديين وخليجيين؛ فعلاقتنا بإيران هي علاقة جوار دائمة، ليست متعلقة بنظام الملالي فحسب كما يتوهم كثيرون وإنما بأي نظام يحكم إيران؛ نظام الشاه قبل نظام الملالي كان هو الآخر يسعى ليكون (شرطي الخليج)، ويُقدم نفسه إلى الغرب والشرق معاً على أنه الأجدر للعب هذا الدور، وهو لا يقل خطورة آنذاك على أمن دول الخليج من أصحاب العمائم السوداء والبيضاء؛ بمعنى أننا نحتاج في كل العهود وكل الأنظمة أن نكون على اطلاع بأوضاع الإيرانيين الداخلية في جميع مناحي الحياة، لأن ما يجري في إيران له انعكاسات تتعلق بأمن الخليج بشكل عام وبأمن المملكة كدولة محورية في المنطقة على وجه الخصوص.

والسؤال الذي يطرحه السياق: لماذا لا يوجد لدينا مؤسسات بحثية تعنى برصد أوضاع الداخل الإيراني، وتكون مرجعاً لكل من أراد قراءة الأوضاع الإيرانية والبحث فيها، فضلاً عن أنها ستكون داعماً لصناعة القرار المتعلق بعلاقاتنا مع إيران؟

أعرف أن هناك من سيطرح أن تقوم إحدى الجامعات بهذا الدور. مشكلتنا مع الجامعات السعودية أن الجانب البحثي فيها في غاية الضعف، لأسباب متعددة، يأتي على رأسها عدم توفر الاعتمادات المالية لتمويل هذه الأبحاث والصرف عليها، إضافة إلى أن وزارة التعليم العالي - للأسف - آخر ما تهتم به الأبحاث والدراسات العلمية المتخصصة، وإلا فإن من أهم ما يفترض أن تهتم به ليس فقط فتح عدد من الجامعات لتستوعب (الطلب) على الدراسة الجامعية، وإنما أن تعنى بالجانب البحثي أيضاً، أو على الأقل تشجع الجامعات على القيام به؛ لذلك سأُخرج المؤسسات الجامعية هنا من الحسبان، لأننا لو اعتمدنا عليها، فلن تُخرجَ لنا إلا أبحاثاً مشابهة لمشروع السيارة السعودية الشهيرة (غزال 1) التي أصبحت (نكتة) يتندر بها على جامعاتنا الصغير قبل الكبير.

وفي المقابل يعرف الإيرانيون عنا كل صغيرة وكبيرة؛ فأغلب الملالي إذا لم يكن جميعهم يُتقنون اللغة العربية إتقاناً تاماً، ومن خلالها يستطيعون رصد الأوضاع الخليجية عن كثب، إضافة إلى أن في إيران معاهد ودور أبحاث، همها وعملها الدؤوب الذي لا يعرف الملل ولا الكسل رصد الأوضاع على الضفة الأخرى من الخليج؛ وغني عن القول إن المعلومة والبحث هي من أهم الأسلحة لمواجهة عدوك، كلما تمكنت منها استطعت أن تحمي نفسك، وإذا فرطت فيها فأنت تفرط في أمنك.

وهنا لا بد من التطرق إلى ما يُسمى اليوم (القوة الناعمة) أو كما تسمى بالإنجليزية (Soft power) التي هي على النقيض من (القوة الصلبة Hard power)؛ والقوة الناعمة هي اليوم من أنجح الوسائل في المواجهات السياسية والدولية. وتُعرف موسوعة (ويكبيديا) على الإنترنت (القوة الناعمة) بأنها تعني: (أن يكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال ما تُجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق ومن خلال الدعم في مجالات حقوق الإنسان والبنية التحتية والثقافة والفن، مما يؤدي بالآخرين إلى احترام هذا الأسلوب والإعجاب به ثم اتباع مصادره، وغالبا ما يطلق هذا المصطلح على وسائل الإعلام الموجهة أو ما يسمى بالإعلام الموجه لخدمة فكر ما؛ وتعتبر القوة الناعمة من أفضل الأسلحة السياسية العسكرية إذ أنك تستطيع السيطرة على الآخرين وأن تجعلهم يتضامنوا معك دون أن تفقد قدراتك العسكرية).

وأولى مصادر هذه القوة التي ترتكز عليها، خاصة في مجال الإعلام، هي (المعلومة)؛ ومصنع المعلومة الأول هو مؤسسات البحوث والدراسات وتقصي المعلومات، ما يجعل هناك علاقة طردية بين وفرة المعلومات ودقتها عن قضية ما وقوتك الناعمة فيها، والعكس صحيح، إذا ضعفت معلوماتك عن هذه القضية ضعفت في المقابل قوتك الناعمة في مواجهتها؛ فضعف معلوماتك عن الآخر، خاصة إذا كان مناوئاً، يجعله دائماً في موقف أقوى من موقفك.

لذلك فإن إنشاء مؤسسات متخصصة للأبحاث المتعلقة بالشأن الإيراني مسألة ملحة ومطلوبة وضرورية، لأنها متعلقة مباشرة بأمننا الإقليمي.

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب