Friday 04/04/2014 Issue 15163 الجمعة 04 جمادى الآخرة 1435 العدد
04-04-2014

هل يفتقر مجتمعُنا إلى ثقافةِ الاعتذار والاعترافِ بالخطأ؟

الاعتذار قيمة إنسانية وأخلاقية سامية.. وهي مرتبطة بشكلٍ مباشر بالخطأ.. والخطأ جزءٌ من تركيبة البشر السلوكية وسمة من سماتهم، ولا يمكن لأي إنسان مهما كانت درجة مثاليته ألا يقع في الخطأ أو أن يتخلص منه؛ لأن ذلك ينافي الطبيعة البشرية، لذلك يأتي الاعتذار بمثابة ديِّة معنوية يدفعها من يخطئ في حق الآخر.. السؤال لماذا يفتقر مجتمعنا إلى ثقافة الاعتذار ولماذا يبدو الاعتذار معيباً في ثقافتنا الشرقية وبالتالي نُغيِّبُ عن تعاملنا واختلافاتنا وحواراتنا مفردات هذه الثقافة على الرغم من نبلها وارتباطها بالقيم والمفاهيم وأساليب

التفكير التي تحكم سلوكنا مع الآخرين؟ وهل المتغيرات الاجتماعية أبعدتنا عن التسامي بجوهر القيم والأخلاق الفاضلة والسلوكيات الحضارية التي حثنا عليها ديننا الإسلامي الحنيف إذا كان الاعتراف بالخطأ فضيلة والاعتذار منه والعودة عنه قوة.. فأين نحن إذن عن درر الكلام.. عفا الله عما سلف.. العفو عند المقدرة، درر غابت وغاب معها حسن التعامل ومصداقية التعبير وفن التسامح وقبول الآخر وشجاعة الاعتراف بالخطأ.. غابت مفردات أدبيات الاعتذار ذات الوقع الجميل على النفس البشرية التي تجعل المعتذر يتنبه من كمِّ ونوع الأخطاء التي يوجهها للآخرين، مما يزيده احتراماً ويمنحه مكانة اجتماعية بين أفراد المجتمع.

في مجتمعنا ندعو دائماً إلى المشاركة في حوارات حضارية راقية والرأي.. والرأي الآخر.. ندعو إلى عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، لكن الكثير منا لا يدرك أن المسافات لا تُختزل وأن التعبير لا يُختصر عند الخطأ إلا بتقديم الاعتذار.. وجوهر الاعتذار يكمن في صدق منبعه وحسن توقيته وشموله.. وليس أجمل من إجابة أحد الحكماء عندما سُئل عن أعظم إنجاز حققه في حياته فأجاب بقوله (أعظم إنجاز في حياتي هو القدرة على الاعتذار إلى من أسأت إليه)، وكما هو حال إنسان أي مجتمع من هذه الثقافة فهو حال الدول والمجتمعات.. لكن تبقى تشريعات الدين الإسلامي الحنيف هي من تغذينا بثمرات وفضائل ثقافة الاعتراف بالخطأ والتراجع والاعتذار عنه.. والقرآن الكريم حافل بنماذج كثيرة من صور الاعتذار لمن هم أرفع مقاماً وأعلى درجة رسل الله وأنبيائه ليقتدي بهم المسلم في الاعتذار عند الخطأ أو ارتكاب ما يوجب عليه الاعتذار.. فمما قصّه علينا القرآن الكريم من تلك النماذج السامية ذلك النموذج الرائع لاعتذار سيد الخلق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في موقف مع رجل كفيف هو عبد الله بن أم مكتوم وذلك بعد عتاب الله - عز وجل - لنبيه الكريم في سورة (عبس)، ولا أعتقد أن أحداً تخفى عليه هذه القصة التي هي خير مثال لشفافية الإسلام كي لا يتعلل أحد بكبر مقامه ولا بعلو مكانته ولا برفيع منصبه ليعتذر عندما يصدر منه خطأ، فقد اعتذر سيد الخلق نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام من رجل كفيف.

الاعتذار سمة من سمات الإنسان النبيل بأخلاقه فهو يحمل رسالة فيها الكثير من تحمل المسؤولية تجاه تصرف قد يكون مقصوداً أو غير مقصود، وليس من الضعف أو الإذلال تقديم الاعتذار للآخرين بل قوة تنزع من داخلنا الحقد والضغينة وتبقي حبل التواصل مستمراً.. لذا فإن حاجتنا إلى ثقافة الاعتذار أمر مُلِح.. وغرسها وتعميقها في مجتمعنا ومؤسساتنا المختلفة وفي بيوتنا وبين أفراد الأسرة الواحدة.. نحن بحق بحاجة أن إلى ممارسة هذه الثقافة كآباء مع أبنائنا.. وأبناء مع بعضهم البعض وبينهم وبين أصدقائهم ومع آبائهم وأمهاتهم.. نحن بحاجة إلى تعزيز ثقافة الاعتذار في مجتمعنا وتقويم أخطائنا بمقياس النقد الذاتي دون غرور أو مكابرة.. فآسف .. أعتذر .. سامحني.. ولم أقصد، لكنها لحظة غضب.. مفردات لها فعل السحر على النفوس.. فكم من كلمة أوقدت حرباً وناراً.. وكم من كلمة اعتذار أطفأت نارَ حقدٍ وخصام.

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

مقالات أخرى للكاتب