Friday 20/06/2014 Issue 15240 الجمعة 22 شعبان 1435 العدد
20-06-2014

شرار الناس

هناك نفوس جُبلت على التلذذ بأذية الآخرين، والفرح بإلصاق التهم بغيرهم، وظهور السرور على وجوههم، عند رؤية انتشار كذبهم وإفكهم بين الناس. وهؤلاء أصحاب الوجوه المتلونة، الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم أشرار الناس كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» أخرجه البخاري (6058)، وفي رواية لمسلم (2526) « «إن من شر الناس»، وفي رواية: «إن شر الناس»، وهي ألفاظ متقاربة دالة على المبالغة في الشر.

شِرار الناس هم الذين يطعنون في ظهور إخوانهم من الخلف، حسداً من عند أنفسهم وظلماً وعدوانا عليهم إذا رأيتهم يتكلمون تراهم يتخلقون بالأخلاق الحسنة، ويسيرون في ركاب من يحدثونه بالمحبة والنصح، ثم إذا خرج من عندك أضرم نار العداوة بين الإخوان، وجمع بين محرمات متعمداً، يدفعه لذلك نفسه المريضة فتحمله على الكذب والباطل: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ} (14) سورة البقرة.

شِرار الناس لا تراهم في مقدمة الصفوف ولا في وسطها ولا في آخرها بل هم في القاع السفلى من المهانة بما جنت عليهم أنفسهم، لا يتصفون بأمانة ولا بخلق، قد ذهبت منهم معاني الأخلاق العالية، لأنهم يتباهون بالإفساد والعداوة بين الناس ويريدون تفشي الباطل وانتشار الكراهية، وعقوبتهم جاءت في قوله صلى الله عليه وسلم: «من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار»، أخرجه أبو داود (4873) وصححه الألباني في الصحيحة (889).

قال أبو العباس القرطبي في المفهم (6-589) في تفسير شِرار الناس: (يعني به الذي يدخل بين الناس بالشر والفساد، ويواجه كل طائفة بما يتوجه به عندها مما يرضيها من الشر، فإن رفع حديث أحدهما على الآخر على جهة الشر: فهو ذو الوجهين النمام، وأما من كان ذا وجهين في الإصلاح بين الناس، فيواجه كل طائفة بوجه خيرٍ، وقال لكل واحدة منهما من الخير خلاف ما يقول للأخرى، فهو الذي يُسمى: بالمصلح، وفعله ذلك يسمى: الإصلاح، وإن كان كاذباً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الكذاب الذي يُصلح بين الناس فيقول خيراً وينمي خيراً» أخرجه البخاري (2692) ومسلم (2605)، لكن هذا الكذب يحمل على التعريض والتورية.

وقال النووي في شرح مسلم (16-296): (شِرار الناس سببه ظاهر لأنه نفاق محض، وكذب وخداع، وتحيل على إطلاعه على أسرار الطائفتين وهو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها، ويُظهر لها أنه منها في خير أو شر، وهي مداهنة محرمة).

وهذا الفعل القبيح من شِرار النفوس انتشر عند بعض الناس إما لأجل تحقيق مصالح ذاتية أو أغراض شخصية، أو للإفساد بين الناس وإيقاد نار العداوة بينهم، وكلاهما شر، وخطر ذي الوجهين يكون على الأفراد والأسر والمجتمعات بل وعلى الدول، وخصوصاً من يستبيحون لأنفسهم الكذب من أصحاب الأفكار المنحرفة والتوجهات الضالة من أحزاب أو جماعات كما هو واقع.

فالحذر الحذر من التعامل مع المتلون فإنه لا يؤاخَى ولا يُقرب بل ينكر عليه ويناصح، لأنه يُظهر شيئاً ويضمر شيئاً آخر، فالعاقل الحصيف يدرك خطر هؤلاء الأشرار ولا يبوح لهم بشيء فهم مثل سم الأراقم، وهي أخبث الحيات.

- وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

مقالات أخرى للكاتب