Friday 27/06/2014 Issue 15247 الجمعة 29 شعبان 1435 العدد
27-06-2014

بضاعة شيعة لبنان رُدت إليهم

كثيرون لا يعلمون أن العمليات الانتحارية، التي سُميت فيما بعد (جهادية)، كانت في الأساس مخترعاً شيعياً لبنانياً. فأول من بدأها، أو اخترعها، في العصر الحديث كانت امرأة شيعية لبنانية.

يقول التاريخ القريب: (في الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الثلاثاء الموافق 9 نيسان - أبريل 1985 عبرت سيارة بيجو 504 بيضاء اللون، تقودها لبنانية شيعية اسمها «سناء المحيدلي» حاجزاً إسرائيلياً في منطقة (باتر - جزين) في الجنوب اللبناني، لتنفجر في الجنود الإسرائيليين ومعداتهم الذين كانوا حينها يحتلون جزءاً من جنوب لبنان، واتضح فيما بعد أن المرأة كانت انتحارية، وكانت السيارة معبأة بالمتفجرات؛ هذه الحادثة تاريخياً هي أول عملية انتحارية سجلت في تاريخ المسلمين المعاصر).

أغرت هذه العملية (الثوريين العرب) المتأسلمين من السنة، وأرادوا أن يحذوا حذوها، و(يُسننوها)، فأفتى في البداية أحد الفقهاء المغمورين للشباب الفلسطيين بأن يُفجروا أنفسهم في الإسرائيليين، غير أن هذه الفتوى ظلت محل رفض وتنديد، خاصة من السلف، وعلى رأسهم علماء المملكة آنذاك الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين - رحمهما الله - وكذلك الشيخ صالح الفوزان، العالم المعاصر، بمعنى أن كبار علماء المملكة - ودعك من صغارهم وحركييهم - كانوا ينددون بها على اعتبار أن قتل النفس تقصداً وعمداً هو من المحرمات القطعية، وقد جرى على ذلك الإجماع بين علماء أهل السنة والجماعة قاطبة، استناداً إلى قوله جل شأنه: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}، ومن المعروف عند علماء السلف تطبيقهم الحازم لقاعدة (لا اجتهاد مع وجود النص) التي كانت وما زالت من مرتكزات السلفيين وآلياتهم في استنباط الأحكام الشرعية، فبمجرد أن يكون ثمة نص قرآني واضح الدلالة مُحكم بالتحريم فلا يحيدون عنه قيد أنملة، عملاً بقوله جل شأنه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا}.

إضافة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن) والفتك هو قتل الغيلة. وغني عن القول إن مثل هذه العمليات الانتحارية هي ضرب من ضروب الفتك المحض وقتل الغيلة.

غير أن شيخاً إخوانياً، هو «يوسف القرضاوي» رأى أن مثل هذه العمليات قد يستفيد منها التنظيم الإخواني في صراعة للوصول إلى سدة السلطة، فأطلق فتوى شهيرة سارت بها الركبان، لم يجز فيها قتل النفس ويخالف نص القرآن فحسب، وإنما اعتبرها أيضاً (استشهاداً)، أي أنه شجع عليها، وباركها، وجعل أجر صاحبها مثل أجر الشهيد.

وقد كان لقناة (الجزيرة) القطرية دور محوري في إيصال هذه الفتوى (القرضاوية) إلى أرجاء العالم الإسلامي، وقد اعتمدت قناة الجزيرة كما هو معروف فتوى شيخها القرضاوي، وسمت هذه العمليات في تغطياتها الإخبارية (عمليات استشهادية)، فكانت هذه القناة التي تدور حول أدوارها المشبوهة كثير من الشكوك، بمثابة من صب الزيت على النار فزادتها اشتعالاً، حتى أصبحت هذه العمليات الانتحارية المخالفة لنص القرآن، وكأنا (من المعلوم من الدين بالضرورة).

جريدة (السفير) اللبنانية قالت في تغطيتها للشاب السعودي الذي أقدم على الانتحار في بيروت حينما اكتشفته الأجهزة اللبنانية أن مقترفها (داعشي سعودي)، في محاولة (مغرضة) لخلط الأوراق، وكأن الثقافة السلفية السعودية تُقر مثل هذه العمليات وتتبناها، وهي التي (أنتجت) هذه العمليات الانتحارية (الداعشية) .. بينما أن القضية لا تعدو أن تكون اكتشافاً شيعياً لبنانياً، تبناها إخواني في قطر وأفتى بها، وتولّت (قناة الجزيرة القطرية) الترويج لها؛ أي أن هذا الشاب السعودي الغر المخدوع كان ضحية من ضحايا هذا الفكر الحركي المتعفن، الذي بدأه شيعة لبنان، ثم تلقته جماعة الإخوان بالقبول، وصفقت له وروجته قناة الجزيرة القطرية، ولم يكن مُنتجاً سعودياً لثقافتنا إطلاقاً.

وهذا لا يعني أننا ندافع عن هؤلاء الشباب السذج البسطاء، ولا عن جرائمهم الدموية، ولكننا وكثيراً من أبنائنا ضحية هذا الفكر الذي هو خطر علينا نحن السعوديين مثلما هو خطر على اللبنانيين، بل خطر على العالم أجمع.

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب