Sunday 01/06/2014 Issue 15221 الأحد 03 شعبان 1435 العدد
01-06-2014

حفل (إصدار أول) حضاري .. بـ(كله)..؟

ربما كانت ليلة الاحتفاء بنتائج مسابقة (الإصدار الأول).. بين ناشئة الأدب والثقافة من (الجنسين)، والذي تولى رعايتها أدبياً (نادي جدة الأدبي الثقافي)، و(مالياً) مشروع (مبادرات عبداللطيف جميل الاجتماعية) الرائد.. هي (ثاني) ليلة أشهدها.. تعنى بـ (الإصدار الأول) في حياة الأدباء على نحو أو آخر،

فقد كانت سابقتها (الأولى) في معرض الكتاب الدولي بـ(الرياض).. في دورة انعقاده الرابعة في شهر مارس من عام 2009م، عندما أقامت اللجنة الثقافية للمعرض.. بين أمسيات فعالياتها الثقافية المصاحبة للمعرض في تلك الدورة: أمسية للاحتفاء بـ (الإصدار الأول).. في حياة أدباء المملكة الذين مضى على إصدارهم الأول ثلاثون أو أربعون عاماً.. أو يزيد، ليتحدث فيها أصحاب تلك الإصدارات.. عن تجربتهم ومعاناتهم، وقد كنت تاريخياً من بينهم بإصداري الأول لكتاب (لمسات) في مصر عام 1960م.. إبان دراستي بـ (جامعة) الإسكندرية.. حيث قلت في تلك الأمسية - وقد أدهشتني فكرة الحديث عن (الإصدار الأول) بقدر ما أسعدتني - بـ(أنني لم أعرف ولم أعهد في حياة فعاليات معارض الكتاب الثقافية المصاحبة.. أن تقام ليلة أو أمسية للاحتفاء بـ (إصدار أول) مضت عليه سنوات طوال، إلا أن أمسية كهذه تبقى ملهمة ومحفزة لأجيال الشباب من الكتاب والأدباء والشعراء.. والمبدعين بصفة عامة، لأن يقتحموا قصر الكتابة المسحور.. وأن يتقدموا فوق بلاطه الجليل، ليخطوا بأقلامهم.. أولى كلماتهم: سطورهم.. أشعارهم.. أفكارهم دون أن يتهيبوا حراس المعرفة وكهنتها. فقد تصبح تلك الكلمات والسطور الأولى.. هي أجمل إبداعاتهم، كما حدث في حياة الروائية الفرنسية الشهيرة - فيما بعد - «فرانسواز ساجان» التي كتبت أولى رواياتها: «صباح الخير أيتها الأحزان» وهي في ريعان شبابها.. ودون أن تكمل عامها العشرين، فغدت أجمل أعمالها.. على كثرة ما كتبت - بعدها - من قصص وروايات)!.

* * *

لم يكن يخطر ببالي - ساعتذاك - بأن تلك الأمسية الفريدة بـ (موضوعها).. والتي قد لا تتكرر إلا بعد عقد أو عقدين من الزمان أو أكثر، ليروي كتاب وشعراء وأدباء جدد.. تجاربهم مع (إصدارهم الأول)!! ليفاجئني (نادي جدة الأدبي الثقافي) بدعوته ليل الأربعاء - الماضي - لحضور حفل (مبادرة عبداللطيف جميل للإصدار الأول)..!! وهو ما يعني بشكل أو بآخر.. ومن قريب أو بعيد.. أن فكرة (أمسية الإصدار الأول) قد تطورت على نحو سريع مغاير.. بل وتحولت من الإدلاء بأحاديث عنها وعن تجربتها بكل قلقها وخوفها ومعاناتها إجمالاً لكاتب شاب يخوض تجربتها لأول مرة معتمداً على إمكاناته الذاتية المحدودة: اسماً وطباعة وتوزيعاً.. إلى (مسابقة) يتعهدها - أدبياً - ناد كنادي جدة الأدبي الثقافي، وترعاها - مالياً - مؤسسة اقتصادية كبرى عرفت بمبادراتها الاجتماعية الخلاقة.. تجري بين أعمال شباب الموهوبين والموهوبات في الشعر والقصة القصيرة والمدونات والبحث في مجالات الأدب والنقد والثقافة الإسلامية، تُشكل لها لجان متخصصة لاختيار أفضلها.. ويحصل الفائزون في فروعها على عدد من الجوائز: من طباعة الإصدار وتوزيعه.. إلى درع المبادرة.. إلى جائزة نقدية من خمسة آلاف ريال.. إلى عضوية دائمة بـ(جمعية أول إصدار) التي يشرف عليها (النادي)، وتهتم بتقديم الدعم لأعضائها.. ليكون لهم حضوراً فاعلاً في المشهد الثقافي برعاية مبادرة عبداللطيف جميل للإصدار الأول..!؟

لقد كان كل هذا الذي حدث من تطورات إيجابية.. لفكرة (الإصدار الأول).. فوق تصوري وتقديراتي.. وهو ما جعلني أحرص ما أكون على المسارعة في تلبية دعوة (النادي) في موعدها تماماً عند التاسعة مساءً.. علِّي أرى بعضاً من شركائي في (مغامرة) (الإصدار الأول).. أما (خوفي وقلقي القديمان) اللذان كنت أتعثر فيهما في شارع (السكاكيني) بالقاهرة.. في طريقي لمقابلة الشيخ علي صبحي المدني صاحب (مطبعة المدني).. الذي كنت لا أدري إن كان سيقبل بطباعة هذا الكتاب المتواضع لشاب يعرفه، ولكن لا اسم له في عالم الكتابة.. إلا من بدايات متواضعة في صحف إقليمية أكثر تواضعاً لا تعرف (القاهرة) عنها شيئاً.. فلن أعثر عليهما، بعد أن أصبح لـ(الإصدار الأول).. كل هذا الزخم الهائل من الدعم والتأييد والحوافز..!!

* * *

كانت العربات حول مقر النادي - على طريق الكورنيش - تكاد تسد الطريق.. أمام الداخلين من بوابته إلى باحته.. أما داخل قاعة السيد حسن شربتلي الرئيسية بالنادي فقد كانت تغص بالحاضرين سواء من المشاركين والمشاركات في مسابقة (الإصدار الأول) - وقد بلغوا مائة وثمانية مشارك ومشاركة - أو من أصدقائهم.. إلى جانب كوكبة من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين الذين ملؤوا مقاعد تلك القاعة على كثرتها. كان الحضور.. كثيفاً متلاصقاً وهو ما لم تشهد مثله (القاعة) في معظم فعاليات النادي المنبرية.. بينما ازدحمت (الصالة) المجاورة للقاعة بنخبة النخب من كبار الأدباء والأكاديميين ورؤساء تحرير الصحف.. وقد توسط جلستها معالي الصديق الدكتور عبدالعزيز خوجة - وزير الثقافة والإعلام - وراعي الحفل و(نوَّارته) بابتسامته المشعة دائماً، وإلى يساره الراعي الأدبي لمسابقة (الإصدار الأول) الصديق الأستاذ الدكتور عبدالله السلمي - رئيس النادي - الكريم خلقاً ونفساً، وإلى يمينه المهندس محمد عبداللطيف جميل.. صاحب (مبادرة الإصدار الأول)، والذي فاجأني وأسعدني حضوره.. لأقول له: لقد أصبحت كـ(الملياردير) الأسطوري هوز الذي يتسامع عنه الناس.. ويتحدثون عنه.. ولكنهم لا يرونه أبداً..؟

فضحك ضحكته العميقة المفعمة التي أعرفها.. وقال: «وليه.. دا كله»؟

- لأنه.. صعب الوصول إليك..؟

- الأسفار.. هي السبب!! فهي التي تبعدني عن الناس، ثم مال برأسه نحوي، ليقول لي ضاحكاً: سأخبرك بخبر يسعدك..

- وما هو..؟

- بدأت مبادرتنا - يقصد مبادرة عبداللطيف جميل الاجتماعية - بإقامة مبنى ضخماً للثقافة والفنون.. على طريق الملك، يضم مسرحاً وقاعات عرض للفنون التشكيلية و(أتيليهات) للفنانين، وغرفاً لورش العمل الفنية.. من كل نوع.

- ومتى سيتم إن شاء الله..؟

- بعد أربعة وعشرين شهراً على الأكثر.. وستكون من أوائل المدعوين لحفل افتتاحه.

.. كان جمع الحاضرين قد بدأ يستعد - خلال هذه «الدردشة» - للتحرك إلى داخل القاعة الرئيسية، وقد وقف الدكتور عبدالعزيز خوجة وإلى يساره الدكتور السلمي ويده تمتد للأستاذ محمد عبداللطيف جميل - أو «أبو فادي» كما يحب - ليتقدموا الداخلين إلى القاعة.. لألحق بهم، فيبهجني مشهد القاعة بدوريها.. وقد تلألأ بحضورها من السيدات والسادة، ليبدأ (الحفل).. الإعلامي المبدع، والإذاعي الفنان.. عضو مجلس إدارة النادي الأستاذ عبدالعزيز قزَّان.. بكلمة ترحيبية بمعالي وزير الثقافة والإعلام وبراعي مبادرة الإصدار الأول وبجمهرة الحاضرين والحاضرات.. في الوقت الذي كان يقوم فيه (سعاة) النادي بتوزيع ملفات - راقية الإعداد والطباعة - عن (مبادرة عبداللطيف جميل للإصدار الأول - بالتعاون مع النادي الأدبي الثقافي بجدة)، وقد ضمت في داخلها (بروشوراً) عن «المبادرة»، وقائمة ببرنامج الحفل، وقصيدة للشاعر د. سعد بن عطية الغامدي.. يُحيّي فيها مبادرة الإصدار الأول.. قائلاً:

تظل (أمسية الإصدار) مترعةً

بالحسن، زاهية تحلو بوُرَّادِ

تزف من وهبوا للحرف أنفسهم

فأبدعوا كي يصونوا ربَّة الضادِ

... لتبدأ فقرات الحفل بآيات من الذكر الحكيم، فـ(كلمة مبادرات عبداللطيف جميل الاجتماعية) التي ألقاها الأستاذ (محمد) ببساطته وعفويته التي يعرفها عنه كل أصدقائه وعارفيه، ثم بدأ عرض الفيلم الوثائقي عن مبادرة (الإصدار الأول).. مصحوباً بكلمات إيضاحية من قبل الصديق الدكتور إبراهيم بادود - رجل علاقات مبادرات عبداللطيف جميل.. الأول - أضافت للفيلم ولم تكن عبئاً عليه، ليلقي بعدها الدكتور السلمي - رئيس النادي - كلمته بإيجاز مدهش جميل غير مخل، ليعقبه راعي الحفل الدكتور عبدالعزيز خوجة.. في كلمة ضافية غير تقليدية.. جمعت برشاقة بين البعدين التاريخي والثقافي في حياة الأمة عندما قال: (منذ أن سمعت بهذه المبادرة تذكرت قصة عبدالرحمن بن حسان بن ثابت، فالبدايات تأتي كلمعة برق بين ركامات السحب، أو كهطل صيب أصاب أرضاً فاهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج).. ليتم بعد ذلك الإعلان عن أسماء الفائزين والفائزات بجوائز الإصدار الأول، فتكريم أعضاء لجان التحكيم.. الذين استطاعوا أن ينجزوا مهمتهم التحكيمية بين مائة وثمانية أعمال.. في وقت قياسي، ليظهر في النهاية علو نسبة المشاركات في المسابقة من الفتيات.. على الفتيان.. حيث بلغ عددهن ستاً وستين مشاركة في هذه الإحصائيات.. مع وجود ثمانية من المبتعثين السعوديين في هذه المسابقة الجميلة والفريدة من نوعها، لينتهي الحفل.. بكل تفاصيله - التي ذكرتها.. والتي لم أذكرها - في ستين دقيقة.. ليكون واحداً من أفضل حفلات المناسبات: انضباطاً ورقياً. لقد كان حضارياً بكله!!

* * *

كان الأستاذ القزان - على منصة الحفل - يخب في عباءته السوداء.. حتى بدا لي كما لو أنه ليس هو؟! ففاتحته بذلك في اليوم التالي على الهاتف.. فقال ضاحكاً: (ماذا أفعل..؟ المشكلة هي العباءة - المشلح - التي لا أرتديها إلا ثلاث مرات في العام: في العيدين.. وعند السلام على أمير المنطقة للتهنئة بقدوم رمضان، ولذلك تراني.. لا أحسن التعامل معها)!!

ويبدو أنه كان صادقاً.. إذ لم أره قط مرتدياً عباءة أو حتى (عقالاً)، ولكنه اضطر إلى ارتدائها حفاظاً على (رسمية) المناسبة.. وهو ما أرجو أن يتخفف منها (النادي) في هذه وفي غيرها من مناسباته، فالنادي.. هو نادي الأدباء والشعراء.. والكتاب والمثقفين والمثقفات عموماً.. وليس (ديواناً) من دواوين الحكومة أو إدارة من إداراتها كـ(المرور) و(الشرطة) و(الدفاع المدني).. مثلاً، فقد كنت أرى الأستاذ القزَّان - وربما.. دائماً - حاسر الرأس، خفيف الحركة، طليق العبارة.. مفعم الوجدان، ولكن يبدو أن (لبخة) ارتداء (المشلح).. قد امتدت إلى ذاكرته وهو على منصة التقديم، فأنسته.. أن يقدم أحد الفائزين الخمسة بجوائز (الإصدار الأول)، وهي فقرة كان يتطلع إليها الحاضرون.. ليحكي عن تجربته مع (الإصدار الأول) ومتى وكيف بدأها.. وإلى أين يتوقع أن تسير به..؟

لقد وضعتني شخصياً.. تجربة الإصدار الأول على طريق (الكتابة).. طريق العذاب الجميل!!

متمنياً لشباب الفائزين والفائزات مزيداً من النجاح.. مزيداً من التوفيق.

مقالات أخرى للكاتب