Thursday 12/06/2014 Issue 15232 الخميس 14 شعبان 1435 العدد
12-06-2014

منطق القيم بين العرب والصهاينة

كعادتها تناقلت وسائل الإعلام العربي خبر فضيحة بنيامين بن اليعازر وخروجه من السباق على رئاسة دولة إسرائيل، بعدما عثرت الشرطة على مئات آلاف الدولارات في أحد أرصدته غير المعلنة، وقد كان الإعلام العربي سباقاً في نقل محاكمات المسؤولين في الدولة العبرية، وفي تداول أخبار كشف فضائحهم المالية واستغلالهم لمناصبهم، بينما تختفي تلك الأخبار عن مسؤولي الدول العربية، ويوحي غيابها للمتلقي أنّ المسؤولين العرب ملتزمون بالنزاهة والشفافية، وإن تضخّمت أرصدة بعض المسؤولين إلى درجة ملفتة للنظر.

عند محاكاة الصورة الأكبر بين ما يحدث بلاد العرب وبين دولة إسرائيل المحتلة للأراضي العربية، تظهر مفارقة عجيبة بين فلسفة الأخلاق عند الكيان الصهيوني، وبين منطق القيم في الكيانات العربية المترامية الأطراف، ففي إسرائيل الأمر ببساطه له علاقة بالالتزام الصارم بقوانين الدولة من أجل الحفاظ على مناعة وقوتها في الداخل، ويحصل ذلك بفرض قوانين صارمة لحماية المال العام وتعزيز النزاهة، بينما يضرب الصهاينة بالقوانين الدولية خارج الدولة عرض الحائط، ويمارسون أفظع الجرائم في حق عرب فلسطين، ولا يتردّدون في قتل رجالهم ونسائهم وتشريد أطفالهم وسرقة أراضيهم.

بينما في بلاد العرب يختلف الوضع، بل يظهر في صورة مغايرة لما يحدث في الدولة العبرية، ففي الداخل العربي يغض العرب النظر قدر الإمكان عن الفساد المالي والإداري، وتختفي الفضائح المالية برغم من إعلان ملاحقة المتلاعبين بالمال العام، ويبرّرون عدم نشر وإعلان الفضائح المالية وأخبار الفساد الإداري بعدم الإساءة لسمعة الأوطان، وذلك للمحافظة على نقاوة صورة البلاد في الداخل والخارج من خلال عدم نشر الغسيل الفاسد في وسائل الإعلام، بينما يحرصون إلى درجة التطرّف في الالتزام بالقوانين الدولية في الخارج، ويقدمون أنفسهم للعالم كدول منضبطة في تطبيق القوانين الدولية، وتحترم المواثيق والمعاهدات بين الدول.

قد تعود تلك المفارقة بين الدولة العبرية والبلاد العربية إلى البعد الديني في الجانبين، فنصوص «العهد القديم» تتحدث عن الحرب والقتل والتدمير والإبادة كأساس لأخلاقياتهم في التعامل مع «الأغيار»، وهي نصوص تحمل مضمون الوصايا والتوجيهات لما يجب أن يكون عليه سلوك اليهود مع غير اليهود، حيث تحض على الحقد والكراهية والقتل والإبادة، بينما تحرم تلك الرؤية الإجرامية عند التعامل مع اليهود، ومن خلال نظرة سريعة لتاريخ المحتل الصهيوني ربما لم يحدث اقتتال بين اليهود داخل الأراضي المحتلة، بل لم يمر فراغ سياسي داخل الدولة العبرية..

بينما يستخدم المسلمون القاعدة الدينية «إذا ابتليتوا فاستتروا»، والدعوة لعدم الجهر بالسوء بين المسلمين، وتم استخدام ذلك الأصل لإخفاء الفضائح وأوجه الفساد في الإعلام من أجل مصلحة الدولة، ويظهر ذلك في التعامل بسرية تامة مع السرقات المالية ونهب أموال الدولة ثم حظر الإعلان عنها، وربما الأمر ليس له علاقة بالدين، وأنّ ما يحدث من تناقض له علاقة بالتخلّف الذي يعيش فيه العرب منذ قرون، ولم ينجحوا في الخروج منه، ويعود إلى نوعية البشر في إسرائيل، والذي ينحدرون من أصول أوروبية، تتمتع بقدر عالٍ من الدهاء السياسي، والذي يخدم مصالح دولتهم، ويلحق الضرر بأعدائهم المتخلّفين عن ركب الحضارة.

سبق أن كتبت مقالاً عن المفكر السعودي عبد الله القصيمي، وأسهمت في تناول منهجه التدميري ضد الثقافة العربية، وأنه خرج عن نمط تفكيره الهدمي مرة واحدة فقط، وذلك عندما دافع بدهشة عن وجود إسرائيل في قلب العالم العربي، وحين أعطى لوجودها شيئاً من القيمة، وعلّل ذلك بأنّ بروزها وتفوّقها الدائم على ظواهر العرب الصوتية والرجعية هو بمثابة التحدي الكبير لتخلفهم، وأنها في المنطقة بمثابة المرآة التي تكشف لهم هزالهم وضعفهم، وتفضح بؤسهم السياسي والعلمي والثقافي..

لكن التحدي الذي ذكره «القصيمي» بسبب وجود إسرائيل في المنطقة لم يحرك ساكناً في المنطقة العربية، ولازال النمط الأخلاقي القديم لم يتغير، ويحكم الواقع، وإن حاول أحدهم الخروج عنه، يُعاد إليه مهما كلف الأمر، ويظهر ذلك في عدد الخطوات التي خطاها العرب للأمام منذ تأسيس دولة إسرائيل، وقد تكون بضع خطوات إلى الأمام، لكن يتبعها خطوات أكثر للخلف، وهكذا!!

مقالات أخرى للكاتب