Thursday 03/04/2014 Issue 15162 الخميس 03 جمادى الآخرة 1435 العدد
03-04-2014

صفعة محمود عباس لنتانياهو

وحده، محمود عباس من يخرج عن قواعد اللعبة في نظر الإسرائيليين والأمريكيين، إذ أقدم على اتّخاذ خطوة تذكِّرهم بأن لديه خيارات عديدة لإعادة الوسيط إلى نزاهته، والعدو إلى صوابه.

محمود عباس بعد أن ملَّ من مراوغات الإسرائيليين وضعف الأمريكيين أمام الإسرائيليين، اتخذ القرار الذي يُطالب به جميع الفلسطينيين، وهو التوجه للأمم المتحدة والانضمام إلى المؤسسات الدولية التي تكمل قيام الدولة الفلسطينية.

خطوة محمود عباس الجريئة هذه والمرتقبة من الفلسطينيين وكل محبي فلسطين، أوضحت للإسرائيليين والأمريكيين معاً أن الفلسطينيين ليس لديهم ما يخسرونه، وأن السلوك المتعجرف والمستبد من قِبل نتنياهو وضعف الأمريكيين سواء كان الطرف الوسيط كيري أو أوباما، وأن محمود عباس وبهذه الخطوة التي كان الإسرائيليون يحذّرون من اتخاذها، نقلت الكرة الآن إلى ملعب نتنياهو وكيري معاً، بعد أن يئس محمود عباس من اللعب معهم، وعليهم أن يكونوا نظيفين في أداء لعبة المفاوضات، وأن لا يحمِّلوا الرئيس الفلسطيني فوق طاقته ويطلبوا من الفلسطينيين أكثر مما يستطيعون تقديمه على حساب حقوقهم المشروعة، فالفلسطينيون والقيادة الفلسطينية قَبِلوا بالدخول مع الإسرائيليين وبحصرية الوساطة مع الأمريكيين على أساس الوصول إلى حل يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967م وعاصمتها القدس، تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل وحل عادل لقضية اللاجئين.

على هذا الأساس قَبِلَ الفلسطينيون الانخراط بمفاوضات مع الإسرائيليين وبوساطة أمريكية، وعلى هذا الأساس قبلوا أن يُؤجلوا استكمال انضمامهم إلى المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة لاستكمال استحقاقات الدولة الفلسطينية بعد الحصول على عضوية المنظمة الدولية غير المكتملة، وكان الأمريكيون قد اشترطوا على الفلسطينيين تأجيل الانضمام إلى المؤسسات الدولية حتى تستطيع واشنطن أن تسير بوساطتها في أجواء سلسة تُؤمِّن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومقابل ذلك تكفلت بإقناع الحكومة الإسرائيلية بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين وتجميد الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.

ولكن بالرغم من استجابة القيادة الفلسطينية لجهود الوزير كيري والقبول بالانخراط في مفاوضات وضعت لها إطاراً زمنياً محدداً، إلا أن الإسرائيليين بدؤوا في ابتزاز الفلسطينيين والأمريكيين معاً، فبالإضافة إلى عدم تنفيذهم ما التزموا به من وقف الاستيطان، أوقفوا الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، ووضعوا شروطاً ومطالبات أخرى منها، فرض وجود عسكري في منطقة الأغوار مما ينتقص من سيادة الدولة الفلسطينية المرتقبة.

مماطلات إسرائيل لم تدع للرئيس الفلسطيني محمود عباس مجالاً للسير وفق أهواء نتنياهو وضعف كيري، فما كان منه إلا أن نفّذ ما وعد به الفلسطينيين في حال فشلت المفاوضات مع إسرائيل، وهو الانضمام إلى المؤسسات الدولية التي ستتوجه لها السلطة الفلسطينية لاستعادة حقوقها المسلوبة، ومن أهمها الانضمام إلى اتفاقية جنيف الرابعة حول حماية المدنيين، ومعاهدة تنظيم علاقات السلك الدبلوماسي، وميثاق حقوق الإنسان وحقوق المرأة واتفاقية مكافحة الفساد.

الانضمام لهذه الاتفاقيات سيُمكِّن السلطة الفلسطينية من تقديم شكاوى إلى هذه المؤسسات الدولية، وبخاصة حماية المدنيين والتوجه إلى المؤسسات العدلية الدولية لمقاضاة إسرائيل حول ما ترتكبه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني.

الخطوة الفلسطينية التي أغضبت كيري وجعلته يلغي لقاءه بالرئيس الفلسطيني خطوة كان يحتاجها كيري لأنها تُمثِّل (صدمة كهربائية لنتنياهو) حتى تشعره بأن الفلسطينيين لديهم وسائل وأدوات كثيرة لوقف تعنُّته وغطرسته، وإذا لم يستطع الأمريكيون بقوتهم أن يعيدوه إلى الواقع، فإن الفلسطينيين مهما اعتقد نتنياهو بضعفهم قادرون على انتزاع حقوقهم.

jaser@al-jazirah.com.sa

مقالات أخرى للكاتب