Tuesday 25/03/2014 Issue 15153 الثلاثاء 24 جمادى الأول 1435 العدد
25-03-2014

الإخوان والسلطان

تجتمع التيارات السياسية ذات التوجه الإسلامي رغم اختلافاتها فيما بينها في أمر واحد فقط هو وعودها بأن كل ما تحتاجه الدولة الإسلامية هو تمكينها من السلطة لتنزل بركة الله عدلاً وسلاماً ورخاءً على الدول والشعوب التي تحكمها. وما إن تتمكن هذه القوى من السلطة تتبخر بقدرة قادر هذه البركة وتعود الأمور أسوأ من ذي قبل.

وتعاطفت وتتعاطف اليوم مع هذا الطرح قطاعات كبيرة من الشعوب المسلمة التي نجح «السياسيون المسلمون» في خلط الصورة الذهنية لديها بين ما هو إلهي ومقدس وبين ما هو دنيوي ومدنس، أي الممارسة التي تتم باستغلال العاطفة الدينية حتى ولو كانت مختلفة تمامًا، ومعروف أنه من أركان العمل السياسي من زمن حامورابي إلى زمننا هذا، مبدأ قد يكون الثابت الأول في كل المتحوّلات، أن تقنع العامة وتكسب تعاطفهم بما تقول ويستجلب ثقتهم وتعاطفهم لا بما تطبقه فعلاً.

والتاريخ الإسلامي برمته، سياسياً ومذهبياً هو سلسلة متعاقبة من قوى ودول أدعت جميعها إما أنها ستصلح عوجاً في تطبيق سابق لأحكام الإسلام والشريعة، أو أنها وعدت بتطبيق لاحق لهذه التعاليم بشكل متكامل وصحيح، وفي كل مرة تفشل هذه القوى يعود المواطن المسلم للتفكير من المربع الأول وهو أن المشكل الأساسي هو في التطبيق وليس في الفكرة الأساسية، فتخرب مالطة ونعود لبناء مالطة أخرى على أنقاض مالطة السابقة وهلم جرا، والسبب في ذلك هو أننا لا نفرق بشكل ولو تطبيقي إجرائي بين القول والممارسة، وأننا لا نعي أن التطبيق التشريعي والدينوي للدول أو القادة أو الأمة هو في الأساس اختبار من الله لتطبيق البشر لشريعته مثله مثل تطبيق أي من تعاليم الدين الأخرى بشكل أو بآخر.

ونقف اليوم أمام تجارب إسلامية مختلفة كلها تدعي أنها تملك زمام الرؤية الإسلامية الصحيحة، فمنها من يدعو إلى تعايش إسلامي مع دساتير تدعي صراحة أنها علمانية مثل تركيا، ومنها ما يغرق في تطبيق نبوءات مذهبية ليس لها أي محددات أو مفاهيم واقعية تنسب للإسلام مثل الحكم الشيعي في إيران وإيدلوجية حزب الله التي تبرر بالتمهيد لعودة المهدي المنتظر. ولا يختلف عن ذلك الإخوان المسلمون والسلفيون وغيرهم الذين يقدمون وعوداً مشابهة ليس من بينها عودة شخص منتظر، ولكنها تستند لتحقيق رؤى إسلامية بسيادة الإسلام وعودة الخلافة الإسلامية نبوءة لا بد وأن تتحق في آخر الزمان، أي استبدال المهدي المنتظر بتحقيق الوعد المنتظر، وان الله وعد بذلك وتحقيق وعده سيكون على يديهم!!

كل هذه الإيدلوجيات السياسية والسلطوية في عمقها تقدم في الدين جانبه السياسي السلطوي على الجوانب الأخرى. فالدين في منتهى الأمر تطبيق قبل أن يكون وعوداً وعواطف، ولو كانت هناك وجهة نظر سياسية واحدة لما اختلفت الأمة حولها طيلة تاريخها. ويمكن القول إنه فيما عدا بعض الخطوط العريضة التي أمر بها الله في كتابه لا يوجد مفهوم إسلامي موحد للدولة الإسلامية، بل إننا اختلفنا واحتربنا حول هذه العناوين الرئيسة، وهو ما سبب تخلفنا وتبديد مواردنا.

ولو نظرنا للإخوان المسلمين كقوة سياسية وليست دينية لاختلفت زاوية رؤيتنا لهم مائة وثمانين درجة، فلو كان اسمهم مثلاً «الإخوان المصلحون»، أو «الإخوان المحافظون»، أو غيرهما وسحبنا صفة المسلمون من لقبهم فعلينا أن نتخيل ما سيكون حجم التعاطف الجماهيري معهم، ومثلهم مثل كل من يضيف لاحقة «الإسلامي» لمسماه الحركي لاستغلال عواطف الجماهير المتدينة. ومثل ذلك تسميات أخرى مثل: «حزب الله»، و»جيش المهدي»، «دولة الشام والعراق الإسلامية» وغيرها، فهل يعقل أن يكون لله حزب تمثله شخصية طائفية مثل حسن نصرالله!! ولو كان الأمر كذلك فلا بد أن يكون من يرأس حزب الله شخص له تواصل دائماً به، أي رسول من رسله!! وكيف يكون للمهدي جيش وهو منتظر وقبل أن يظهر؟! والإخوان المسلمون لا يختلفون كثيراً عن ذلك في تسميتهم التي فيها تلميح وإحالة لقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الحجرات10. فلا بد لمن يصلح الأخوة أن تكون له ولاية عليهم. فهل تاريخ الإخوان بما فيه من صراعات واغتيالات تاريخ إصلاح بين الأخوة؟ وهل يستلزم الإصلاح قوة عسكرية أو جناح عسكري؟

والإخوان حركة سياسية تبنت مسمى إسلامي، ولكنها في عمقها لا تجسد الإسلام بلباسه السياسي كما تصوره البعض، وقد تبنت هذه الحركة الشعارات الطوباوية الإسلامية ذاتها وتوسلت بها لأهداف سياسية، وقد تحوّلت مؤخراً لحزب سياسي ذي سبغة إسلامية. وخطورة الحركة هي أنها استغلت التعاطف الديني الإسلامي لتمتد لجميع الدول التي وجد بها الإسلام، وهي تصف نفسها بأنها حركة إصلاحية شاملة لجميع الأقطار العربية، ولها مجلس إرشاد عالمي، وكذلك مجلس شورى عالمي، وعلى جميع «الأعضاء الدوليون»، وفروع الحركة في الخارج الالتزام التام بتعاليم المرشد في العام في مصر. وللحركة جناح سياسي وجناح عسكري. وذكر حسن البنا في أحد المؤتمرات أن الحركة تنظر للإسلام على أنه: «عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف». وقد شملت هذه النظرة كل نواحي الإصلاح في الأمة، فهي دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية». (ويكيبيديا). ولو دققنا النظر في هذه الأهداف لوجدناها لا تختلف كثيراً عن الأهداف الطوباوية لغيرها، ولا يلبث الإخوان أنفسهم أن يختلفوا حولها عند الدخول في التفاصيل. بل إن شخصاً مهماً مثل كمال الهلباوي ممثل الإخوان في أوربا، والمتحدث الرسمي لهم استقال في أغسطس 2012 من حركة الإخوان لأسباب ذكر من بينها: انتهازية الحركة وتأخر انضمامها للثورة في مصر، واجتماع الحركة سرياً مع اللواء عمر سليمان ممثل النظام السابق في اجتماعات سرية والاتفاق معه على وصف الثوار بالبلطجية». واستقال كذلك أشخاص مثل الخرباوي وغيره لاقتناعهم بأن الأهداف الطوباوية البراقة المذكور آنفاً لا تعكس الواقع الحقيقي للحركة، وهي ليست إلا غطاء لأهداف سياسية.

أما فيما يتعلق باتهام الحركة بتدخلها في شئون الدول الأخرى الداخلية وقلب نظام الحكم فيها، وتقسيمها فيما بعد فقد ذكر ذلك «يوسف ندا» الذراع الاقتصادي للحركة في أوربا في كتاب «من داخل الإخوان المسلمين» الذي كتبه باسمه دوجلاس تومسون 2012 حيث استفاض في مدح قطر وأميرها وانتقاد غيرها من دول الخليج الأخرى «المرشحة للانقلابات» ، وهو يذكر في ص 154 «هناك دول أخرى تتهيأ للانقلاب القادم، لكن الثورة القادمة من المحتمل أن تكون في المملكة العربية السعودية والخليج، ...» كلام لا يعكس التوقع بقدر ما يعكس ما تخطط له هذا الجماعة وتفكيرها الرغبوي. والإخوان لهم امتداد وحضور قوي في الخليج بحكم توجه هذه الدول الإسلامي، وهذا توجه لم يتغير بقدر ما تغيرت استراتيجيات الإخوان وطموحاتها وتحالفاتها الخارجية، فتحوط دول الخليج من أخطار هذه الجماعة لم يأت من فراغ. ونتمنى لو ينظر المتعاطفون مع هذه الحركة في مصر وغيرها لواقعها وممارساتها وأهدافها الحقيقية وليس شعاراتها. واليوم تزكم أنوفنا روائح فساد حزب العدالة والتنمية في تركيا بقيادة أردوغان الذي نجح في خلق صورة له مضخمة لها على أنه امتداد للخلفاء والأولياء الصالحين، واعتقد أننا لن ننتظر طويلاً لتخرج لنا فضائح حكم الولي الفقيه في إيران أيضاً.

latifmohammed@hotmail.com

Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب