Tuesday 07/01/2014 Issue 15076 الثلاثاء 06 ربيع الأول 1435 العدد
07-01-2014

رفيق السفر

جمعني الحظ في رحلة صحيفة الجزيرة إلى دبي في لقائها السنوي 2013 بالزميل سعد الدوسري، حيث جلسنا في أماكن متجاورة. والزميل سعد رجل منفتح، حسن المعشر، لا يقيم وزنًا للمجاملات والحواجز، ولذا ما مضت دقائق إلا وكنا نتبادل الحديث كصديقين متعارفين منذ زمن بعيد.

ولا شك أننا جميعاً نعرف بعضنا من خلال كتاباتنا، ولكن الكتابات تأخذ شكلاً آخر بمجرد التعرف على الكاتب شخصياً، فتختلف الطريقة التي تقرأ بها ما يكتب.

كسرنا الجمود وبدأنا الحديث حول موضوع طريف جديد، وهو ذباب كان يجوب المقصورة فوق رؤوسنا بسرعة غريبة، ويئز كطائرة نفاثة، يغير هنا ويقصف هناك. نظرنا لهذا الطائر الشجاع الذي استطاع أن يقتحم حواجز الخطوط وأنظار مضيفيها ليصول ويجول كيفما شاء في مقصورة الأعمال، وتعجبنا، وبعيد قليل من التعجب اقتنعنا أن شيئاً كهذا يحصل في أفضل الخطوط ولذا لا مجال للوم أحد على عدم ملاحظة هذا الكائن المزعج الذي استمر يناوشنا بغاراته حتى وصلنا.

ثم انتقل بنا الحديث إلى مجلة «أهلاً وسهلاً»، مجلة الخطوط التي وضعتها الخطوط لتسلية الركاب وتقطيع وقت الرحلة عليهم. وجميع خطوط العالم لديها مجلات مماثلة تحمل اسمها وتهدف لتسلية الركاب، وتتضمن عادة مقالات استطلاعية عن وطن الخطوط، وأخرى مقالية خفيفة الظل سهلة الهضم حول مواضيع تهم عموم القراء، وتكتب عادة بلغتين لغة دولة الخطوط ولغة أجنبية أخرى. كما أن مجلات الخطوط تكون عادة جاذبة للإعلانات لأن ركاب رحلات الخطوط يطلعون عليها ولو مرغمين، فرحلات الطيران مكان مغلق لا حول للراكب فيه ولا قوة، ومكان مفضل للإعلان لأن الراكب من الملل يستطلع ويتلمس كل شيء حوله. ولا شك أن «أهلاً وسهلاً» نجحت في جذب الكثير من المعلنين لأن العشرين صفحة الأولى منها كانت إعلانات كاملة ملونة. لكن الملفت للنظر في هذا العدد: عدد سبتمبر هو التغطيات الشاملة لنشاطات الخطوط ذاتها، ونشاطات مسئوليها.

تلا صفحات الإعلان الأولى العشرين مباشرة، عشر صفحات بالتمام والكمال مقالات تشيد بنشاطات معالي المدير المهندس خالد الملحم، وعرض في ثنايا هذه المقالات الإخبارية عشر صور كبيرة لمعاليه في أوضاع وأزياء ومناسبات مختلفة داخل المملكة وخارجها، صور بمختلف الألوان والأبعاد يظهر فيها معاليه بمنتهى الأناقة وحسن القيافة. ويتلو ذلك نصف صفحة استطلاعية مجتزئة عن أبها وأربع صفحات عن بللسمر ومثلها عن «هلسنكي»!! ثم تعج الصفحات بكل ما هب ودب من المقالات غير المتجانسة، بأسلوب إخراجي عشوائي جديد من مدرسة ما بعد الحداثة!! عبرنا عن إعجابنا طبعًا بالصور الرائعة لمعالي المهندس لأنه في الصور يظهر بشكل مبهر حسبناه خير دعاية للوطن والخطوط، ولا شك أن تغطية نشاطات مثل نشاطات المسئول الأكبر للخطوط في مجلة الخطوط لا يعد فقط أمراً مهنياً، بل حقاً مشروعاً لمن يقف على رأس هرم كبير كالخطوط السعودية بحسب فهمهم لا فهم من يتصفح المجلة للاطلاع على محتواها.

طبعاً لن نتكلم عن الاستطلاعات باللغة الأجنبية والتي كانت متفرقة ومتجانسة تتنوع من حياة الحيوانات، للأشهر الحرم في الإسلام، إلى مدينة كوانزو في الصين، وصفحة واحدة عن الجوف. ولا أريد أن أنتقد إخراج المجلة التي تجوب الدنيا باسم المملكة، ولكني أعتقد أن انتقاء استطلاعات جيدة ومتكاملة عن المملكة أمر في غاية الأهمية، وأنه جرت العادة أن الاستطلاعات عن دولة الخطوط تكتب باللغة الأجنبية، الإنجليزية في حالتنا، لأن المواطن يعرفها وهي تكتب عادة للراكب الأجنبي، وعكسها الاستطلاعات الأجنبية حيث تكتب بلغة بلد الخطوط للقارئ الوطني. عموماً كان أجمل ما في المجلة إخراجًا ومساحة تغطية زيارات ونشاطات وجوائز معالي المدير، فهذا موضوع يهم القراء بمختلف مشاربهم سعوديين وعرباً وأجانب.

تمنيت الزميل سعد الدوسري في رحلة العودة إلى المملكة بعد عشرين يوماً، حيث ضحكت ملياً على رؤية ذباب أنشط من ذباب رحلة الذهاب، وحقيقة لا أعرف هل هو نفس الذباب الذي كان في رحلة الذهاب أم لا، ولكنه كان يبدو مألوفاً بشكل ما. وأن يرافقنا ذباب في رحلة من مطار الملك خالد أمر أقل إدهاشاً من أن نرى ذباباً على رحلة قادمة من دبي، لأنه أمر غير مألوف أن تشاهد ذباباً في أماكن عامة فيها. وقد يكون الذباب حجز رحلة ذهاب وإياب معنا على الخطوط، ولكن هذا ليس كل شيء.

عند الاتصال بالخطوط لتغيير الحجز بتقديمه رد موظف الحجز، عربي الجنسية، قائلاً عليك أن تذهب إلى المكتب للديرة في دبي لدفع مئتي ريال للتمكن من ذلك، وعندما سألت هل بالإمكان الدفع في المطار أجاب بالنفي. وكنت في رحلتي الأخرى الدولية على طيران الإمارات قدمت الحجز ودفعت ما يعادل 160 درهماً في المطار قبل ركوب الطائرة، وحصل المبلغ موظف في المطار. طبعاً لن نقارن خطوطنا بالإمارات لأن السماح بدفع المبلغ في المطار يدل -وفق رؤية الخطوط السعودية (ربما!)- على التسيب، وقد يؤدي إلى الفساد -لا سمح الله- وهو لا يحسس الراكب عبر مشورته أو دفعه لبذل جهد غير عادي بأهمية الالتزام بالحجز السابق حتى ولو أقلعت الطائرة بنصف عدد ركابها.

عند ركوب الطائرة تلقينا أول بلاغ من الطيار بأن الرحلة ستتأخر بسبب ضغط الحركة في مطار دبي. فدبي، نتيجة لسوء التخطيط كما نوه أحد مخططي مدننا، خططت عشوائياً، وتعاني من الازدحام، ولكن لم أكن أتصور أن ينتقل الازدحام إلى المطار بما يؤخر الرحلات!! تلا الإعلان ترديد إعلان آخر لأربع مرات: الرجاء من الركاب الالتزام بالمقاعد المخصصة لهم، الرجاء من الركاب الالتزام بمقاعدهم، فكان لا بد من الانتظار ليجلس الركاب، أو يجلّسوا في مقاعدهم المخصصة لهم لنتمكن من الإقلاع. تلا ذلك الدعاء المعتاد بأن يخلف الله الراكب في الأهل والولد، ثم تم الإقلاع بعد تأخر أربعين دقيقة فقط، العتب على زحمة مدرجات مطار دبي!!

الشيء الملفت للانتباه كان قيافة طاقم الضيافة الذي لم يكن بمستوى رحلة الذهاب، خصوصاً الطاقم النسوي، حيث غابت الابتسامة عن بعض الوجوه المتورمة، وكانت الخدمة في أقل حدودها. والملفت للنظر أنه كان هناك ركاب نائمون تماماً على الكراسي الممتدة طيلة الرحلة، رغم أن الرحلة مدتها ساعة وربع ووقتها بعد العصر. ثم دبت الفوضى عند قرب الهبوط، ومرحلة جمع السماعات استعداداً للهبوط، حيث رفض بعض الركاب باستهتار وضع كراسيهم في وضع الهبوط، وتمسك بعضهم الآخر بالسماعة لآخر دقيقة. وكان منظراً كوميدياً حقاً. وقبل مغادرة الطائرة كان طاقم الطائرة في وداع الركاب، بينما استمرت الطيور في تحليقها في المقصورة.

وفي الختام لا يفوتني إلا أن أبارك لمعالي رئيس الخطوط على حصول خطوطنا السعودية على جائزة «إنجازات الأعمال العربية 2113»، «حيث تم الاختيار عبر الخبراء والمختصين استناداً إلى الإنجازات التي حققتها الخطوط السعودية على أرض الواقع»، ولا شك أنه عندما يمنح الخبراء والمختصون أعلى جائزة للخطوط فلا قيمة لآراء الركاب. وإلى مزيد من الإنجازات على أرض الواقع، وفي الفضاء أيضاً.

latifmohammed@hotmail.com

Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب