Tuesday 28/01/2014 Issue 15097 الثلاثاء 27 ربيع الأول 1435 العدد
28-01-2014

قنبلة إيران و إيران القنبلة

أود بادئ ذي بدء القول بأنني أحترم كل إنسان لإنسانيته، وأنني، كوني سنيًا، أحترم المسلمين سنة وشيعة ومن كافة المذاهب، حيث إني أعتبرهم جميعاً إخوة في الدين، وأعتبر الشيعة العرب أشقاء في الدين والثقافة والقومية. كما ولدي احترام وإجلال كبيرين للشعب الإيراني والثقافة الإيرانية،

ولكن الأمر بالنسبة لي مختلف مع توجهات الحكومات الإيرانية المتعاقبة منذ تبنت هذه الحكومات الطائفية كإيديولوجية أدخلتنا فيما نحن فيه من فوضى. فالمذهب الفردي يختلف كثيراً في نظري عن المذهب الإيديولوجي السياسي. فتحركات إيران مؤخراً في المنطقة تثير كثيراً من التساؤلات حول أهدافها ومراميها.

فمذ عاد الخميني من فرنسا على طائرة فرنسية محملاً بأشرطة كاسيت سياسية طبعتها له المخابرات الفرنسية وجبهة العرب الشرقية ليست مشتعلة فحسب بل وملتهبة بشكل لا يهدأ.

الخميني رجل دين، وربما فقيه، ولكن الدعاية الضخمة التي أحاطته والتي تزامنت مع السقوط المدوي للشاهن شاه، إمبراطور الأباطرة، رضا بهلوي، الذي كان يفطر يوميا من مطعم ماكسيم في باريس بينما غالبية الشعب الإيراني يعاني الفقر وسوء التغذية، هذه الدعاية المهولة حولت الخميني من فقيه إلى الفقيه، وبعد أن استقرت له السلطة بإعدام نظامه كل من خالفه بمساعدة مثقفين من التوجهات الإسلامية الأقل تشددًا، تحول النظام لنظام مغلق، وتم التخلص حتى من العناصر المتسامحة المستنيرة التي سبق وتم التحالف معها، وتحول الخميني إلى فقيه مقدس، وهو بعبارة إخوتنا الشيعة الأثنى عشرية، يسمى «الولي الفقيه» المعصوم الذي تجب له الطاعة العمياء، واعتقد بعض المتشددين منهم ألا طاعة لله في معصيته. وربما يقول البعض بأن ذلك شأن إيراني، ولا شك أني وغيري كثر نوافقهم الرأي، ولكن عندما تسعى إيران لمد هذه الولاية المقدسة لجميع الشيعة في دول أخرى فالأمر يختلف بطريقة جذرية.

ولاية الفقية في رأيي قد تختلف عن التقديس المعهود لرجال الدين في مختلف الديانات، فالقورو في مذهب الكريشنا شخص مقدس يسير الأرواح وينقيها، والدعاة القديسين في المسيحية التبشرية في أمريكا يدّعون لأنفسهم القدرة على مخاطبة الله وشفاء المرضى، والرهبان في ديانات بعض قبائل الهنود الحمر هم من يسير السحب ويجلب المطر ويشرق بالشمس، ويلعب السحرة في أفريقيا دوراً مماثلاً في شفاء الأمراض وإضعاف الأعداء.

جميع هذه الظواهر جزء من ظاهرة إنسانية أعم يطلق عليها علماء الثقافات «أنسنة الآلهة»، أي إسقاط صفات الآلهة القادرة على كل شيء على بشر عادي. وولاية الفقية إسقاط قدسي مباشر، ربما مختلف نوعا ما، يمر عبر صورة مرسومة للمهدي المنتظر الذي ينفذ إرادة الله في عباده، ويتولاها مؤقتا إمام فقيه.

والخطر الأكبر يكمن في أن تعتقد إيران أن ولايتها فقيهاً هي أيضاً ولاية سياسية وتمتد لأي منطقة يوجد فيها شيعة أو حتى أناس لديهم رغبة متوقعة في التشيع، وأن لها حقا مقدسا في مد نفوذها في هذه المناطق، التي هي في مجملها مناطق عربية مجاورة: العراق، البحرين، سوريا، اليمن، لبنان، شرق السعودية. وللعرب وإيران علاقة ود طويلة ومستقرة قبل الخميني مما جعل لهم امتداداً ديمغرافياً لا يستهان به في دول أخرى كالكويت، والإمارات، وقطر وغيرها. ولذا فالإدعاء بولاية مذهبية لا تحترم السيادة الوطنية، أو الحدود السياسية أمر في منتهى الخطورة. وهذا ما تفعله حكومة إيران اليوم. وشيئا فشيئا أخذت تتقمص دور الدولة الكبرى التي لها الحق للتدخل في دول أخرى لا لحماية حقوق الإنسان بل لحماية حقوق المذهب.

ومؤخراً، صرح وزير خارجية إيران محمد ظريف أنهم بصدد تقديم شكوى على السعودية بشأن اغتيال ممثل الحوثيين على شرف الدين في مؤتمر الحوار الوطني اليمني!! وقبله صرح حسن نصر الله من لبنان أنه يسير حسب توجيه ورغبة الولي الفقيه الذي يكن له ولاءه المطلق، وبسببه دخل سوريا وشارك في القتل الجماعي فيها، وهذا الولي الفقية دينياً هو بعبارة أخرى ليس سوى إيران سياسيا. أي أن إيران كانت واستمرت ترى أنها ممثلة للحوثيين في اليمن، والشيعة في لبنان والعراق، و تتدخل مباشرة في سوريا والبحرين، وشجعها على ذلك الانتهازية الروسية التي تبحث عن دور لها في المنطقة بأي ثمن.

وبينما إيران تطالب بوصاية على الشيعة في الدول المجاورة، لا تسمح بولاية مشابهة لغيرها على الأقليات غير الشيعية داخل حدودها وتستمر في شنق أفراد الأقلية السنية في الأهواز العربية السنية بشكل شبه دائم، وهي تحرم السنة داخلها من الكثير من حقوقهم، وتمنع بناء المساجد السنية في الأهواز، وبلوشستان، وغيرها. وهنا يبرز السؤال الأهم، وهو لمن وضد من تستعد إيران عسكريا وتتسلح؟ ولماذا تحاول الحصول علي السلاح النووي بأسرع وقت ومهما كلف الثمن؟ هل هو لإسرائيل كما يرغب مسئولوها أن نصدق؟ أو للعدو التاريخي السني تركيا؟ أم لجيرانها العرب؟ وهنا علينا أن نعرف أن استعدادات ايران هذه هي للمستقبل القريب والوسيط أي على الأرجح لاستكمال مرحلة صراعاتها الحالية والتي كان آخرها دخولها العلني لسوريا لدعم حكومة الأسد.

فبالنسبة لإسرائيل، فهي دولة بعيدة عن إيران ولا حدود لها معها، ولا يوجد في إسرائيل أقلية شيعية تدعي إيران رعايتها، ولا يوجد بها من يطالب بحماية الولي الفقيه. وإسرائيل تمتلك رابع قوة نووية في العالم وتمتلك جميع وسائل إيصالها للعمق الإيراني، ولذا فمجرد التفكير بالهجوم عليها مستبعد جداً والطرفان يعرفان ذلك. وإيران التي تدخلت لصالح العلويين في سوريا بحجة كونهم جماعة شيعية، لم يسبق وأن أتت على ذكر عشرين مليون علوي تركي في جنوب تركيا، ولم تقدم على أية محاولة لإذكاء التشيع هناك، بل أن إيران تبذل جهوداً حثيثة وملموسة لتحسين العلاقات مع تركيا، وتتحالف معها لمنع قيام دولة كردية.

يبقى العرب الذين تتبادل إيران معهم ثارات حروب حديثة، واختلاف مذهبي قديم، طورته لصراع حديث. فإيران تحسب حسابات السيناريوهات المستقبلية الأسوأ، ومنها أن يتحد العرب في جبهة واحدة ضدها فتستمر الحرب معها لوقت طويل بشكل لا تتحمله، وبالأخص فيما لو شدد الغرب حصاره عليها. أما السيناريو الثاني فهو أن يثور الشعب الإيراني من الداخل نتيجة لسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فتتدخل الدول العربية والغربية للعمل على سقوط نظام الملالي لاسيما وأن خامنئي ليس بكاريزما ولا مكانة الخميني، وهو شخص مارس الحزبية والعسكرية سابقا، يدخن، ويتعامل مع الأمور الأخرى، الملية والسياسية، بشكل يثير التساؤل حول عصمته، أي باختصار قدسيته لدى الإيرانيين أقل من قدسية الخميني، غير أن زخم ولاية الفقية لم يضعف لموت الخميني لظروف الحروب الخارجية المتتالية التي استغلتها القوى المحافظة في إيران لتشديد قبضتها على الوضع الداخلي.

فالأحرى أن تكون قنبلة إيران الذرية موجهة ضد العرب ليس إلا، وهي لدعم توسع مستقبلي متوقع، وإذا صح ذلك فهو يدلل على أمر أخطر من ذلك بكثير وهو أن إيران تجهز نفسها لمزيد من التدخل في شئون جيرانها العرب مسقبلا، في انفجار توسعي لن يستثني حتى دولاً لها مواقف مهادنة تجاهها وتقيم علاقات تجارية معها رغم المقاطعة الدولية. فضعف الجار العربي، وظروف الفوضى التي خلقتها ثورات الربيع العربي، يؤجج الرغبة في التوسع المباشر وغير المباشر لإيران وغيرها في منطقتنا، أما فيما يتعلق بإسرائيل، فهناك اتفاق على الإبقاء على الجبهتين السورية واللبنانية هادئتين، وقد قامت أمريكا بنزع السلاح الكيماوي السوري بمقايضة سرية مع إيران، وهو السلاح الذي يمكن أن يهدد إسرائيل فيما لو وقع في يد نظام سياسي آخر، وحزمت حقائبها ورحلت لتستعد لرفع الحصار عن إيران لأن الأخيرة صارت تعمل بشكل مكشوف بالتناغم مع إسرائيل لتدمير الدول العربية المجاورة لها وتقسيمها، ولا يخفى على المحللين السياسيين العارفين بالوضع الداخلي الأمريكي، أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تصاغ في تل أبيب. وإيران وإسرائيل تتبادلان الأدوار في مسرح سياسي ضحيته العرب المفككون.

latifmohammed@hotmail.com

Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب