Tuesday 11/02/2014 Issue 15111 الثلاثاء 11 ربيع الثاني 1435 العدد
11-02-2014

بلدية تحجب بلدية

ضمن أنشطة إبداعية جديدة، رعت صحيفة الجزيرة نشاطاً للتعرف على أجزاء في الوطن الحبيب، قد تكون هذه الأجزاء مجهولة للكثير من أبنائه تاريخيا، وجغرافيا، واجتماعيا، وتنمويا. فالوطن الحبيب ينمو في أريافه بشكل متسارع لا يعرف عنه المواطنون القاطنون في المدن الكبرى إلا اللمام، وتعريفهم به أمر في غاية الأهمية.

وتنظم صحيفة الجزيرة هذه الرحلات بدعم ومشاركة من الأهالي أو رجال الأعمال، ويدعى لها الصحفيون والمصورون والمشتغلون بالآثار ومن له اهتمام بالاطلاع على مثل هذه الجوانب. والنشاط، كما سمعت، يقتصر في مرحلته الأولى على المناطق القريبة من الرياض، وقد يشمل غيرها مستقبلا. وقد تشرفت بتلقي دعوة من المهندس أحمد العبد الكريم لزيارة محافظة سدير ضمن هذا النشاط.

فقد نتعرف أحيانًا على أناس ونعجب بطيبتهم، وحسن معشرهم، ورقي تعاملهم، وقد لا نسأل عن أسرهم أو بلداتهم إذا لم نكن من المهتمين بمسائل الأنساب والأسر وغير ذلك من الأمور. ولكن عندما نعرف أنهم ينحدرون من مدن وبلدات صغيرة متناثرة في أصقاع الوطن يزداد إعجابنا بهم وببلداتهم، ويزداد وعينا بأن بناء وطننا الغالي كان بمشاركة جميع أقاليمه، وأبنائه، وهذا يزيد من لحمتنا الوطنية. ويشكر رجال الأعمال لدينا على الوفاء منهم لوطنهم ومساقط رؤوسهم، فوفاء رجال الأعمال لبلداتهم وحرصهم على إنمائها ليس بجديد، وهو عمل أصيل ومتأصل ومستمر.

وتلقيت قبل ما يزيد عن عشرة أيام مع بعض الزملاء دعوة من المهندس أحمد العبدالكريم، أبو فيصل، لزيارة سدير ضمن هذا النشاط، واستضافنا أبو فيصل في بلدة حرمة، مسقط رأسه وأصل كثير من الحمايل المعروفة في سدير والرياض وغيرها، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: آل ماضي، وآل مدلج، وآل الدريس، وآل محرج، وآل عبدالكريم، وآل العقيل، واللعبون، والجماز، وغيرهم من أسر كريمة لا يتسع المقال لذكرها. وحرمة مدينة قديمة تذكر كتب التاريخ أنه أسسها ابراهيم بن حسين المدلج العنزي عام 770 هـ بإحياء الأرض وزرع النخيل. وهي تقع على ملتقى واديين: الكلب، والمشقر، وبها سد حجري قديم جدا بطول 400 متر على ملتقى الواديين، ويوجد بالقرب منها جبال عليها نقوش تاريخية قديمة. وأسرها عرفت بغزارة العلم وحسن التعامل والعمل.

انطلقت الرحلة بحافلتين كبيرتين إحداها تقل الرجال من الضيوف، ومجموعة من المصورين الهواة الذين يحرصون على توثيق أبعاد الجمال في مملكتنا الحبيبة، وهم هواة في المهنة محترفون في المقدرة. أما الحافلة الثانية فخصصت للسيدات ومنهن مجموعة من الطالبات والباحثات المهتمات بمعرفة تاريخ المملكة وآثارها، وقد أسهم في الرحلة مسئول العلاقات في صحيفة الجزيرة الشاب يوسف العتيق، ورافقنا في الحافلة شخصية كريمة وبارزة في مجال العمل التطوعي في المملكة، وهو الشيخ محمد الجماز، أبو توفيق الذي أضفى على الرحلة جواً رائعاً بحديثه المشوق.

استقبلنا فور وصولنا رئيس مركز حرمة المؤرخ والأديب المعروف الشيخ عبدالله الماضي، والد زميلنا المهندس والزميل الكاتب عبد المحسن الماضي، وقد تجشم عناء مرافقتنا أمد الله في عمره، في كل جولاتنا في البلدة، وحرص على أن يوفر لنا كل ما نحتاج، أما الشيخ محمد الجماز، أبو توفيق، فله باع طويل في العمل التطوعي، أحب أهل حرمة فاخلص لهم فأحبوه وقدروا جهوده بتسمية شارع باسمه، وهو المسئول عن المركز الاجتماعي التطوعي، مركز يعنى بتقديم الدعم الاجتماعي والثقافي لأهالي وساكني مدينة حرمة، من ندوات، ومسابقات، ودورات تدريبية، في العلاقات، والحاسوب، ويدرب المركز أيضا على بعض المهن التي تكفل لخريجيها العيش الكريم كالحاسوب، والخياطة، والتجميل. فحرمة، كما هو الحال في مدن وبلدات سدير، يتصف أهلها بالكرم وطيب المعشر الذي يجعل من يزورهم يخجل من فيض كرمهم. وقد أحسسنا في رحلتنا هذه أننا أهل بيت بين أهلنا وذوينا لولا كرم الضيافة المفرط الذي غمرنا به أبو فيصل العبدالكريم، الذي بلا شك بذل جهداً كبيراً في تنظيم وإنجاح هذه الرحلة.

كانت الرحلة بالنسبة لي ولمن تحدثت معهم مفيدة جداً من حيث معرفة جزء غالٍ من الوطن لم نكن نعرفه سابقاً، وعلى وجه الخصوص عندما تعلم بمقدار وفاء الأهالي رغم أعمالهم ومشاغلهم الكبيرة لبلداتهم، وكيف أنهم يسعون لجعلها بيئة جاذبة للسكن والعمل والتنمية. فكثير من مناشط حرمة المختلفة، ثقافية واجتماعية ورياضية تمول من قبل أبنائها من رجال الأعمال، ولأسرة العقيل والدريس، دور مهم في ذلك لا بد من الإشادة به. وكانت المفاجأة لجميع الزائرين هو معرفة أن نادي الفيصلي الذي يمثل عموم سدير رياضياً في دوري عبداللطيف جميل من حرمة، ودعم بجهود ذاتية من سكان حرمة، وأن عمره يزيد على الثلاثين عاماً، وبه أنشطة اجتماعية وصالة شعبية مفتوحة بشكل دائم لشباب المنطقة. وتصادف وصولنا لحرمة عودة الفريق لها بعد فوز كبير على فريق الاتحاد في الشرائع، وكان فرصة ملائمة لنا لمشاركتهم فرحتهم.

الرحلة تواصلت بزيارة بلدات أخرى؛ مثل جلاجل حيث استقبلنا بحفاوة كبيرة الشيخ عبدالله المزروع، أبو علي، مع ابنائه من مهندسين ورجال أعمال، وأصر على مصاحبتنا في جولة في جلاجل؛ حيث وقفنا على معالمها وحدائقها ومطلها الجميل. ثم عرجنا على الداخلة، وكان في استقبالنا الفنان ابراهيم الفارس، والراوية محمد الغنام، والفنان محمد السويح الذي أسس متحفا شعبيا صغيرا رائعا بجهود ذاتية. وقد اصطحبونا لمسجد قديم في الداخلة بني من مئات السنين بطراز معماري من خارج المنطقة ربما يكون تركي، أو حجازي، وفي باحة المسجد ساعة زوالية لتحديد الوقت. وبما أن أهالي البلدات هم من شاركوا وعملوا هذه الحملة فلم نتمكن لضيق الوقت من زيارة البلدات الأخرى. وكان للحرمة نصيب الأسد في التنظيم والضيافة.

شد الزوار في الحرمة كثافة نخيلها، وجمال بساتينها، وحسن تنظيم بلدتها القديمة، وجامعها الذي يتوسط البلدة، وقد انعكس ذلك على البلدة الجديدة من النظافة وحسن التظيم. وقد شهت مدينة حرمة موخراً نموا عمرانيًا كبيرًا تجلى في توسع أحيائها القديمة وظهور أحياء جديدة كبيرة ومتباعدة، وقد اندهش الجميع لعدم وجود بلدية خاصة مستقلة بحرمة رغم حجمها وأهميتها ومطالبة أهاليها المستمرة ببلدية مستقلة بهم. فلحرمة من المكانة التاريخية في سدير والمملكة عموما ما يؤهلها للاستقلال بكافة مرافقها، كما أنها توسعت بشكل كبير ولأهاليها مناشط كثيرة لجعلها بيئة جاذبة للسكنى والتنمية المستقبلية، ولهم طموحات مستقبلية ذاتية تتجاوز ما هو موجود حاليا، ويحتاجون لدعم بلدي فقط. ومجاورتها لمركز حضري كبير ومهم كالمجمعة يعد دعما لها ودعما للمجمعة أيضا، ولكن كما أسلفنا، يجدر بنا الحفاظ على قيمتها التاريخية لحرمة كمستوطنة حضرية قديمة، كما أن وجود بلدية ومرافق أخرى مستقلة بها يشجع أهاليها، وهم ولله الحمد مقتدرون، على الاستمرار في تنميتها، وربما خلق ذلك جواً من المنافسة البناءة بين المدينتين.

ولا بد أن أختم بشكر صحيفة الجزيرة لالتفاتتها الكريمة للوطن، ولأهل حرمة وسدير كرم ضيافتهم وحسن استقبالهم، وأخص بالذكر المهندس أحمد العبدالكريم، فقد كانت رحلة رائعة حقا.

latifmohammed@hotmail.com

Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب