Monday 14/07/2014 Issue 15264 الأثنين 16 رمضان 1435 العدد
14-07-2014

لماذا يغتالوننا كل عام؟

أصبح للعرب احتفالاً جنائزياً كل عام، يقومون فيه بدفن ضحاياهم بعد الغزو الصهيوني الغادر لأحيائهم ومنازلهم في غزه، ثم تلقي العزاء في قتلاهم في حالة أشبه بمشهد تقديم القرابين للمتغطرس والمتجبر الصهيوني على الأرض العربية.

مهما حاول العرب أن يهربوا من قضيتهم الأولى في تاريخهم السياسي الحديث، لن يستطيعوا، لأن قدرهم في هذا الزمان أن يظلوا مهزومين من الداخل، ما لم يعيدوا بعضاً من كرامتهم التي انتهكت في أرض فلسطين منذ عقود، ومهما تبدلت الجغرافيا السياسية أو تعاقبت الأجيال، سيكون مصيرهم محتوماً في المستقبل بمواجهة الغطرسة الصهيونية.

لأسباب لها علاقة بالتاريخ، كان العالم العربي وما زال مسرحاً للأحداث العالمية، وقد كان قدرهم منذ الحرب العالمية الأولى أنهم محكومون من الخارج، وأن أراضيهم طرق مفتوحة للاستخبارات العالمية، وأن عليهم أن يلتزموا الصمت أمام انتهاكات الغزاة لأراضيهم، وقد وصل الترويض السياسي الخارجي إلى مرحلة أن يلتزموا الصمت أمام استمرار إعدام آلة القتل الصهيونية لنسائهم وأطفالهم.

أكتب هذه الكلمات بينما غزة تستقبل القنابل والصواريخ، والمنازل العربية تتدمر على يد الغزاة، والذين لم يكتفوا باستيطان الأراضي العربية، ولكنهم أصبحوا يعيدون كل عام ذكرى اغتصابها بالقتل والتدمير والتفجير، وكأنهم بذلك يريدون سحق ما بقي من كرامة وطموح في عقول الشباب العربي.

احترم وجهات النظر والمبادرات السياسية التي سعت لإحلال السلام في المنطقة، لكن ردة فعل الصهاينة على مختلف المحاولات كان بوضوح ترفضها جملة وتفصيلاً، لأنهم لا يريدون أن تعقد حكوماتهم سلاماً أو مصالحة تُحفظ من خلالها بعض الحقوق العربية في فلسطين، بل أرى أن الأحوال العربية الحالية أصبحت مغرية جداً للغزاة في أن يستكملوا مشروعهم التاريخي.

فالطائفية السياسية والدينية والانقسام الشديد داخل البيت العربي أصبحت خطراً يهدد الأمن في الدول العربية، وربما ينذر بأخطار أخرى، قد تعصف ببعض المكتسبات التي حرص بعض العرب على المحافظة عليها، ولعل الأكثر خطورة أن ذلك الانقسام ما زال يُدار كالعادة من خارج الحدود، ومن القوى نفسها التي صاغت التقسيم منذ قرن.

أدرك أن هناك نزعة وطنية وثقافية في بعض البلاد العربية، تتحدث عن أن قضية فلسطين مشكلة خاصة بالشعب الفلسطيني، وأن الآخرين غير معنيين بها إلا من خلال الجانب الإنساني، لكن تلك الرؤية الضيقة لا يمكن أن تكون حقيقة إلا بمحو فصول التاريخ العربي وتاريخ المسلمين من الكتب التاريخية، ثم إعادة كتابة التاريخ من خلال بعد وطني ضيق، لا يتجاوز الحدود السياسية الحالية.

لكن ما يغيب عن هؤلاء أن الهوية العربية والإسلامية جزء لا يتجزأ من شخصية الإنسان الذي يعيش على الأراضي العربية، وعندما أتحدث عن الهوية، فإنني لا أعني البعد العرقي أو القومي، لأنني أؤمن أن سكان هذه المنطقة هم عرب ومسلمون بالثقافة والهوية والإرث المشترك، وليس بالعرقية البغيضة والطائفية الكريهة، وأن الوعاء الثقافي المشترك كفيل في أن يجمعهم ليكونوا أمة لا تغيب عنها الشمس.

لهذا السبب ولأسباب أخرى، أشعر بالمهانة والذل عندما أشاهد التغطية الإعلامية المكثفة للقتل الصهيوني لغزة، بينما يخيم الصمت على المنابر السياسية، وكأن أولئك النسوة والأطفال في غزة كائنات لا تمت لنا بصلة، ومع ذلك لدي إيمان راسخ أن الحل لن يخرج في المستقبل البعيد من المواجهة، وأن الغزاة سيشدون رحالهم في اتجاه الشمال الذي قدموا منه.

مقالات أخرى للكاتب