Friday 21/03/2014 Issue 15149 الجمعة 20 جمادى الأول 1435 العدد
21-03-2014

التَّرْجَمَةُ المَيِّتَةُ، واستدراكٌ على مُقارناتٍ سابقةٍ ضِمْنَ كتابي عن (رُباعِيَّات الخيَّام) - (9-10)

قال أبو عبدالرحمن: في فلسفة الحب التي عُنِي عُلماء الأُمة بالتأليف فيها بابان هما القُنوعُ والغَيْرة؛ فأما القُنوع فهو مشاركةُ الطبيعةِ العاشقَ في أشجانه من شجر وهواء ونجم وقمر -كما في القمر العاشق لعلي محمود طه المهندس-؛ فهذا باب يلتذُّ به العشاق، ولا يغارون من القمر العاشق، بل هم به فخورون مُسْتَلِذُّون.. وأما الغيرة فهي مشاركةُ البشرِ العاشقَ ولو بنظرةٍ واحدة؛ وهذا من أصالة وكرم وأنفةِ النحيزة العربية؛ ولهذا عَشِق العربيُّ أساطيرَ المبالغةِ في الغَيرة؛ لأنها جاءت لتجسيد وعنف غيرة العربي، ولم تبلغ الغيرة ما بلغته الأسطورة في الواقع، ولم تكن الغيرة مقرونة بالرثاء شرعاً، ثم بصناعة الكوز.. ولكن العربي قبل الإسلام يقتل من انتهك حُرْمَتَه ولا يرثي، وبعد الإسلام يُسَرِّح سراحاً جميلاً ويَسْتُر، وَأَمَرُّ الأمرين أن يُرفع الأمر لوليِّ الأمرِ فَيُجْري لهما حُكْمَ الملاعَنَة.. وفي الحلقة الماضية سقت النص الذي وجدتُ مطابقتَه لما في مسرحية عُطيل، وذلك النص من كتاب الأغاني، وإليكم الآن بيانَ أن أدبيات الأسطورة العربية تحوَّلت إلى وجود أدبي عالمي منذ شكسبير [1564- 1616م] رائد التجديد الأدبي العالمي.. تحوَّلَتْ أدبيات الأسطورة إلى أدب عالمي في مسرحية (مأساة عطيل)، ومفتاح هذا البيان هو العلمُ بأن الفروق في المَأْثورين (السابق، واللاحق) مِن الأشخاص والزمان والمكان وبعض الأحوال شرطٌ ضروري لتحويل المأثور الواقعي أو الأسطوري إلى عمل فني؛ فإن العبرة حينئذٍ بأوجه اللقاء لا بالفروق غير المُؤثِّرة؛ وهذا ما تكفَّلتْ به المقارنةُ الدقيقة الرائدة بين أسطورة ديك الجن ومسرحية عُطيل للدكتور نسيب نشاوي، وأكتفي ههنا بنصوصٍ من عطيل مطابقةٍ بعض ما أسلفته من سياق عن قصة ديك الجن وما ارتبط بها من شعر، ابتداء من الفصل الثالث من مسرحية شكسبير (مأساةُ عُطَيْل)، وهي لا تتناول كُلِّية المسرحية؛ وإنما أخذ منها الدكتور نسيب نشاوي مجالَ المُقارنة بين مأساة ديك الجن والجارية، ومأساة عُطيل (دزديمونة)، وهذه النصوص مُقْتضبة من مشاهِدَ في الفصول الثلاثة.. إن (إياغو) في مسرحية عُطيل يقابل الواشي الذي حرَّض ديك الجن على الجارية [أي أن (إياغو) هو القائم بدور ابن عم ديك الجن].. قال (إياغو لعطيل): «اِنتبه إلى زوجتك.. لا حظها جيداً مع كاسيو، واجعل عينيك هكذا: لا غيوراً، ولا واثقاً.. لن أرضى لك بطبعك النبيل السمح أن تخدع؛ لِطيبة ذاتك [أي نفسِك ومشاعرك] انتبه.. إني أعرف طرائقَ بلدنا حق المعرفة؛ فالنساء في البندقية يسمحن للسماء أن ترى الألاعيب التي لا يَجْسُرْنَ على أن يُرِينها أزواجهن.. خَيْر الضمير عندهن: أن لا يُحْجِمن عن فعل الشيئ، بل أن يبقينه مجهولاً».

قال أبو عبدالرحمن: خَيرُ من فصّل اللقاء بين شكسبير والأسطورة العربية الدكتور نسيب نشاوي، وتابعه متابعةَ سطوٍ وسرقةٍ عارفُ تامر.. قال الأستاذ فؤاد عبدالمطلب لما أحال إلى محاضرة عطيل شكسبير وديك الجن الحمصي لنسيب نشاوي بجامعة عنابة بالجزائر ضمن المؤتمر العالمي للأدب المقارن بجامعة عنابة خلال 14 19 مايو عام 1983م المطبوعة محاضرته بعنوان (أعمال الملتقى الدولي حول الأدب المقارن عند العرب) الصادر عن وزارة التعليم العالي: «ولابد أن نذكر أن لهذا الباحث فضل ريادة هذا الموضوع على الرغم من الملاحظات الكثيرة التي يمكن أن توجه إلى بحثه».. ولما ذكر بحث الدكتور عارف تامر المنشور في صحيفة الأسبوع الأدبي بعنوان (ديك الجن وشكسبير)، قال: «ولا يُعيد تامر كتابة كلماتِ النشاوي وأفكاره كاملة وبالحرف فحسب، بل يُرَدِّد الأخطاء التي وقع فيها.. يقول النشاوي مثلاً: «تقع مسرحة عطيل في أربعة فصول وتدور أحداثها..».. وترد هذه العبارة حرفياً في مقال تامر دون تدقيق ص 4.. علماً أن مسرحية عطيل تتألف من دراستين فقط عالجتا هذا الموضوع: الأولى محاضرة أُلقيت في مؤتمر للأدب المقارن، والثانية صدرت في صحيفة أدبية.. والدراسة الثانية تستند إلى الأولى بصورة كلية، ولا تضيف شيئاً سوى تأكيد أن ديك الجن كان سلمونياً، وليس حمصياً دون تقديم دلائل وبينات واضحة مجلة الفيصل العدد 292 ص 82 / بحث (ديك الجن الحمصي وعطيل شكسبير/نظرة مقارنة) للأستاذ فؤاد عبدالمطلب من حمص.

قال أبو عبدالرحمن : المسرحية في ترجمة خليل مطران خمسة فصول، وكل فصلٍ يتكوَّن من مشاهِد، وهكذا هي في ترجمة جبرا إبراهيم؛ فهي ليست أربعة فصول كما قال الدكتور عبدالمطلب.. كما أن الدراسات عن عطيل لا تكاد تُحصى كثرةً؛ وإنما تناولتُ ههنا ما يكفي من أقربِ مَصْدَر، لأن هذا الموضوع عارض في بحثي هذا؛ وإنما مجال الاستقصاء حينما أتفرغ لجمع أوراقي عن شكسبير، وأضمها إلى دراسات لي سابقة عن شكسبير؛ فيكون العمل متكاملاً إن شاء الله عن قصدٍ، وليس عن مسألة عارضة..ومعنى (يسمَحْنَ للسماء) أنهن لا يستترن حياءً من ذي العرش جل جلاله في عُرِيِّهن الداعر مع الأخدان.. وهذا النص ضمن المشهد الثالث من الفصل الثالث.. انظر (وِلْيَم شكسبير/ المآسي الكبرى ص 531 بترجمة جبرا إبراهيم جبرا/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر الطبعة الثانية عام 1990م.. وهناك جدل حول تعريب (أوثلو) إلى (عُطيل) بمعنى (الحذر)، وهل تعني اسماً عربياً، ومع مراجعاتي المُضنية لأقوال ذوي الخبرة بأصول الكلمات المُعرَّبة تبيَّن لي أن شكسبير أضْفى على بطله وصفاً ضخماً من المَجْد والشجاعة ورهافة الحسِّ بغض النظر عن حقيقة أصل معنى الكلمة، ويكفي أنها تعني الحذر؛ فلما علمنا اللقاء بين عطيل وديك الجن: تَبيَّن أن شكسبير (إعجاباً منه بالمصدر العربي) اختار لبطله أَفخم الصفات التي تليق بالبطل العربي من الأسطورة لا مِن المُفترَى على ديك الجن، وهو باطني شعوبي ماجن ليس في واقع حياته ما يُرشِّحه للخيريِّة العربية الكريمة، وليس تعريب (أوثلو) بكلمة (عُطيل) يعني العاطل من الحِلْية؛ فهذا كما قال جبرا إبراهيم جبرا في المصدر السابق ص 382 يناقض صفاتِ هذا البطل في نصوص المسـرحية.. وأزيد بأنه ينافي معنى (الحذر)، والغيرة منتهى درجات الحذر؛ ولهذا فحق هذه المسرحية أن يكون اسمها (مأساة أوثلو)، ولكن الأستاذ جبرا خضع لاسم (عُطيل)؛ لأنها درجت على اللسان العربي أكثر من نصف قرن بعد ترجمة خليل مطران، وأما (دزديمونة) فتعني (الحظ الشَّقي)، وهذا ينطبق على ضحية عطيل وضحية الأسطورة العربية التي نُسِبت إلى ديك الجن وهي أقدم منه.. وأما دراسة الدكتور أحمد سخسوخ في كتابه (تجارِب شكسبيرية ص 65-91 مكتبة مدبولي أطلس بالقاهرة عام 1991م فهي استعراض ساذَج باقتضاب قليل من ترجمة خليل مطران؛ وإنما عُني بإثبات صُوَرٍ فوتوغرافية من مشاهد المسـرحية على مسرح أوبرا الدولةِ بغينيا، وترجمة خيل مطران مع زميليه الدكتور رياض عبود وأ.ر. مشاطي نُشِرت ضمن مسرحيات شكسبير الكاملة 4/7-122 دار نظير عبود/ طبعتهم الأولى عام 1991م، ومن معاناتي للترجمات والدراسات علمتُ علم اليقين أن ترجمة جبرا إبراهيم جبرا هي التي ينبغي أن تكون المَرْجِعَ في تحقيق النص الشكسبيري.. على أن في ترجمة مطران إسهاباً لا يوجد عند جبرا في هذا النص الذي مضى ذكره من المسرحية، ونحن بحاجة إليه؛ لأنه جَلَّى حبكة المؤامرة الدنيئة التي جعلت عطيل يتحوَّل سريعاً من ثقته بزوجته إلى جريمة القتل؛ فملاحظة الزيادة والنقص والتغاير بين الترجمات والدراسات ينقل الدارس الجادَّ من الرأي والجهد الفردي إلى جُهْد جَـماعي، ولقد قام (شارل) وشقيقه (ماري لام) بتلخيص مسرحية (عطيل) بأسلوب قصصي في الجزء الثاني ضمن السلسلة رقم 93 من كتاب الهلال ص 127-167، وذكر ان الرواية حدثت في البندقية في ميناء على شاطئ قبرص؛ فقال ص 150 عن الواشي (إياجو): «كان إياجو يكره كاسيو ويكره أيضاً عطيل؛ لأنه يحب كاسيو ويحابيه.. بل وأكثر من هذا كان إياجو الشرير السيئ الظن؛ لأنه سيِّئ السريرة يرتاب في أن هذا المراكشي الأسود عطيل مغرم بإميليا زوجة (إياجو) نفسه أكثر مما ينبغي؛ ومن هذه الأوهام بدأ عقل إياجو الملتوي يدبر مشروعاً فظيعاً للانتقام الشامل يوقع في أحابيله كاسيو والمراكشي عطيل ودزديدمونة بضربة واحدة تقضي على ثلاثتهم»، واستمر إلى ص161 يصف مكر (إياجو) وسرعة تأثيره على عُطيل، وانظر كتاب (حكايات من شكسبير المأساويات) ص 150 وما بعدها/ دار البحار طباعة دار ومكتبة الهلال طبعتهم الأولى عام 2001م، وأفاض الدكتور لويس عوض إفاضة طويلة عن مأساة عطيل بكتابه (البحث عن شكسبير) سلسلة كتاب الهلال رقم 166 ص 168-199، والنفس تتطلَّع إلى الإسهاب الثقافي حول الأمور الغامضة، وعمل لويس عوض ههنا من الإسهاب المفيد؛ لأنه مفتاح للموقف اليهودي من شكسبير بعد مسرحية (تاجر البندقية)؛ إذْ جعلوه حامل لواء العنصرية [افتراءً لا حقيقة]، وجعلوا رواية عطيل من هذا الباب، ولكن لا بد من ملاحظة الأصل العربي لمأساة عطيل التي تُخلِّص المأساة من الظنون التي أُسْقِطت عليها عن اجتهادٍ خاطئ أو عن سوء قصد.

قال أبو عبدالرحمن: زوجة عطيل المتهمة هي (دزديمونه)، وقد اختلق (إياغو) دليل التهمة على نحو ما فعله ابن عم ديك الجن الواشي [بل على طريقة أخرى هي البديل؛ لأن جارية ديك الجنِّ لم تكن زائرة، بل الزائرُ الواشي الذي دسَّه ابن عم ديك الجن، كما أن الواشي في الأسطورة تجنَّى على ديك الجن والجارية بسبب هجائه له، وأسباب العداء من (إياجو) بخلاف ذلك على نحو ما ذكر لويس عوض آنفاً؛ وإذن فشخصية (بيانكا) زائدة على شخصياة الأسطورة العربية].. لقد حصل (إياغو) على منديل (دزديمونه) عن طريق زوجته، ورماه في غرفة (كاسيو)، ثم دفع الأخيرَ إلى زيارة (دزديمونه) في بيتها؛ كي تتوسط له لدى (عطيل) من أجل إعادته إلى وظيفته.. ثم راح يؤكد أن دزديمونه تُبَادِل كاسيو الحب، وأنها تنوي الزواج منه.. وراح (إياغو) يُذكِّر عطيلاً بمنديله الذي كان أوَّلَ هديةٍ يُقدِّمها إلى دزديمونه.. ويزعم إياغو [أي أضمر في نفسه] : أنه حال ما يرى (كاسيو) خارجاً من بيت (دزديمونه) عندما يذهب لطلب الوساطة منها: يقول لعطيل: (لا أستطيع تصوُّر ذلك.. أيخرج متسللاً كمجرم حالَ ما يراك قادماً؟!!)؛ ولكي يؤكد إياغو خيانة دزديمونه المزعومة فإنه يستدرج كاسيو إلى القصر، ويهمس في أذنه بسؤال عن حبيبته التعسة (بيانكا)، وعطيل متخفٍّ خلف الستارة في الغرفة نفسها؛ وبذلك يُحدث إياغو تغييراً في الموقف؛ فيظن عطيل أن الحوار الجاري بينهما إنما يدور حول دزديمونه، [ودور (بيانكا) زائد على الأسطورة العربية].. بينما هو في الواقع يدور حول بيانكا!! [قال أبو عبدالرحمن: الواشي في الأسطورة العربية لم يسأل الرجل الذي دَسَّه عن علاقته بامرأة يحبُّها، وليس في خبر المدسوس أنه ذو علاقة بامرأة سوى فِرْية العلاقة بالجارية؛ فتغيير شكسبير بعض الأوصاف والأسباب ضروري؛ ليكون صاحب إبداع وخيال لا مُجَرد ناقِل].. ثم نجد الحوار بين عطيل وزوجته حول دليل التهمة على هذا النحو: «عطيل: فكِّري بخطاياك.. دزديمونه: إنه الحبُّ الذي أُكِنُّه لك.. عطيل: نعم؛ ومن أجل ذلك ستموتين.. دزديمونه: إنه لموت شاذ ذاك الذي يقتل بسبب الحب.. واحسرتاه!!.. لماذا تعضُّ هكذا شفتك السُّفلى!؟.. عطيل: ذلك المنديل الذي كنت أحبه جداً، وأعطيتك إياه: أعطيتِه أنتِ لكاسيو [بدون حرف الجر أفصح].. دزديمونه: أبداً قسماً بحياتي وروحي [بعض المنتسبين إلى القِبْلة يقع جهلاً في مثل هذا القسم المُحرَّم]: أرسل في طلب الرجل واسله.. عطيل: يجب أن تموتي.. رأيتُ منديلي في يده!.. دزديمونه: إذن فهو قد عَثَرَ عليه.. أما أنا فما أعطيتُه إيَّاه قط.. أَرْسِل في طلبه، وليعترف بالحقيقة.. عطيل: لقد اعترفَ.. دزديمونه: بماذا يا مولاي؟.. عطيل: بأنه واصلك.. دزديمونه: كيف.. أحراماً؟.. [يعني لو صحَّت دعوى الوصال فهل هو اتِّصال جنسيٌّ مُحَرَّم؟].. عطيل: نعم.. دزديمونه: لن يقول ذلك..عطيل: لا؛ لأن فاه قد سُدَّ.. إياغو الأمين قد دبَّر ذلك.. دزديمونه: يا ويلي!!.. خانوه ودمَّروني.. عطيل: اَبْعدي يا عاهرة.. أتبكين عليه أمام وجهي؟.. وفي هذه اللحظة يهجم عطيل عليها ويخنقها.. وبعد القتل يكون هذا المشهد: «زوجتي.. زوجتي.. أية زوجة [الصواب: أيُّ للاستفهام وأيتها للخطاب الخبري].. لا زوجة لي ؟!..آه لا يُطاق!!.. يا للساعة الثقيلة!!.. لأحسب أن الشمس والقمر ينبغي لهما أن يخسفا الآن)).. وتدخل هنا (إميليا) زوجة إياغو؛ فتروِّعها الجريمة، وتُعلِمُ عطيلاً بكذبِ إياغو بالأدلة؛ فتقع المأساة المسرحية الثانية أمام أعيانٍ من [أهل] البندقية الذين أحاطوا بعطيل؛ فيقول لهم كلاماً قريباً مما قاله ديك الجن ساعتئذ: مهلاً.. كلمة أو اثنتين قبل أن تذهبوا.. لقد أدَّيتُ للدولة بعض الخدمات، وهم على علم بها؛ فلا حاجة لقول المزيد منها.. إني لأرجوكم في رسائلكم عندما تروون وقائع الشؤم هذه أن تتحدثوا عني كما أنا.. لا تلطِّفوا شيئاً، ولا تُدَوِّ نوا شيئاً بضغينة.. عليكم عندها أن تتحدَّثوا عن رجل لم يعقل في حبه، ولكنه أسرف فيه.. رجل ليس حاضر الريبة، ولكنه إذا أثير وقع في أشد التخبط.. رجل رمى عنه بيده -كهندي غبي جاهل- لؤلؤةً أثمن من عشيرته كلها.. رجل إذا انفعل ذرَّفتْ عينه (وإن لم يكن الذَّرْف من دأْبها) دموعاً سراعاً كما تُدِر أشجار العرب صَمْغَها الشافي.. هذا دوِّنوه، وقولوا أيضاً: إنني ذات مرة في حلب حيث هوى تركيٌ شرِّير مُعمَّم على بُنْدُقِيٍّ بالضرب، وأهان الدولة..أمسكت بالكلب من عنقه وضربته.. هكذا (يطعن نفسه، ويخاطب جثمان دزديمونه).. قبل أن أقتلك قبَّلتك، وما من سبيل آخر.. قتلت نفسي لأموت على قُبْلتك.. يقع على الفراش، ويموت».

قال أبو عبدالرحمن: منذ دور إميليا إلى آخر المسرحية زيادة على النص العربي، وإنني لأعجب من تسامُح المعاصرين في المقارنة عندما قال فؤاد عبدالمطلب عن (عطيل) بعد قَتلِه زوجته: ((فيقول لهم كلاماً قريباً مما قاله ديك الجن.. إلخ))، والواقع أن سياق الأسطورة التي بنى عليها شكسبير ليس فيها أي كلمة قالها ديك الجن، وإنما في بعض سياقها أنه ندم وبكى عليها لما علم أن خبر ابن عمه كان كَذِباً،وأنها بريئة.. وأما كيف علم، وماذا قال بعد أن علم فليس في أيٍّ من سياق الأسطورة أدنى جواب على ذلك، بل إن سياق الشعر المرتبط بالأسطورة أنه بكى عليها لحبِّه لها مع علمه بأنها خانته، وفي بعض السياق أنه بكى عليها على الرغم من رؤيته خيانتَها، وفي بعض السياق أنه صنع من رفاتها ورفات الغلام كوزين يشرب منها، ويستمتع بهما بقية حياته، وفي خبر (السليك بن مجمع) الفِزاري الأعرابي الأسطورة أنه قتلها برضاها، وأنه لم لم يفعل لفعلت هي؛ كي لا يستمتع ولو برؤيتها أحد من بعده، وتمرَّغ في دمها، ثم مات من قريب!!.. وفي مأساة عطيل أنه قتل نفسَه لَمَّا علم أنها بريئة، ولهذا فدور (إميليا) زوجة (ياجو) أنها كشفت مُؤامرة زوجها (ياجو) ضد (دزديمونه) البريئة، ودور (غراتيانو) الذي عَنَّف على (عطيل) حتى قتل نفسه - و(غراتيانو) الذي هوأخو (برابنسيو) أحد أعيان البندقية - دوران زائدان ليسا في الأسطورة العربية.. ومأساة عطيل من إبداع رائد تجديد الأدب العالمي العملاق شكسبير، وكم فيها من لفتات فنية وفكرية وثقافية تحتاج إلى دراسة؛ ولتكون عطاء رمزياً تتوسَع به اللغة الأدبية، وحسبي نموذجاً واحداً هو قول شكسبير آخر المسرحية يردُّ على (إميليا): ((هذا ناتج من مخالفات القمر؛ لأنه يقرب من الأرض أكثر مما يجب، ويدخل الجنون على الناس))؛ فهذا النص من الثِّيمات التي عدَّدها (ميشيل فوكو) في كتابه (تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي)، وقد سبق لي أن درستُ هذا الكتاب في حلقات مطوَّلة بهذه الجريدة عن الإباحية والعدمية، وتلك الثِّيمات أصبحت رموزاً في الروايات والمسرحية والشعر يتوسَّع بها الأدباء في التعبير، وعن ثِيْمة القمر قال ميشيل فوكو في كتابه (تاريخ الجنون ص 244-245: ((لقد كانت اللوناتية [اللوناتية lunatisme: نظرية تقول بأن القمر في حركاته، وأحواله يُؤثِّر على الروح.. سعيد بكراد] ثيمة دائمة لا يعارضها أحد في القرن 16، وكانت موجودة أيضاً في القرن 17، وبدأتفي التلاشي بعد ذلك شيئاً فشيئاً؛ وناقش لوفرانسوا Le Francois سنة 1707 أطروحة بعنوان (هل الأمر يتعلق بشيئ آخر غير قدرة القمر في التأثير على جسم الإنسان)، وبعد مناقشة طويلة رفضت الكلية أطروحته، ولكن نادراً ما اَعْتُبِرالقمر في القرن 18 من الأسباب.. حتى تلك العرضية أو المُساعِدة التي تؤدي إلى الجنون، إلا أن الثيمة ستعاود الظهور في نهاية القرن.. ربما كان ذلك تحت تأثير الطب الإنجليزي الذي لم يكن أبداً قد نسيها وقد اعترف (دياكان) و(لوري) و(غزلان) بتأثير القمر على مراحل الاستثارة الهَوَسِيَّة، أو على الأقل على وجود تهيُّج مرضي.. ولكن الأساسي في الأمر لا يكمن عقلياً في عودة الثيمة ذاتها [يعني نفسها]، بل في إمكانية ظهورها الجديد وشروطه، وبالفعل فقد ظهرت من جديد، وقد غيَّرت من طبيعتها نهائياً.. ظهرت مشحونة بدلالة لم تكن في ملكها من قبل، فقد كانت تُعَيِّن [لعلها تُعيد، أو تكون الياء مشدَّدة تُعَيِّن] في شكلها التقليدي تأثيراً مباشراً -تطابقاً في الزمان والفضاء-، ويندرج نشاطها كلية ضمن سلطة الأجرام.. أما عند (داكان) فإن تأثير القمر على العكس من ذلك ينتشر في سلسلة من الوساطات تأخذ طابعاً تراتبياً ومتطوراً حول الإنسان ذاته [ذات لا تأتي بمعنى نفس، وواو العطف قبل (متطوِّراً فضول)].. إن القمر يُؤثِّر في الجو بكثافة إلى درجة أنه يحرك كتلة كبيرة كالمحيط مثلاً، والحال أن الجهاز العصبي يُعَدُّ من بين كل عناصر جسمنا الأكثر حساسية للتغيرات الجوية؛ لأن أي تغيير في الحرارة، أو أي تنوع في الرطوبة والجفاف: يمكن أن يؤثر فيه؛ ومن باب أولى أن يُحدِث مدارُ القمر اضطراباً عميقاً في الجو، ويؤثِّر بقوة على الأشخاص الذين يملكون ليفة عصبية معقدة؛ فيما أن الجنون هو مرض عصبي كُلِّيَّة؛ فإن دماغ المجانين يكون أكثر عرضة للتأثر بهذا الجو [إذن هم مجانين قبل دُنُوِّ القمر] الذي يستقبل هو ذاته درجاتٍ من الكثافة وفق مختلف مواقع القمر في علاقته بالأرض.. وفي نهاية القرن 18 عادت اللانوتية إلى حالتها التي كانت عليها قرناً قبل ذلك بعيدة عن كل معارضة معقولة، ولكنها ستظهر من خلال أسلوب جديد.. إنها لم تعد فعلاً تعبيراً عن سلطة كونية، بل علامة على حساسية خاصة بالجسم الإنساني؛ فإذا كان بإمكان مراحل القمر أن يكون لها تأثير على الجنون فإن ذلك مردُّه إلى وجود عناصر محيطة يُحِسُّ بها الإنسان دون أن يدري؛ فما بين السبب البعيوبين الجنون تسرَّبَت من جهةٍ حساسيةُ الجسد،ومن جهةٍ ثانية الوسط المؤثِّرُ راسماً بذلك ما يشبه وحدة نسق للانتماء يُنِّظم مجموعَ الأسباب البعيدة حول الجنون ضمن انسجام جديد؛ وعلى هذا الأساس فإن نسق الأسباب قد عَرَف تطوراً مزدوجاً في القرن 18؛ فالأسباب القريبة واصلت تقدمها مقيمةً بذلك بين الجسد والروح علاقةً خَطِّيَّة [الخطية كناية عن الثبات والوضوح كأن ما قبلها مأثور شفهي] تمحو الدورةَ القديمة لنقل النوعيات.. وفي الوقت ذاته فإن الأسباب البعيدة لم تكفَّ على الأقلِّ ظاهرياً [أي لدى العامة بخلاف أهل التخصُّص] عن التوسع والتكاثر والانتشار، ولكنها من خلال هذا التوسع كانت تلوح في الأفق وحدة جديدة.. شكل جديد بين الجسد والعالم الخارجي؛ ففي الفترة [الفترة ليست اسماً لجزء من الزمن، ولكنها وصف لجزء منه يتعلَّق بفرد أو جماعة] نفسها أصبح الجسم في الوقت ذاته مجموعة من الجزيئات المختلفة لأنساق سببية خطية [أي مُحقَّقَّةً علمياً بالكتابة]، والوحدة [أي وأصبحت] السرية لحساسيةٍ تستعيد التأثيرات الأكثر تنوعاً، والأكثر بعداً والأكثر تنافراً للعالم الخارجي.. وانشطرت التجربة الطبية للجنون وفق هذا الفصل الجديد: (ظاهرة للروح أحدثتها حادثة أو اضطراب الجسم، وظاهرة للكائن البشري في كليته.. روح وجسد مرتبطان ضمن حساسية واحدة محددة من خلال تنوع التأثيرات التي يمكن أن يمارسها الوسط عليه، إصابةٍ [أي وإصابة] محلية للدماغ، واضطرابٍ عام للحساسية.. يمكننا ويجب علينا في الوقت ذاته البحث عن سبب الجنون في تركيبة الدماغ وفي رطوبة الهواء، أو عودة الفصول، أو حماس القراءات الروائية.. إن دقة السبب القريب لا تتناقض مع العمومية المنتشرة للسبب البعيد، وكلاهما لا يشكلان سوى الحدود القصوى لحركة واحدة هي الهوى)).

قال أبو عبدالرحمن: إن وسائل العبد الفقير من المعرفة في هذه المسألة الطِّبِّية الطبيعية اللونية لا تمكِّنه من الحكم فيها بنفي أو إثبات، وحسبي أنها رمز أدبي يُفَسَّر بالظرف الزمني للأديب، وهي في عصر شكسبير ثيمة تعني أثر القمر في الجنون، وحسبي أن أتلقَّاها بعقل فطريٍّ غير مُعَقَّد، فأنظر أوَّلاً إلى (عُطيل) فليس هو (شكسبير) يروي حدثاً تاريخيّْاً واقعياً؛ وإنما هو شخصيَّةٌ مُتَخيلَّة أنْطقها شكسبير بثيما عصره : أن دُنُوَّ القمر ذو أثر في الجنون!!.. وأسأل بالعقل الفطري: هل هناك مأثور تاريخي عن دُنُوِّ القمر في كل الأرض، أو في أجزاء منها -ولا سيما بلاد سفينة الحمقى التي أسهب عنها ميشيل فوكو في كتابه تاريخ الجنون-، وهل أُصيب أهل الأرض كلهم بالجنون، أو أكثرهم، وهل ذوو المنَعَةِ هم القِلَّة؟؟؟.. إن هذه الأسئلة من عقلٍ فطري تحتاج إلى أجوبة عِلْمِيَّةٍ مُحَقَّقةٍ، وحسبي ههنا أنها رمز أدبي أسطوري وظَّفه شكسبير لشخصية عطيل الأسطورية.. وشكسبير ذو الإبداع الفني ليس حاوياً، ولكنه وجد أسطورة عربية أعجبته، وهي لا تلتحم بحبكة وعُقَدٍ وحلِّ عُقَد تنتهي إلى نتيجة واحدة بنسق فني فكري؛ فأخذ منها عموم الفكرة ثم لامسها بريشته الفنية بإضافةٍ عبقرية وإسقاطٍ ذكيٍّ؛ فكانت (مسرحية عطيل) مسرحية عالمية فنية خالدة لا يضيرها البناء على أسطورة عربية متناقضة؛ لهذا يكفي من المقارنة ما يؤكِّد علم شكسبير بالأسطورة، وأما الاحتجاج بالفروق الكثيرة فهو من السذاجة بمكانٍ شاسع؛ لأن شكسبير كما أسلفت ليس حاوياً مستنسخاً؛ وإنما هو فنان ذو إبداع؛ ولهذا لا تُعَدُّ الأسطورة العربية شيئاً مذكوراً بجانب إبداعه.. والمؤشرات في متن المسرحية كثيرة عن علم شكسبير ببلاد العرب وحلب وتركيا بلد الخلافة الإسلامية؛ إذن فإنَّ ما سلف أوجُهٌ من اللقاء كافية في تحصيل اليقين بأن الأصلَ الساذّج لمسرحية عطيل أسطورة عربية مُضْطرِبة، ومع أن الأستاذ فؤاد عبدالمطلب استعرض كل ما اختصرته من سياق الدكتور نسيب: فإنه انتهى إلى رأي مائع في زعمه؛ وذلك قوله: «والخلاصة أن البحث في هذه القضية ما زال مفتوحاً أمام الباحثين المقارنين، وحسبي في هذه العجالة أني أثرت هذا الموضوع، وأشرت إلى بعض مفاتيحه الأساسية».

قال أبو عبدالرحمن: لا أعلم له مستنداً في هذا الحكم الماتع في زعمه سوى أمرين: أولهما قوله: «وفي مسرحية عطيل ليس هناك ما يدل على محاكاة أو أسلبة أو اقتراض واضح من قصة ديك الجن».. وثانيهما زعمه بأن المقارنة بين الأسطورة العربية ومسرحية شكسبير إنما يقوم على الاستقصاء لمصدر المسرحية العربي عن طريق الترجمة؛ وعلى هذا إذا لم يُوجد برهان تاريخي على أن النص العربي لم يُترجَم إلى لغات أوربا لم يثبت الأخذ على الرغم من كل أوجه اللقاء؛ وهذا ما صرح به بقوله: «وتكاد تجمع مصادر النقد الأدبي والمسرحي الإنجليزي المكتوب عن مسرحية عطيل على أن شكسبير -كعادته في اقتراض موضوعات مسرحياته- قد استمدَّ قصة عطيل من مجموعة قصصية إيطالية عنوانها «هيكاتوميثي»، أي مئة حكاية للكاتب الإيطالي (جيرالدي تشنيتو)، ولم يستمدَّها من قصة حياة ديك الجن الحمصي؛ فقد نُشر هذا الكتاب في البندقية عام 1566م وترجمه إلى الفرنسية (غبرييل تشابيس) عام 1584م، ومن المحتمل أن شكسبير قد عرف القصة من الكتاب الأصل، أو من خلال ترجمته بالفرنسية؛ إذ أنه لم توجد ترجمة إنكليزية لهذا الكتاب قبل عام 1753م».. وعندما استدل الدكتور نسيب بإمكان اطلاع شكسبير على حياة ديك الجن من خلال المصادر اللاتينية التي نقلت الآداب العربية إلى أوربا: عارَضه بأن هذا النقل يحتاج إثباته إلى تحديد خاص أو عام، ثم علق بقوله: «والحق أن هذه القضية تظل رهن البحث والتقصي.. إن مصدر مادة عطيل شكسبير معروف في النقد الأدبي والمسرحي الإنجليزي، وهو ثابت علمياً.. والذي يجب النظر فيه عموماً هو كيفية انتقال كتب التراث العربي وما تحويه من كنوز أدبية عن طريق الترجمة وغيرها إلى أوربا، وعبر جزيرة صقلية والأندلس، والحرب مع الفرنجة، والأتراك العثمانيين.. إن الإجابة الأكثر تحديداً يجب أن تكون عن السؤال: كيف وصلت أخبار ديك الجن إلى الوسط الإيطالي، وكيف وصلت إلى فيلسوف فيرارا الأرستقراطي، والكاتب الإيطالي (تشنيتو)؟.. قال خالدوف أحد الباحثين في كتاب الأغاني: (وقد أعار المستعربون الأوربيون منذ أمد بعيد الاهتمام بكتاب الأغاني، وهم يستخدمونه، ويفيدون منه؛ لكونه كنزاً للمعلومات اللغوية والأدبية والتاريخية.. لم يُترجم كتاب الأغاني بعدُ إلى أية [الصواب: أيِّ] لغة من اللغات الأوربية باستثناء بعض المقتطفات المقتبسة، والأحاديث المنقولة والمروية.. إن هذه المقتطفات والأحاديث من هذا الكتابحديداً، وغيره من كتب التراث العربي، وعبورها إلى أوربا، وتأثيرها في المدونات الأدبية المختلفة هناك: لا تزال مجالاً خصباً لدراسة العلاقة بين الأعمال التي نتحدث عنها وغيرها من الروائع الأدبية، وفيما يتعلق بالحكاية الإيطالية فإننا نجد فيها الشخصيات الرئيسة [الأصوب الرئيسية؛ لأنها ليست شخصاً واحداً؛ فتكون عنصراً واحداً رئيساً] التي وضعها شكسبير في مسرحيته كلها عدا الدوق، وغراتيانو، ونبلاء البندقية الآخرين ومونتانو وردريغو.. وإياغو يُدْعى حامل العلم، وكاسيو يُدعى رئيس الفيلق، وإيميليا تدعى الحسناء الفاضلة زوجة حامل العلم.. وهكذا دواليك؛ فالأسماء كلها عدا (دزديمونه) هي من وضع شكسبير بما في ذلك اسم البطل، وأحداث الفصل الأول من المسرحية كاملاً من إبداع شكسبير.. وقد كتب (تشنيتو) قصته على الطريقة السردية القديمة التي قلما تجعل من الحوار طريقاً إلى تصوير النوازع الداخلية للشخصيات؛ ومن الطبيعي أن تخلو قصة تشنيتو وأسلوبه السردي من رهافة التحليل والتركيب؛ فالمغربي عنده مجرد رجل شجاع طيب، ولكنه ساذَج لا يحتاج حامل العلم إلى دهاء للتغرير به، ولا نرى فيه ذلك التناقض الرمزي الذي صنعه شكسبير بين سواد الوجه وبياض القلب كمقابل [الصواب بصفته مقابلاً؛ لأن المراد الوصف المطابق، لا التشبيه المقارب] لوجوه بيضاء لا تُـخفي وراءها إلا قلوباً سوداء.. وحامل العلم في الحكاية ليس أكثر من نذل ينتمي إلى المدرسة الإيطالية المعروفة بهذا النوع من الشخصيات الشريرة.. أما إياغو فهو كعطيل: إبداع من إبداعات شكسبير الرائعة» [المصدر السابق ص62 عن معجم شكسبير لساندرا كلارك، وعُطيل بدراسة غاميني سالاد غاو وزميله -وكلاهما باللغة الإنجليزية-، ومقدمة جبرا إبراهيم للمآسي الكبرى، ومقدمة خليل مطران لترجمته مع زملائه].

قال أبو عبدالرحمن: هذا أسلوب خطابي لا تُبنَى على مثله الحقائق؛ لأنه لا خلاف في إبداع شكسبير لمأساة عُطيل؛ وإنما محلُّ البحث العناصر الأولى التي بنى عليها شكسبير إبداعه، ولولا الفوارق الكبيرة، واختلاف الأسباب والنتائج، واختلاف الأسماء، والتطعيمات الفكرية والثقافية والفنية: لكان شكسبير حاوياً لا مُبْدِعاً.. والبحث عن علم شكسبير بالأصل العربي إن قمتُ به فذلك تطوُّعٌ ونافلة؛ لأن المؤشِّرات في المسرحية نفسها التي أسلفتها شاهدة على علمه بالتراث العربي، ولو لم يكن شكسبير -وهو ابن القرنين السادس عشر والسابع عشر- على علم بما انتهى إليه آخر الحضارة البشرية من التراث العربي والإسلامي لكان متقوقعاً غير رائد في الأدب العالمي؛ وحسبك بذلك إساءة إلى شكسبير!!.. وكيف يخفى على شكسبير التراث العربي وقد وُلِد بعد امتصاص الرشدية اللاتينية في أوربا كلِّها أمَّهات المصادر تحصيلاً ودراسةً وتحليلاً؟.. وإلى لقاء عاجل قريب إن شاء الله، والله المستعان، وعليه الاتِّكال.

- عفا الله عنه -

مقالات أخرى للكاتب