Friday 23/05/2014 Issue 15212 الجمعة 24 رجب 1435 العدد
23-05-2014

واقع طلابنا اليوم ومبادرة «المسئولية التربوية»

أشرت في مقال سابق إلى أن التربية أولاً، إذ من السهولة بمكان الوصول إلى المعلومة القديمة والحديثة عبر العالم الافتراضي الغريب والسريع، ولكن من الصعب تحقيق البناء القيمي والتربية الأخلاقية لمن هم في مرحلة التكوين - كما يبرهن عليه واقعنا المعيش -، مع أن هذا البناء الذي يولّد سلوكاً صحيحاً في مواقف الحياة المختلفة هو ما نحتاجه في عصر العولمة المفتوح حتى يعيش الشاب بسلام في ظل وجود ضمير حي يكون بمثابة البوصلة التي تحدد له سبل العيش الكريم والآمن بعيداً عن الوخز والمؤاخذة الدنيوية والأخروية، ولعل مما يعيد فتح الملف من جديد، ويفرض على التربويين والمصلحين والمثقفين والكتّاب وأولياء الأمور المدارسة والمناقشة الموسعة حيال هذا الموضوع المهم، أسباب عدة ومشاهد متعددة لعل من بينها:

* مقطع فيديو انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي يصوِّر عدداً من طلاب التعليم العام وهم يقومون بتحطيم نوافذ صفهم الدراسي ويتلفون سبورة ذكية ويرمون المقاعد التي يجلسون عليها وهم في حالة هستيرية غريبة متخفين ومتنكرين بصورة تثير الاستغراب وتعيد علامات التعجب والاستفهام حيال واقعنا التربوي من جديد؟؟!!

* مقطع آخر، بل مقاطع أخرى تنقل لنا مشهداً مأساوياً لطلاب مدارسنا وهم يمزِّقون كتبهم الدراسية ويرمون بها على قارعة الطريق مع كل الجهود والتحذيرات وحملات التوجيه والتوعية التي قامت بها وزارة التربية والتعليم ممثلة بالإدارات العامة في مناطقنا التعليمية منذ سنوات وحتى تاريخه.

* مقطع ثالث لمجموعة من الطلاب وهم يتضاربون بالأحذية في صورة لا تليق.

* رسائل تحذير متتابعة تناقلها المجتمع السعودي عبر مواقع الإنترنت وفي وسائط التواصل الاجتماعي تذكِّر ولي الأمر بخطورة الفترة الزمنية ما بين خروج الطالب من الامتحان وحتى أذان الظهر، إذ أثبتت الدراسات من خلال اعترافات ضحايا المخدرات والتفحيط والمشاكل السلوكية من أصحاب السوء - كما هو نص الرسالة - أن أيام الامتحانات كانت أول خطوة للانحراف والوقوع في دروب الضياع.

لقد أثار التناقض الواضح بين ما نعلّمه الطالب داخل الصف وما يسمعه من الخطيب والأب وبين ما نراه منه وما نسمعه سواء داخل أروقة المدرسة حين يغيب الرقيب أو عند الخروج من أسوار هذه المؤسسة، أثار هذا الواقع المر حفيظة أحد الزملاء المتخصصين في علم الاجتماع فطرح سؤالاً مباشراً عن هذا التناقض العجيب ودور الشورى في دراسة مثل هذه الظواهر الاجتماعية / التربوية المؤذية، وذلك في لقاء منسوبي جامعة حائل بأعضاء لجنة الشئون العلمية والبحث العلمي في مجلس الشورى الذين كانوا في زيارة للجامعة مطلع هذا الأسبوع بدعوة من معالي مديرها الأستاذ الدكتور خليل بن إبراهيم البراهيم - والتي سأعود للحديث عنها في قابل الأيام بإذن الله -، وكان مما أجيب به التأكيد على أهمية إطلاق مبادرة «المسئولية التربوية»، كما هو الحال في التسويق والنشر والتحفيز لفكرة «المسئولية الاجتماعية» في مجتمعنا السعودي، إذ من الخطأ تحميل وزارة التربية والتعليم وحدها القيام بالمسئولية التربوية التي يشترك في حملِ حِملها الثقيل مؤسسات تربوية عديدة لا بد أن تتحد جهودها وتتسق أعمالها ورؤاها حتى نحصل على نتاج طيب وتكون الثمرة خيرة.

إن إطلاق مثل هذه المبادرات النوعية وتوظيفها من قبل التربويين خاصة هذه الأيام ونحن نبدأ امتحانات نهاية العام الدراسي الحالي سيكون له أثره الإيجابي الفعَّال والسريع متى ما تكاتفت جهود مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة بدءاً من البيت ومروراً بالحي والمسجد والمدرسة والإعلام وانتهاءً بالمجتمع المحلي ككل، ولذا أهيب بالجميع التعاون والتكاتف، كما أتطلع مثل غيري تبني وزارة التربية والتعليم هذه المبادرة والعمل على التسويق لها بدءاً من العام الدراسي القادم بإذن الله واستقطاب وتوظيف العقول المبدعة لصياغة «وثيقة إصلاحية للخلل التربوي في مجتمعنا المحلي» بعد عقد ورش عمل ولقاءات موسعة ودراسات شاملة ومؤتمر وطني متخصص وسبر للواقع يحلّله ويحدد أسباب وجود مثل هذه السلوكيات الخاطئة بعيداً عن التهويل والتقليل ودون مواربة أو تطفيف.. وإذا عُد الرجال القادة الرموز الذين يمكن لهم أن يقودوا حركة الإصلاح والتهذيب التربوي التي ينشدها الجميع فعلى رأسهم وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل الذي عُرف عنه مبادراته الرائعة وسبقه الدائم في ميادين مختلفة وبرؤية ناضجة ومتفتحة ولذا فالكثير يعوّلُ عليه الكثير ويؤملُ فيه خيراً، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.

مقالات أخرى للكاتب