Tuesday 10/12/2013 Issue 15048 الثلاثاء 06 صفر 1435 العدد
10-12-2013

عرس «الجزيرة» في دبي

خرجت صحيفة الجزيرة هذا العام عن نصوص الاجتماعات السنوية للمؤسسات المحلية والإقليمية، ليس فقط من حيث الشكل بل والأسلوب أيضاً، وأبانت عن فكر مؤسسي وإداري متقدم فاجأ منسوبيها قبل غيرهم، حيث دعت جميع منسوبيها لاجتماع سنوي مع عملائها ومعلنيها في أحد أفخم منتجعات دبي.

خطوة لا قت ترحيباً كبيراً من الجميع وتركت فيهم أثراً طيباً لا شك سيبقى معهم لفترة من الزمن، وأهم من ذلك أصبحت الجزيرة الصحيفة اسماً معروفاً في دبي عاصمة المال العربية.

لا أستطيع أن أتحدث نيابة عن الزملاء الذين جمعنا بهم المكان والمناسبة، ولكن الكثير منهم لم يكن يعرف الجزيرة كمؤسسة عن قرب، ولم يكن بعضنا يعرف كيف تعمل، أو مَن هم أعضاء مجلس الإدارة، فالعلاقة علاقة كتاب بصحيفة وتنتهي هذه العلاقة بمجرد إغلاق الحاسوب بعد إرسال المقال. ولكن الاجتماع في مكان واحد لمدة ثلاثة أيام: إدارة، تحرير، عملاء، كتاب، علاقات عامة، خلق لديهم شعور بالانتماء، وبمعرفة دورهم في هذه المؤسسة الصحفية الأولى من حيث التوزيع والانتشار.

المفاجأة الأولى كانت في التنظيم من ساعة دخول المطار قدوماً حتى العودة له مغادرة، تنظيم يشبه في دقته الساعة السويسرية، ومن قام به شباب وشابات سعوديات في مقتبل العمر أثبتوا أنه متى منحت الفرصة والثقة لهم فلا حدود لعطائهم. فقد أعطوا مثلاً للتنظيم الدقيق الذي يهتم بالتفاصيل والجزئيات قبل الكليات، فكل التفاصيل كما قال محمد عبده كانت على البال، شباب وشابات العلاقات العامة والإدارة المشرفة عليهم جعلونا نفتخر بقدرتنا على التنظيم بجهود ذاتية، وأين؟ في دبي، بلد يفتخر دائماً أنه الأول في التنظيم، ولكن شبابنا ومعم إدارتهم كانوا على الموعد في كل صغيرة وكبيرة. والجميع كان في حرج لعجزه عن شكرهم، ولهم نرفع قبعاتنا.

مؤسسة الجزيرة السعودة أتت بما لم يأت به غيرها من المؤسسات الصحفية في المملكة أو خارجها، إذ جعلت من اجتماعها السنوي ذكرى ترسخ في ذهن جميع منسوبيها، وأشعرتهم أنهم هم رأسمالها الحقيقي، وأنهم كلهم من رئيس مجلس الإدارة إلى أصغر موظف فيها على القدر ذاته من المسؤولية والأهمية، فالتقى الجميع برئيس وأعضاء مجلس الإدارة ورئيس التحرير والمدير العام، وهذا العدد الكبير من العاملين فيها، وتسامروا وتجاذبوا أطراف الحديث بحضور بهي من الشركات والمؤسسات التي تتعامل مع صحيفة الجزيرة، وأصبح بينهم -كما يقال- عيش وملح يستوجب الوفاء والولاء.

الاجتماع في منتجع، أو فلنقل الرحلة الترفيهية العملية أسلوب تتبعه الشركات الكبرى في العالم لكبار مسؤوليها، وذلك لتهيئة الأجواء الصحية والمحببة لهم للتحاور والتفاهم، فحين ترتاح النفوس تصفو العقول، وتتقارب القلوب، ولكن مؤسسة الجزيرة جددت في هذا الأسلوب الذي تتبعه كبريات الشركات العالمية بأنها عممته على جميع منسوبيها، فقربتهم من بعضهم، وألغت الفوارق بينهم. والأهم هو أن كل ذلك تم بشكل مدروس، وبرسالة واحدة جامعة، وهي أن الربح في المؤسسة ليس كل شيء ولكن بناء الكوادر والأجيال، والنهوض بالرسالة الإعلامية هو الأهم. فالحفل بلا شك كان مكلفاً وكما يقال، كثر الله خير الجزيرة مؤسسة وإدارة، ولكن ثبت أن الثقة والاحترام هي الخلطة السحرية في التحفيز على الإبداع.

ثلاثة أيام في مكان ساحر وأجواء خلابة، ولا أعرف إذا ما كان ذلك مقصوداً به تعداد أيام كرم ضيافة العرب، إذ تعودت العرب إكرام الضيف لثلاثة أيام، ولكنها في مناسبة الجزيرة حولت منسوبيها لأسرة واحدة تلتزم محبة وأخوة قبل أن تلتزم عملاً ومسؤولية. ومن المتوقع أن يظهر الأثر السحري لهذه الخطوة في القريب العاجل، فهنا تكمن عبقرية ثوثيق العلاقات وتحبيب الالتزامات. فعندما تعرف أن الربح بالنسبة للمؤسسة ليس كل شيء وأن الأهم هو الإسهام بجهد في بناء الوطن فالتزامك بمؤسستك يتحول لالتزام وطني، وعملك مع مؤسستك واجب تحتمه النخوة والالتزام الشخصي.

الجزيرة 2013 كان أيضاً مؤتمراً فكرياً تناقش بين الجميع لساعات طوال حول كل هموم الوطنين الصغير، والكبير، فانكشفت العقول وتلاقحت الأفكار، ولم يعد الكتاب نصوصاً على ورق بل تحولت النصوص إلى شخوص لها روح وعمق، وتحولت الجزيرة لساحة حوار كبير. ولا أروع من أن يسأل أعضاء مجلس الإدارة موظفيهم وكتابهم عن رأيهم في أداء الصحيفة، وعن تصوراتهم لمستقبلها، فالطموح على ما يبدو لا يعرف الحدود، ولا يوجد مستحيل يحدد سقف التطور المنشود، والمستقبل بحسب توقعي يخبئ الكثير من المفاجآت.

أشكر الجزيرة أصالة عن نفسي على كرمها وحسن ضيافتها، وأشكر لمسئوليها وجميع العاميلن فيها أريحيتهم وكرم خلقهم، ولا شك أنني استفدت الكثير من الأحاديث والحوارات التي تبادلتها معهم، كما أني تشرفت بمعرفة الكثير منهم، وسعدت بمعرفة المسؤولين عن الإدارة والمحررين والجميع بلا استثناء، إلا أنني لا أستطيع تجنب التعبير عن سعادتي البالغة في لقاء شخص رئيس مجلس الإدارة الكريم الشيخ مطلق المطلق الذي تشرفت بتجاذب أطراف الحديث معه، وكان معلماً فعلياً في حسن الخلق وكرم الضيافة، وأحسست أني أعرفه لسنوات طويلة، وكان شاغله الكبير تفقد أحوال الجميع والتأكد من استمتاعهم بوقتهم، وكان يسأل عن الصغير قبل الكبير. فحقاً كلما كبرت الهمم وسمت الأخلاق أصبح التواضع سمة مقدسة، تواضع يشعر الآخر بسمو شخصه وعلو كعبه.

شكراً للجزيرة على حسن التنظيم وكرم الضيافة، وشكراً للإدارة والعاملين على الفرصة التي أتاحوها لنا لمشاركتهم همومهم وطموحاتهم، ولتحسيسنا بأننا جزء مهم من هذه الطموحات، فلا شك أن ذلك زاد من حس المسؤولية والانتماء لدى الجميع الذين تحولت المؤسسة بالنسبة لهم من جسم إداري غريب إلى مظلة أخوية يشترك الجميع في مسؤوليتها ونجاحها. فالجميع أحس أنه عضو في عائلة واحدة والمثل يقول “فما راء كمن سمع”.

latifmohammed@hotmail.com

Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب