Thursday 10/04/2014 Issue 15169 الخميس 10 جمادى الآخرة 1435 العدد
10-04-2014

مصطفى الفقي .. يفتح أبواب الذاكرة

قليل من السياسيين العرب لديه القدرة على تسجيل التفاصيل والمواقف خلال الحياة العملية التي يعيشها، وقليل هم من يفتحون أبواب الذاكرة، ويقولون الحقيقة التاريخية بلا مجاملة أو تجميل، من هؤلاء بل من أبرعهم السفير الدكتور مصطفى الفقي

السفير المصري السابق وسكرتير رئيس الجمهورية الأسبق حسني مبارك للمعلومات في العقد الأول لرئاسته وبداية العقد الثاني.

اتصل بي ذات يوم المستشار القانوني المميز ناصر بن عبدالوهاب العقيل يطلب مني مشاهدة حلقة من برنامج «سنوات الفرص الضائعة» الذي يقدمه السفير الفقي، وتذيعه قناة «النهار» المصرية، وينشر أيضاً في موقع «يوتيوب» الشهير، ولم يكن يعلم أخي ناصر الذي انهمك في تحليل مضمون إحدى الحلقات وينصحني بالمشاهدة أنني سبقته بشهر تقريباً في متابعة سلسلة الحلقات الشيقة بتوصية كريمة من صديقنا المشترك الأستاذ محمد المنديل.

ومعرفتي بالدكتور مصطفى منذ أن كان رئيسًا للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان المصري، وكانت معرفة «تليفونية» بحكم عملي الصحفي، ولأنه قامة لا يمكن تجاهلها مهما اختلفت معها، لديه قدرة عجيبة على الجذب، ومعرفة واسعة بالأشخاص والأماكن والثقافات والأديان، يحب التقاليد العريقة التي قامت عليها سياسة بلاده، وهو الأقدر على سرد تاريخ الحكم والسياسة لمصر في الملكية والجمهورية.

يختلف البعض مع الدكتور الفقي لأنه مثلاً متهم بملاحقة المناصب في كل العصور، وهذه في الواقع لا تنقص من قيمته وقدره، بل إنه مظلوم في كل العصور ولم يحصل على حقه في تولي موقع قيادي يتناسب مع مؤهلاته وخبراته، وتعرض للعبة خبيثة من دولة عربية صغيرة عندما رشح لتولي منصب أمانة الجامعة العربية.

اختلافي أنا شخصياً مع الدكتور الفقي نظرته لإيران، واعتقاده بأنها لا تشكّل خطراً على المنطقة العربية، وأن فتح العلاقات معها سيكون من صالح مصر والعرب، وهذا ربما لعدم معرفة السفير الفقي بمعلومات تؤكّد تورطها في أعمال تمس بأمن دول عربية تهم مصر، وكذلك دور إيران المؤيد لاغتيال الزعيم أنور السادات في إساءة واضحة وفاضحة للدولة المصرية، والاختلاف الذي لا يفسد للود أبداً، الاقتراب من تنظير رموز اليسار المصري وكأن الدكتور يريد استرضاءهم ومداهنته وهو بالتأكيد ليس بحاجة، رغم تفهمي لناصريته التي نشأت معه منذ الصغر، إلا أنه باعترافه لا يوافق عبدالناصر في أمور كثيرة ويقول رغم حماستي لعبدالناصر إلا أن السادات رجل دولة، وكنت أتمنى عليه ألا تجرفه حماسة الثوريين، فالمفكرون الكبار والذين يعرفون تقاليد السياسة العريقة، لا يطربهم بتصوري صراخ الرافضين لكل شيء في كل وقت، فالرصانة والرزانة لا تفارق أمثال الدكتور الفقي في المواقف العصيبة التي تمر بها بلاده، والتي تتطلب وجود أمثاله.

خصص السفير الدكتور الفقي ساعة تلفزيونية كاملة للحديث عن المملكة العربية السعودية، وعن تاريخها السياسي، وعن العلاقات السياسية بين السعودية ومصر في كل العصور، وللأمانة تحدث الدكتور الفقي بكلام رائع عن المملكة وعن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، وعن مهرجان الجنادرية والأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز وزير الحرس الوطني، واقتراحي على الجهات الأكاديمية والبحثية في المملكة، أن تستفيد من الذاكرة الثرية للدكتور مصطفى الفقي، وأن يستضاف لإلقاء محاضرات وهو خير من يمثل السياسة كفن وعلم وتاريخ.

الدكتور مصطفى الفقي يبقى الأكثر تميزاً في سرد التاريخ، ولا يمل المشاهد حتى من التكرار في الحلقات، لأنه بصراحة حتى وإن عاد ما قاله سابقاً يجعلك متلهفاً للاستماع، وكأنك تسمع لأول مرة... شخصية مميزة ورائعة وإن اختلفت معها لا تملك إلا أن تحترمها، لأنه يقول ما في قلبه، بسيط وبذات الوقت عميق، يعرف يجرح بريشة الطير وهو يبتسم.

Towa55@hotmail.com

@altowayan

مقالات أخرى للكاتب