Monday 14/07/2014 Issue 15264 الأثنين 16 رمضان 1435 العدد
14-07-2014

المفهوم المتخلف للرقابة الإعلامية

يتمتع الإعلام في الدول الغربية الديموقراطية بحرية تكاد تكون مطلقة، لكن الدول التي تعوَّدت على الرقابة الإعلامية الصارمة لا تفهم ذلك! وقد يراعي الإعلام الغربي اعتبارات أمنية معينة أو يخضع لضغوط بعض اللوبيات التجارية أو بعض الفئات الاجتماعية ذات النفوذ الكبير وخاصة عندما يترتب ضررٌ مالي على المطبوعة أو الوسيلة الإعلامية فيما لو خرجت عن السرب في تناولها الإعلامي. لكن الإعلام هناك لا يعرف الأسلوب الرقابي التقليدي ولا يستجيب لـ «أوامر» أو «توجيهات» حكومية ملزمة بعدم التطرق لموضوعات معينة أو تناولها بالشكل الذي يعجب الجهة الرقابية.

غير أن الدول ذات التقاليد الرقابية العريقة لا تفهم ذلك ولا تصدقه! ولهذا طلبت الصين من ألمانيا مؤخراً أن تأمر إعلامها بعدم التطرق إلى انتهاك الحكومة الصينية لحقوق الإنسان في تركستان الشرقية (شينغيانغ) واقليم التبت وغيرهما من المناطق الصينية أو المناطق الخاضعة للحكم الصيني وذلك مقابل زيادة الاستثمارات الصينية في ألمانيا.

من الواضح أن الحكومة الصينية التي تحدد هوامش الممارسة الإعلامية في الصين بكل حزم وصرامة تعتقد أن بوسع الحكومة الألمانية أن تفعل الشيء نفسه مع الوسائل الإعلامية الألمانية، وهذا أمر مضحك ودونه خرط القتات كما نقول باللغة العربية.

وعلى سبيل المثال، فإن وسائل الإعلام الصينية لا تعرض حقيقة ما يجري في تركستان الشرقية ذات الأغلبية المسلمة من كبت للحريات بما في ذلك منع المسلمين من الصوم في شهر رمضان الجاري، فضلاً عما يتعرض له أهل تلك المنطقة من قمع على مدى العقود الماضية مما أوجد فئات وطنية متشددة تلجأ للعنف كأسلوب مقاومة للممارسات والمضايقات الحكومية الرسمية. كما أن ما يجري في التبت وفي بعض الأماكن الأخرى شبيه بما يحدث في تركستان الشرقية.

أمام هذه الممارسات التي ترتكبها دولة كبرى هي الصين كيف يتوقع الصينيون ألا يتحدث الإعلام عما يجري هناك؟ فالصين ليست دولة صغيرة هامشية، وإنما دولة ذات ثقل حضاري وثقافي واقتصادي وعسكري وسياسي ولا يمكن أن يغفل الإعلام الألماني أو غير الألماني عما يجري فيها. وقد كان حرياً بها أن تعالج المشكلات التي يتحدث عنها الإعلام العالمي بدلاً من محاولة تكميم الأفواه والذي يعتبره أي إعلامي محايد طلباً غير منطقي.

لو أن وسائل الإعلام التي تقدم مواد إعلامية لا تعجب دولةٌ ما هي وسائل إعلام رسمية فإنه يمكن تفهُّم طلب الدولة التي ترى أنها متضررة إيقاف بث تلك المواد، أما أن تطلب فرض الرقابة على وسائل إعلامية مستقلة فهذا ما تجاوزه الإعلام في ألمانيا وفي بقية الدول الديموقراطية منذ زمن بعيد ما لم يكن الأمر يتعلق بمصالح وطنية أمنية عليا أو لاعتبارات تراها الوسائل الإعلامية مؤثرة على انتشارها أو على عائدها الإعلاني.

أما ما هو أعجب من هذا كله، فإن طلب الصين يأتي في الزمن الذي سقطت فيه الرقابة في أعتى البلدان وأكثرها تشدداً في الرقابة الإعلامية بعد انتشار وسائل الإعلام الجديد التي جعلت كل إنسان بمثابة رئيس تحرير يمارس النشر من هاتفه المحمول الصغير وهو مستلق على فراش النوم من منزله في أي بقعة بالعالم..!!

alhumaidak@gmail.com

ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض **** alawajh@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب