Tuesday 25/02/2014 Issue 15125 الثلاثاء 25 ربيع الثاني 1435 العدد
25-02-2014

متحف للفن التشكيلي

تحتفل المملكة هذه الأيام بمناسبة فعاليات مهرجان التراث والثقافة في قرية الجنادرية، وهو مهرجان يجذب اهتمام كثير من الزائرين والمهتمين في الداخل والخارج. فالاهتمام بالتراث أمر مهم جداً حيث إنه يجسد النتاج الفكري والمادي لمملكتنا الحبيبة، فللمهرجان أهمية توثيقية قد تعادل أهميته السياحية والترفيهية.

ولكن المملكة وللأسف تفتقر بصفة عامة لوسائل أخرى تعد مهمة للحفاظ على التراث الفني، وخاصة في مجالات الفنون التشكيلية. وأحيانا يصعب التصديق أن بلدا مهما مثل المملكة، بما تملكه من مكانة وإمكانيات لا يوجد بها متحف للفن التشكيلي رغم التسارع الملحوظ في نمو حركة الفنون التشكيلية، وتصاعد حركة الاقتناء للأعمال الفنية. وهناك دول لا تملك إمكانياتنا ولا حركة مشابهة للحركة الفنية لدينا أصبحت تمتلك متاحف تفتخر وتفاخر بها. فالمتاحف ليست مستودعات لتجميع الأعمال الفنية الجميلة، أو جدراناً تعلق عليها رسومات، بل مؤسسات تثقيفية وتعليمية على قدر كبير من الأهمية.

فالدول المتقدمة لا تنظر للفن على أنه ترف بل على أنه حاجة مجتمعية، و ثقافية، واقتصادية لتثقيف الأفراد، وتثقيف الأجيال. وأصبح معروفا أن الحركة الفنية تواكب التطور الفكري والعلمي للمجتمع. فالإنسان بكافة حواسه، بوعي أو غير وعي، محور ما يدور حوله من أحداث وأشياء، وهو يتفاعل مع ما حوله يتأثر به ويؤثر فيه من خلال حواسه المختلفة. فحواسنا هي نوافذنا على العالم، ورؤيتنا للعالم هي ما يشكل وجداننا وأمزجتنا. ونحن نردد كن جميلاً ترى الوجود جميلا، وربما يكون العكس صحيحاً، فالوجود الجميل، أو المحيط الجميل يخلق إنسانا جميلا. وفي الحديث الشريف: إن الله جميل يحب الجمال.

وقد نحب أو نعشق أشياءً بدون أن نعرف لذلك سبباً، وقد ننفر من أشياء أخرى دونما سبب معروف. كما أننا نحرص أيما حرص كيف نبدو للآخرين سواء من حيث الشكل أو اللبس. وعندما نبتاع شيئاً ما نحرص على أن يكون تصميمه جميلاً، وعندما نبني بيتاً نحرص على أن تصميمه جذاباً. وقد نقضي وقتاً طويلاً نبحث في تفاصيل دقيقة للمنزل مثل شكل البلاط أو لون الجدار وعندما يكتمل الجدار نبحث عن أثاث جميل يتفاعل معه، وصور جميله لنعلقها عليه. هذا هو الفن، الفن بمختلف أشكاله، يحيط بنا بشكل كامل ويدخل في كافة تفاصيل حياتنا. وكل ما نقتنيه من منتجات اقتصادية يدخل الفن كعنصر أساس في تكوينها.

وكلما تحضر المجتمع وزادت درجة وعيه العلمية والأدبية أدرك قيمة الفن، وتعمق في معرفته. فالفرد الذي لا ذوق له، ولا يعشق الجمال، ولا يرى الوجود جميلاً قد يشكل خطراً على المجتمع حتى ولو كان عالما، لأنه يكون فرداً بعقل وبلا وجدان. والمجتمع الذي يحترم القيم الإنسانية يحترم الفن، ولو تخيلنا مجتمعاً بلا فن فسيكون مجتمعاً لا طعم له ولا لون ولا رائحة. فالفن ضروري لتهذيب النفوس، وإرهاف الحس الإنساني، ودعم التفاعل البشري. والفن من أهم أسلحة الحضارة البشرية ضد التطرف والحروب بما فيها الإرهاب الفردي والدولي. ويأتي الفنانون عادة في مقدمة الشرائح المجتمعية التي تدافع عن القيم الإنسانية. والقيم الفنية لأمة ما، بشهادة معظم المفكرين، تجسد أهم قيمها الإنسانية وتعكس أرقى جوانبها الحضارية. وليس هناك في التاريخ أمم بدون فن، بل إن كثيراً من الأمم فنيت وبقيت لنا فنونها. واهتمام الحضارات بالفن بدأ منذ بدء الخليقة وبشكل تلقائي.

وبينما أدرك غيرنا، من الشعوب المتقدمة، الحقيقة البديهية في أن الفن ضرورة من ضرورات الحياة، ما زال البعض منا وللأسف ينظر إلى الفن على أنه ترف لا حاجة له، و زخرفة زائدة لا قيمة واقعية لها. وهذا ما يعكسه مدى الدعم الذي يلقاه الفن في مجتمعنا. والحقيقة هي أن للفن قيمة اقتصادية كبيرة جدا، وهناك دول تعتبر تصدير الأعمال الفنية، أو إضافة القيمة الفنية لمنتجاتها من أهم جوانب صادراتها، سواء كانت هذه الفنون مرئية، أو سمعية، أو تشكيلية. وهناك أعمال فنية بيعت بمئات ملايين الدولارات لأن من يشترونها يعرفون القيمة الحقيقة لاستثمارها. ولا توجد صناعة، أو عمارة، أو ثقافة بلا فن.

والمحزن حقاً هو أننا ندعم الرياضة مثلاً بمئات ملايين الريالات بحثاً عن تحقيق إنجازات تعزز به مكانتنا الدولية، وندعم الإعلام الهابط بأموال مماثلة بينما لا يجد الفن والفنانون لدينا من الدعم ما يساعدهم على الاستمرار في إبداعهم. والأكثر حزناً هو أن الكثير من الأعمال الفنية الجميلة والقيّمة التي أبدعها فنانونا، والتي تحمل تراثنا الفكري والجمالي هي عرضة للإهمال والتلف إما في الشوارع، أو على جدران بعض المباني الحكومية، أو لدى أشخاص لا يعرفون قيمتها الحقيقية.

وبينما نحن نفتخر بالتقدم العمراني الذي حققناه، ونفتخر بأن لدينا بعضاً من أكبر مطارات العالم، وأوسع طرقه، ولدينا شركات عالمية كبرى، وبنوكاً مصنفة عالمياً ولدينا أقوى وأجمل خيول العالم، وأجمل سياراته، وأفخم طائراته، وأكبر يخوته، غير أننا، ويا للعجب، لا نملك ولو متحفاً صغيراً للفنون الجميلة، وما زال معظم فنانينا يعملون في الصباح ليعيشوا ويرسموا في المساء لإشباع إبداعهم الفني، مع أننا نعاني من بطالة وزيادة في الموظفين.

ولو تكلمنا بصراحة أكبر، فهناك مجالات كثيرة يمكن أن يساهم فيها الخيِّرون في بلادنا غير المجالات الصحية، والرياضية، والدينية وهي بناء متحف وطني للفنون الجميلة يحفظ تراث هذه الأمة الجمالي والفني من الضياع والاندثار. وهناك فرصة ذهبية للبنوك لمصالحة المواطنين الغاضبين من خسائر الاستثمار والقروض، ولدفع تهمة التقصير بالمساهمة في التنمية الوطنية، وهي أن تتبنّي بناء متحف لائق لفنوننا الجميلة يدعم المبدعين في هذه المجالات ويشجعهم باقتناء أعمالهم، والحفاظ عليها. وهي بلا شك قادرة على ذلك، وفيه خير دعاية لها. فالقادم لبلد ما يبحث أولاً عن متاحف البلاد التي يزورها، ليتعرف على تراث أهلها وثقافتهم من خلال مقتنياتهم الفنية ولكننا وللأسف لا نعير ذلك اهتماما والسبب في ذلك هو أن الوعي بأهمية الفن يتطلب ثقافة فكرية متطورة، وحسا فنيا عاليا لا يمكن أن يوفره مستشارون أو خبراء نحيط أنفسنا بهم أو نطلب رأيهم وتوجيههم بل يتطلب إدراكا متقدما، وثقافة رفيعة خاصة. هذه الثقافة هي التي تدفع للاهتمام بالمتاحف، وهي التي تدفع بشكل جدلي لتطور هذه الثقافة. وعندما تزور بعض المتاحف تجد أن معظم رواده من طلاب المدارس، أو المتدربين كما أن الدول تدفع مبالغ طائلة لاستضافة معارض فنية، أو الحصول على حق عرض بعض الأعمال الفنية العامة ليس لأنها تعد ذلك ترفا بل لأنها تراه نشاطا ضروريا. والجهل والثقافة الضحلة هما العدوان البارزان للفن، فالفن هو أرقى مراحل التراث الفكري. والمتاحف هي المؤسسات التي تعني بتنمية هذا الجانب.

latifmohammed@hotmail.com

Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب