Saturday 22/03/2014 Issue 15150 السبت 21 جمادى الأول 1435 العدد
22-03-2014

المملكة .. اليابان.. شراكات وعلاقات إستراتيجية

المتتبع لتطور العلاقات والإستراتيجيات الدولية، يجد أن قادة الدول وكبار موجهي ومخططي السياسة فيها يحرصون على عقد اللقاءات والاجتماعات من خلال تبادل الزيارات الرسمية والودية على درب تطوير العلاقات الثنائية بين الدول وتدعيم علاقاتهم السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية... إلخ بجانب دعم السلم والعدل الدوليين والأمن والاستقرار في العالم.

واليابان إحدى أهم قلاع الاقتصاد العالمي التي عانت من الحروب التقليدية كما ذاقت ويلات القنابل الذرية في هيروشيما وناجازاكي وهي صاحبة تجربة فريدة في الاقتصاد والصناعة والإدارة، كما إن المملكة سعت وتسعى لإثراء تجربتها الخاصة في التنمية الاقتصادية والإدارية.

وبتاريخ 18-21 ربيع الثاني 1435هـ الموافق 18 -21 فبراير 2014 قام ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية لليابان المحطة الثانية بعد زيارة سموه لباكستان وكان في مقدمة مستقبلي الأمير سلمان بمطار (هانيدا) في طوكيو الأمير ناروهيتو ولي عهد اليابان الذي صحب ولي العهد الأمين إلى مقر إقامته في قصر الضيافة بطوكيو.

وخلال الزيارة الرسمية التقى سموه بإمبراطور اليابان اكيهيتو وأجرى محادثات رسمية مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ركزت على عمق العلاقات بين الدولتين في المجالات السياسية والاقتصادية والنفطية والثقافية ورغبة البلدين في الارتقاء بها إلى شراكة إستراتيجية.

وقد شرف ولي العهد حفل العشاء الذي أقامه رئيس وزراء اليابان وخلال الحفل قال:

((يطيب لي في مستهل اجتماعنا هذا إن اعبر عن شكري وتقديري لدولتكم ، ولأعضاء حكومتكم ولشعب اليابان العظيم على ما لقيته والوفد المرافق لي من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، كما اعبر عن تقديري للزيارات المتكررة التي قام بها دولتكم للمملكة، ما يدل على مكانتها الخاصة لديكم.

إننا نبدي تقديرنا لدور اليابان المهم في العالم ويسعدني إن الأعوام التي مضت شهدت الكثير من التعاون في مختلف المجالات الصناعية والاستثمارية وغيرها بين البلدين، ونأمل أن تشهد السنوات المقبلة مزيدا من أوجه التعاون المثمر، بما يؤكد على متانة الشراكة بين المملكة واليابان.

ونأمل اليوم إن يبحث الجانبان السعودي والياباني الأجندة التي وضعت أمامنا، التي تتضمن آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، إضافة إلى بحث آفاق التعاون بين البلدين في مختلف المجالات وسبل دعمها وتعزيزها ، بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين وأتمنى لكم النجاح والتوفيق وللشعب الياباني دوام التطور والرخاء)).

وإذا كانت كلمة الأمير سلمان قد أبرزت عمق العلاقة بين البلدين فإن رئيس الوزراء الياباني قدم الشكر والتقدير الخالصين لخادم الحرمين الشريفين وولي العهد من خلال كلمته التي جاء فيها:

(الأمير سلمان بن عبد العزيز نرحب بزيارتكم إلى اليابان مجددا ويسعدني شرف استقبالكم في بلدنا بعد لقائنا الأخير في العام الماضي، الأمر الذي يدل على متانة الشراكة الثنائية بين بلدينا، فاسمحوا لي مجددا أن أعرب عن خالص شكري وامتناني لحفاوة استقبالكم عند زيارتنا السابقة، واليوم دعونا إلى هذا العشاء بعد إعلان جمعية الصداقة البرلمانية بما فيهم من مانتيمورا عضو مجلس النواب، إضافة إلى قادة الأعمال اليابانيين الذين تمتعوا بحسن استقبالكم في زيارتي السابقة، وتابع في الحقيقة إن العلاقات بين المملكة واليابان ترجع إلى نحو 100 سنة في ذلك الوقت قام مسلم ياباني بزيارة إلى مكة المكرمة من أجل الحج، ومن ذلك الحين استمرت صداقة الشعبين في النمو والاستمرار من خلال تأسيس العلاقات الدبلوماسية بعد الحرب العالمية الثانية، والتواصل مع الشركات اليابانية وبالتعاقد مع بلدكم نريد أن ننقل من هنا الصداقة الطويلة إلى الجيل القادم بأيدينا، ونحو 100 سنة قادمة نحن عازمون على بناء عهد جديد حيث يتشارك شعب البلدين في السعادة والازدهار في المعنى الحقيقي وفي الختام دعوني أن أتقدم بخالص تمنياتي بدوام الصحة والسعادة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده والوفد المرافق لكم).

هذه الزيارة التاريخية الهامة لسمو ولي العهد تعتبر الزيارة الثالثة لأحد قادة المملكة على هذا المستوى بعد الزيارة التاريخية لليابان التي قام بها الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله عام 1971م، وزيارة خادم الحرمين الشريفين عام 1419هـ الموافق 1998م وقد جاءت زيارة ولي العهد لدعم علاقات توطدت على مدى أكثر من خمسة عقود منذ زيارة الملك فيصل، وتأتي هذه الزيارة الرسمية إلى دولة شهدت نقلة اقتصادية كبيرة وأصبحت إحدى الدول الكبرى اقتصاديا وتكنولوجيا، وبلاد الحرمين الشريفين مرت بطفرة اقتصادية تنموية كبرى منذ ارتفاع أسعار النفط عام 1973م، وبهذا أصبح للدولتين مركز مرموق في منظومة الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية وهما أعضاء هامين في مجموعة العشرين.

والمملكة لها مكانتها في العالمين العربي والإسلامي، وهي على مستوى إنتاج وتصدير النفط عالميا تحتل مركزاً متقدماً وتمثل القطب الأهم في منظمة الأوبك، واليابان تعد واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم، ولا شك إن عقد شراكة إستراتيجية بين دولتين تملكان هذه القدرات الاقتصادية الضخمة يمثل بعداً هاماً للمملكة واليابان.

وهذا ما أكده الأمير سلمان خلال زيارته الرسمية لليابان حيث قال (إن الزيارة لليابان تأتي في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين وتنفيذا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير وتنمية كافة أوجه العلاقات على المستوى الثنائي بما يعزز المصالح المشتركة ويلبي تطلعات الشعبين الصديقين).

وقد استقبل ولي العهد في مقر إقامته وزير الاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني وبحث معه أوجه التعاون بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية وسبل تعزيزها وتطويرها، كما استقبل وزير الدفاع الياباني، وسفراء الدول العربية الذين خاطبهم قائلا (من المهم جدا التفاهم بين دولنا العربية لما فيه مصلحة شعوبها).وفي حفل بهيج تسلم ولي العهد رسالة الدكتوراه في الحقوق التي منحتها لسموه جامعة (واسيدا) إحدى اعرق الجامعات اليابانية تقديرا لإسهاماته البارزة في المملكة والعالم، وهو ما عبر عنه رئيس الجامعة الدكتور كاورو كاماتا قائلا: (إن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود معروف بحنكته السياسية وثقافته الثرية وانجازاته الكبرى التي أسهمت بشكل محوري في تطور المملكة العربية السعودية على الصعيدين الدولي والمحلي، وأضاف إن حصول سمو ولي العهد على عدد كبير من الأوسمة وشهادات الدكتوراه الفخرية يعد اعترافا بجهوده الحثيثة لإغاثة الفقراء ومنكوبي الكوارث الطبيعية في أنحاء متفرقة من العالم).

ثم ألقى الأمير سلمان كلمة بهذه المناسبة العلمية الأكاديمية ومما جاء فيها:

(السيد رئيس الجامعة الدكتور كاماتا السادة أعضاء هيئة تدريس الجامعة الأفاضل .. الأصدقاء الأعزاء .. أحييكم تحية طيبة .. إنني سعيد بوجودي اليوم في هذه الجامعة المرموقة، وسط هذا الجمع المميز من أهل العلم والمعرفة .. وفي معقل البحث الجاد ومركز الإلهام والتفكير الإبداعي.. ويسرني الوقوف أمامكم في الجامعة القيادية بتاريخها العريق، حيث التميز الذي يضع المعايير العالمية للعمل الأكاديمي المتفوق.إن السعوديون يشاركونني النظر لليابان باعتبارها تعيش تجربة مثيرة للإعجاب والتقدير، أنها مسيرة ملهمة لكثير من الدول في سعيها للتنمية والتقدم، إن رسالتنا في المملكة العربية السعودية مستمدة من التعاليم الإسلامية، روحها التسامح، وأداتها التفاهم والحوار، وهدفها التصدي للتطرف، وأساسها العمل الفاعل الذي ينشد الخير للشعوب، وطموحها تعميق الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وهذا ما جاء في مبادرة الملك عبد الله للحوار بين أتباع الديانات والثقافات ويحقق المصالح بعدالة ونزاهة وشفافية).

واليابان من أكبر الدول المستوردة للنفط في العالم بحكم أنها دولة غير نفطية وتعتبر سوقا كبيرة للنفط العربي خصوصا النفط السعودي، والمملكة تملك أكبر احتياطي نفطي مؤكد عالميا (264.5) مليار برميل وأكبر منتج ومصدر للنفط حيث يصل إنتاجها حوالي (10) ملايين ب/ي يمكن رفعه إلى 12.5 مليون ب/ي، واليابان يهمها تأمين احتياجاتها من النفط والغاز وتجد في النفط السعودي استقرارا في الإمدادات حيث تصل نسبة ما تستورده من المملكة أكثر من 20% من احتياجاتها النفطية.

وباستعراض الإحصاءات والبيانات نجد أن حجم التبادل التجاري بين المملكة واليابان بلغ حجمه بين المملكة واليابان 1.52 ترليون ريال في عشر سنوات من 2003م حتى 2012م بفائض ميزان تجاري لافت لصالح المملكة، بأكثر من ترليون ريال.لقد عكس البيان المشترك الذي صدر بمناسبة زيارة ولي العهد لليابان عمق العلاقة والشراكة بين الدولتين فقد عبر الجانبين عن التأكيد على التزامهما بسلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط طبقا لمبادرة السلام العربية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة مشددين على الحاجة لتوحيد الجهود الدولية لدفع عملية السلام إلى الإمام تجاه حل الدولتين الهادف إلى قيام دولة فلسطينية ذات سيادة مستقلة وموحدة وقابلة للحياة عاصمتها القدس الشريف، كما عبر الجانبان عن قلقهما العميق تجاه تطورات الأحداث في سورية واستمرار سفك دماء الأبرياء وأكدا إن النظام السوري يجب إن يُحمّل مسئولية هذا الوضع. وفي مجال التعاون الاقتصادي والطاقة أكد الجانبان على أهمية استقرار سوق النفط للأسواق العالمية وعبر الجانب الياباني عن تقديره لسياسة النفط المتوازنة التي تنتهجها المملكة كمصدر آمن يعتمد عليه في إمداد النفط إلى الأسواق العالمية عامة والسوق اليابانية خاصة، وأكد الجانب السعودي التزامه الاستمرار بالإمداد المستقر من النفط إلى السوق اليابانية، كما أكد الجانبان على أهمية المزيد من التعزيز للتعاون الثنائي في مجال الطاقة الذي يشمل كفاءة الطاقة وتبادل الخبرات في هذا المجال من خلال المشاورات السعودية اليابانية للطاقة بناء على العلاقات الوثيقة بين المملكة واليابان.

وخلال زيارة سموه حضر ورئيس الوزراء الياباني مراسم توقيع ثلاث اتفاقيات بين الدولتين فقد تم التوقيع على مذكرة تفاهم في التعاون بين هيئة الاستثمار السعودية ومركز التعاون الياباني لتطوير التعاون الاستثماري، وتوقيع عقد مشروع مشترك بين شركتين سعودية ويابانية واتفاقية ثالثة بين رجال أعمال البلدين.

لا شك إن العلاقات السعودية - اليابانية توطدت وضخ في شرايينها دماء جديدة بزيارة سمو ولي العهد لليابان التي تربطها علاقات وثيقة مع المملكة، يعود تاريخها إلى عام 1954م تاريخ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، هذا يؤكد إن زيارة الأمير سلمان لليابان جاءت في وقتها لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين ودعم التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري.

إن الزيارة كانت هامة ذات أبعاد مؤثرة حاضراً ومستقبلاً، تبني شراكة إستراتيجية يعتمد عليها في أكثر من صعيد، لكونها شملت شريكا اقتصاديا واستثماريا وسياسيا واستراتيجيا، أطلعه سموه على رؤية المملكة لمستقبل العالم الاقتصادي وفي كل الميادين ومنها ميدان الطاقة، ونظرته الفاحصة للأسلوب العلمي الذي تتبعه المملكة للقفز باقتصادها في الألفية الثالثة.

ولا شك أن التعاون مع دول كبرى مثل اليابان وباكستان والهند وغيرها من الدول من نتائجه الإيجابية العمل على دعم الحوار وحل النزاعات الإقليمية والدولية بالطرق السلمية تأكيداً للشرعية الدولية ومبادئ الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والقانون والعرف الدوليين.

لقد كانت زيارة سمو ولي العهد الأمين الرسمية لليابان هامه بكل ما تعنيه الكلمة من معان ومضامين، تلك الزيارة التي تعد نموذجاً متميزاً في تاريخ العلاقات السعودية مع دولة شقيقة وصديقة ركزت على بناء علاقات إستراتيجية هامة في زمن يشهد العالم تغيرات دولية متصارعة، ولذا فإن زيارات سمو ولي العهد لباكستان واليابان والهند لم تكن محض صدف أو زيارات (بروتوكولية) وإنما إستراتيجية مخططة تترك أبعادها على العلاقات والتوازنات في المحيط الإقليمي والدولي سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً.

والله ولي التوفيق

info@dreidaljhani.com

رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة

مقالات أخرى للكاتب