Monday 28/04/2014 Issue 15187 الأثنين 28 جمادى الآخرة 1435 العدد
28-04-2014

تسع شجاعة لبناء نهضة جديدة ومواجهة الإرهاب والتطرف 2-2!

وإذا كان للملك عبد الله وقفته الشجاعة الحازمة الحاسمة ضد فكر جماعات التكفير؛ فإنه أيضاً تصدى لمواجهة التطرف الفكري المتلون المتدثر بعباءات مزيفة يريد أن يلبس بها على الناس بادعاء المحافظة والخوف على الدين والأخلاق والقيم؛ فلم يأبه رائد النهضة والتغيير بتلك الدعاوى ولم يلق بالاً لضجيجها المفتعل ولا إلى ما يثيره راكبو الموجات والراكضون خلف الصيحات والمنساقون خلف الشعارات من الحزبيين ومن لف لفهم ممن يتكسبون باسم الفضيلة وممن يبحثون لهم عن موضع قدم في المجتمع باسم المحافظة عليه من التغريب أو حمايته من الذوبان والفناء في الثقافات الأخرى؛ فسار الملك عبد الله بالبلاد في طريق الانفتاح والخروج من كابوس فوبيا المخاوف من المختلف؛ ونحى جانباً كل ما تزعق به أبواق الفرقة والركون إلى القعود في الظل، ووضع البنى لمستقبل جديد واعد قد لا تلمس آثاره ونتائجه الإيجابية على الفور؛ بل ربما احتاج إنضاجها ومواصلة استكمال بنائها إلى سنوات ريثما تؤتي ثمارها يانعة للأجيال القادمة؛ ومن ذلك - مثلاً - أنه أراد صناعة جيل سعودي جديد متشبع بعلوم العصر ومكتسباته المعرفية ومنفتح على الثقافات العالمية؛ لكي يكون هذا الجيل المستهدف قائد عملية التغيير الحضاري المنتظرة؛ فوضع لإنجاز هذه الغاية الوطنية المستقبلية خطة بعيدة المدى من خلال «برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث» الذي دخل الآن دورته التاسعة بإيفاد أكثر من مائة وستين ألف مبتعث إلى أبرز مراكز العلم والتقنية في عواصم العالم المختلفة، وقد بدأت ثمار هذا البرنامج العظيم تبدو واضحة وجلية للغريب قبل القريب؛ فشهدت منابر جامعات عالمية تفوق آلاف من شبابنا وتميزهم وحصولهم على شهادات تميز وبراءات اختراع ودعوات للانضمام إلى جامعات عريقة ليكونوا أعضاءً في هيئتاتها الأكاديمية أو مراكز بحوث علمية أو طبية عالمية.

وتكاد تلتقي تجربة الملك عبد الله في الانتقال بمجتمعه من الركود والحيرة والثبات وضغوط المخاوف من المختلف إلى مرحلة التنوير والانفتاح واكتساب آخر معارف العصر مع ثلاث تجارب مشهودة في التاريخ؛ إحداها عربية في مصر؛ حين توجه رائد التحديث المصري محمد علي باشا إلى فرنسا بأول بعثة مصرية عام 1838م بإشراف العالم الأزهري رفاعة الطهطاوي، ثم ما تلاها بعد ذلك من بعثات سنوية متوالية إلى نهاية القرن الماضي الميلادي وكانت نواة للنهضة المصرية، والتجربة الأخرى شرقية يابانية بطلها الإمبراطور «موتسو هيتو 1867م» الذي أرسل عام 1871م أول بعثة يابانية من موظفيه المميزين إلى أوروبا للاطلاع على أسس النهضة الغربية واقتفاء آثارها، وعادت البعثة برؤى جديدة حفزت الإمبراطور على إرسال بعثات متوالية أحدثت التغيير وأخرجت اليابان في ثورة علمية من عزلة 215 عاماً عن العالم بما عرف تاريخياً بثورة «المايجي إيشين»، والتجربة الثالثة ما أحدثه الزعيم الكوري الجنوبي الجنرال بارك شونج عام 1961م من انقلاب في بنية المجتمع الكوري حينما استولى على السلطة وأحدث نقلة كبيرة تحت شعار «تحديث كوريا» وسلك الأسلوب نفسه الذي سلكه أعداؤه اليابانيون السابقون لإحداث نهضتهم ببعث الوفود والدارسين إلى أوروبا وأمريكا؛ فحدثت المعجزة الكورية التي نراها اليوم في أقل من نصف قرن! وضع الملك عبد الله خطة شاملة للنهضة متكئة على أبعاد متعددة: الابتعاث، والتوسع في إنشاء الجامعات المتخصصة والشاملة، وإنشاء جامعات عالمية لاكتساب أبرز العقول العالمية وتوطينها بالتأثير على النخب الممتازة المتميزة في مجالات البحث العالمي العالي من أبنائنا في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «كاوست» وتحديث القضاء، وبناء شراكات اقتصادية عالمية، وتأسيس المدن الاقتصادية الضخمة، وتعديل القوانين المتصلة بحقوق المرأة وتوسيع نطاق الإفادة من قدراتها العلمية في النهضة.

ولا يمكن أن ننسى أبداً موقف الملك عبد الله في ختام هذه المقالة الموجزة مما سمي كذباً وزوراً بالربيع العربي الذي دمر بلداناً عربية عدة؛ فحمى وطننا بحكمته من ويلات وبؤس ودمار ذلك الربيع المزعوم.

moh.alowain@gmail.com

mALowein@

مقالات أخرى للكاتب