Friday 25/04/2014 Issue 15184 الجمعة 25 جمادى الآخرة 1435 العدد
25-04-2014

رجالٌ صدقوا .. جعفر بن محمد 80 - 148

هو الإمام جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الشهيد أبي عبد الله ريحانة رسول الله صلى الله عليه سلم وسبطه ومحبوبه: الحسين بن علي أمير المؤمنين بن أبي طالب، يعتبر جعفر شيخ بني هاشم وأمه: أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنه، وأمها هي أسماء بنت

عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ولهذا يقول: ولدني أبوبكر الصديق مرتين.

وكان يغضب من الرافضة، ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر الصديق رضي الله عنه ظاهراً وباطناً قال الذهبي: جعفر ثقة صدوق، وقد تحدث عنه الأئمة وهو من الثقات.

يقول صالح بن أبي الأسود: سمعت جعفر بن محمد يقول: سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي.

ولما سُئل أبو حنيفة: من أفقه من رأيت؟ قال ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد لما أقدّمه المنصور الحيرة، بعث إلي وقال: يا أبا حنيفة، إن الناس قد فُتنوا بجعفر بن محمد، فهيّ له مسائلك الصعاب، فهيّات له أربعين مسألة، ثم أتيت أبا جعفر، جالس عن يمينه فلما بصرت بهما، دخلني لجعفر الهيبة، ما لا يدخلني لأبي جعفر.

فسلّمت وأُذن لي فجلست ثم التفت إلي جعفر فقال: يا أبا عبد الله تعرف هذا؟ قال: نعم هذا أبو حنيفة، ثم أتبعها قد أتانا، ثم قال: يا أبا حنيفة هات من مسائلك، نسأل أبا عبد الله فابتدأت أسأله.

فكان يقول في المسألة، أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون: كذا وكذا، ونحن نقول كذا وكذا. فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة، وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على أربعين مسألة، ما أقرم منها مسألة.. ثم قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أن أعلم الناس، أعلمهم باختلاف الناس.

ورُويَ عن سالم بن أبي حفصة أنه قال: سألت أبا جعفر يا سالم، أيسب الرجل جده؟ أبو بكر جدي لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاها وأبرأ من عدوها.

قال الذهبي: هذا القول متواتر عن جعفر الصادق، وأشهد بالله إنه لبار في قوله غير محاب لأحد، فقبَّح الله من يخالف رأيه فيهما رضي الله عنهما: يعني أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

وقد حدّث مالك بن أنس عن جعفر بن محمد قال: لما قال له سفيان الثوري: لا أقوم حتى تحدثني، قال: أما إني أحدثك، وما كثرة الحديث لك بخير، يا سفيان إذا أنعم الله بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها، فإن الله قال في كتابه: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (7) سورة إبراهيم.

وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار، فإنه قال في كتابه: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} (نوح (10) - (13).

يا سفيان إذ حزبك أمرٌ من السلطان أو غيره فأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها مفتاح الفرج، وكنز من كنوز الجنة، فعقد سفيان بيده وقال: ثلاث وأيّ ثلاث. قال جعفر عقلها والله أبو عبدالله، ولينفعنه الله بها.

وحدّث سفيان قال: دخلت على جعفر بن محمد، وعليه جبة خزّ دكناء، وكساء خز أيدجاني فجعلت أنظر فيه تعجباً. فقال: مالك يا ثوري؟ قلت يا ابن رسول الله، ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك، قال: كان ذلك زماناً مقتراً وكانوا يعملون على قدر اقتاره، وإفقاره، وهذا زمان قد أسبل كل شيء فيه غزاليه - أي أن الخير قد كثر وعم ثم حسر عن ردن جبّته، فإذا جبة صوف، بيضاء يقصر الذيل عن الذيل، وقال: لبسنا هذا لكم فما كان لله أخفيناه، وما كان لله أبديناه.

وكان من كرمه أنه يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء، وقد حدّث الأصمعي قال عنه: جعفر بن محمد: الصلاة قربان كل تقي، والحج جهاد كل ضعيف، وزكاة البدن الصوم، والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، واستنزلوا الرزق بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، وما عال من اقتصد، والتقتير نصف العيش، وقلة العيال أحد اليسارين، ومن أحزن والديه فقد عقهما، ومن ضرب يده على فخذه عن مصيبة فقد حبط أجره، والصنيعة لا تكون صنيعة، إلا عند ذي حسب أو دين، والله ينزل الصبر على قدر المصيبة، وينزل الرزق والصبر على قدر المصيبة، وقدر المؤونة.

ومن قدّر معيشته رزقه الله، ومن بذّر معيشته حرمه الله،

فكلامه كله حِكَمٌ نافعة رحمه الله.

وكان من وصيته لابنه موسى: يا بُنيّ من قنع بما قسم له استغنى، ومن مدّ عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيراً، ومن لم يرض بما قسم له اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلة غيره، استعظم زلة نفسه، ومن كشف حجاب غيره انكشفت عورته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن احتفر بئراً لأخيه أوقعه الله فيها، ومن داخل السفهاء حُقِّر، ومن خالط العلماء وقِّر، ومن دخل مداخل السوء اتهم.

يا بني إياك أن تزدري بالرجال، فيزدرى بك، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك.

يا بني قل الحق لك وعليك، وكن للقرآن تالياً، وللإسلام فاشياً، ولمن سألك معطياً وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في القلوب، وإياك والتعرض لعيوب الناس لأنها كمنزة الهدف، وإذا طلبت الجود فعليك بمعادنه وللمعادن أوصاف وأصول.

وله نظرة في تفسير بعض الأمور، فقد كان يوماً عند أبي جعفر المنصور فوقع عليه ذباب فذبه عنه، فألح فتضايق المنصور من هذا الذباب الذي لم ينصرف عنه، فقال لجعفر بن محمد: لم خلق الذباب؟ فأجابه على الفور: ليذل به الجبابرة.

كما كان له تقليل موفق في الحج ومواقفه، فقد روى الخليل بن أحمد، قال سمعت سفيان الثوري يقول: قدمت مكة فإذا أنا بأبي عبد الله: جعفر بن محمد قد أناخ بالأبطح فقلت يا ابن رسول الله لم جعل الموقف من وراء الحرم؟ ولم يصير في المشعر الحرام؟ فقال: الكعبة بيت الله، والحرم حجابه، والموقف بابه، فلما قصدها الوافدون أوقفهم بالباب يتضرعون فلما أذن لهم في الدخول، أدناهم من الباب العاني وهو المزدلفة، فلما نظر إلى كثرة تضرعهم، وطول اجتهادهم، رحمهم فلما رحمهم أمرهم بتقريب قربانهم، فلما قرّبوا قربانهم، وقضوا تفثهم، وتطهروا من الذنوب التي كانت حجاباً بينه وبينهم أمرهم بزيارة بيته على طهارة، وعلل كراهية الصوم أيام التشريق، لأنهم في ضيافة الله ولا ريب على الضيف أن يصوم، عند من أضافه قال الراوي: قلت له: فما بال الناس يتعلقون بأستار الكعبة قال: ذلك رجل بينه وبين آخر جرم، فهو يتعلق به ويطوف حوله رجاء أن يهب له ذلك الجرم، وله موقف نجّاه الله فيه من شر كان يراد به بدعائه وإخلاصه مع الله رواه الفضل بن الربيع ونجا من القتل.

وأخباره كثيرة وسيرته عطرة وفيها حكم ومواعظ.

mshuwaier@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب