Monday 23/06/2014 Issue 15243 الأثنين 25 شعبان 1435 العدد
23-06-2014

اصطياد فرصة

عندما أتأمل الحكمة الشهيرة التي تقول (بدلاً من أن تعطيني سمكة... علمني كيف أصطادها) أو هكذا.... وكأني أرى أن الشباب اليوم يتصورون السمكة هي الوظيفة كما قالي لي أحدهم يعمل في وظيفة حكومية براتب لا يتجاوز ستة آلاف ريال ولديه عدد من النشاطات التجارية تغنيه عن الوظيفة وراتبها، إن الوظيفة هي ضمان اجتماعي لي متى ما (انكسرت) لأنه لن يسندني بعد الله إلا هي..

لذلك نجد بعض من يعملون في وظائف حكومية قسمين الأول ليس لديه طموحات أكثر من الوظيفة وراتبها ورتب حياته على هذا الأمر والآخر له نشاطات تجارية أو خدمية تدر عليه مالاً وفيراً بالإضافة إلى راتب الوظيفة ولكنه جعلها ملاذاً آمناً وحرم غيره من هذه الوظيفة.

عودة للبدء أقول إن الدولة لم تقصر وسعت لتأمين الوظائف لكل من يطلبها وضغطت على القطاع الخاص لتوفير وظائف مماثلة بمميزات جيدة كواجب وطني على رجال الأعمال لإعطاء الشباب السعودي فرصة لأداء المهام الموكلة إليه، وهذا لا يمنع وجوده قلة لا تقدر المسئولية وتتحملها، وهذه القلة لا يمكن تعميم حالها على الجميع كما يحدث الآن من بعض جهات القطاع الخاص، وهذا أمر طبيعي لا يجب أن ننشغل به كثيراً لأن أولئك هم من خذلوا من أتاح لهم الفرص للعمل وأرى أن تفتح خطوط أخرى تعمل إلى جانب إيجاد فرص وظيفة للشباب مهمتها مساعدة الشباب على العمل الخاص في مجال التجارة والصناعة والخدمات فالبلد مليئة بالفرص، وكثيراً من الفرص ربما لا تحتاج إلى تمويل وتدر أضعاف ما تعطيه الوظيفة... وفي هذا الإطار أقترح أن تفتح وزارة العمل مراكز لاستيعاب الشباب الراغبين في العمل وتقديم المشورة والتوجيه لهم ومساعدتهم للاعتماد على أنفسهم في إيجاد فرصة عمل حر لهم أفضل من الوظيفة ولنا عبرة في الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه- عندما هاجر إلى المدينة وعرضوا عليه المال فقال لهم لا أريد مالاً بل دلوني على سوق المدينة وخلال سنوات أصبح من أثرى أثرياء الصحابة..

وأقترح أن يشارك في الالتقاء بالشباب بين حين وآخر أحد رجال الأعمال الكبار من العصاميين الذين بدأوا من الصفر وأصبحوا الآن يشار لهم بالبنان ليحكوا لهم قصة نجاحهم وبدايتهم من الصفر أو من تحت الصفر (إن صح التعبير).

ولا أريد أن أذكر تجارب عملية ناجحة في هذا المجال حتى لا ينظر إلى ما سواه فالفرص كثيرة جداً ولا تكاد تحصى المهم هو أن نفكر ونسعى لبلورة الفكرة ونغامر فكلما تعمقنا في الغابة كلما عدنا بحطب أكثر وكلما بقينا في الأطراف كلما عدنا بخفي حنين.

وقد سعدت بسماع كلام لمعالي الوزير المميز الدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة حينما قال إن الوزارة ستعد حملة على الذين يعملون في وظائف حكومية ولهم نشاطات أخرى وسوف يتم تخييرهم بين البقاء في الوظيفة أو التفرغ للأعمال التجارية.

تخيلوا كم الفرص الوظيفية ستكون شاغرة إذا تم ذلك وستجد من يسدها من الشباب الذين أنهكتهم البطالة وجعلتهم محبطين من عدم توافر الفرص الوظيفية.

إنني أميل كثيراً إلى أن يبحث الشباب عن فرص الرزق الكثيرة المتوافرة بدلاً من البحث عن الوظيفة، فالوظيفة ليست كل شيء وليس كونك جامعياً لا بد أن تعمل في طاولة أنيقة وكرسي دوار ومكيف حار بارد، فالحياة أكثر جاذبية وجمالاً لمن يعتمدون على الله ثم على أنفسهم في كسب قوتهم وقوت من يعيلونهم، وهذا أيضاً سوف يتيح فرصاً وظيفية جديدة للشباب يشاركونه إدارة أعماله متى ما كُتب له النجاح.

وبدون أن أذكر أسماء للناجحين فهناك من بدأ يبيع الفصفص على ونيت يقف به عند أحد الشوارع وتحول إلى صاحب أكبر شركة تسوق المكسرات على مستوى المملكة والعالم العربي، وذلك العصابي الذي بدأ يبيع الساعات في حراج بن قاسم، واليوم أصبح أكبر وكيل للساعات السويسرية في الشرق الأوسط وآخر بدأ ببسطة للبيع الأواني واليوم صار من عمالقة صناعة التقنيات المكتبية والحديثة وبياع الطماطم الذي أصبح اليوم وكيلاً لأشهر ماركات السيارات ويوظف ما لا يقل عن ألف من الشباب لديه.. الأمثلة ولله الحمد في بلدنا كثيرة جداً لا تكاد تحصى وسماع وقراءة مثل هذه القصص تحرك في النفس الطموح والرغبة في الاعتماد على الذات -بعد الله- في الأعمال الخاصة.

وقد يقول بعض المتشائمين أن أولئك العصاميين جاءوا في زمن غير زمننا هذا، حيث كانت الفرص متاحة للنجاح أكثر من اليوم.. صحيح هذا التفكير ولكن ما زالت هناك من الفرص ما لا يعد ولا يحصى وقد يبرز اليوم أحدهم ويتجاوز ما وصل إليه أولئك العصاميون في ظل النمو الكبير للاقتصاد والتطور الكبير الذي تشهده المملكة وها نحن نرى الكثير من الشركات ورجال الأعمال يأتون من أنحاء العالم كافة للبحث عن فرص للنجاح في المملكة لوجود مشروعات صغيرة وكبيرة تحقق لهم النجاح.

وعندما أتحدث عن التجارة فذلك لما ورد في الحديث أن (تسعة أعشار الرزق في التجارة) ونضيف إليها اليوم المستجدات من الصناعة والخدمات التجارية والخدمات العامة، وعلى الشباب أن يبحثوا عن المجال الذي يجدون فيه أنفسهم وبعدها يفكر كيف يبدأ مستعيناً بالله والله لن يخذله أبداً.

badiwailan@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب