Saturday 26/07/2014 Issue 15276 السبت 28 رمضان 1435 العدد
26-07-2014

خرّبوها في رمضان

قال القرطبي؛ فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيراً، فلو صُفّدت الشياطين لم يقع ذلك؟ فالجواب: أنها إنما تُغَلُّ عن الصائمين الصوم الذي حُوفظ على شروطه وروعيت آدابه، أو المُصفّد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم، أو المقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس، فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم ألاّ يقع شر ولا معصية، لأن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية.

أجل: فمن الناس من تملّكته العصبية الممزوجة بالجهالة، والعادات القبيحة التي يرون أنها من القيم الاجتماعية التي يصعب عليهم الانفكاك عنها، ولربما عدّوها من مقومات الفتوة والرجولة والصيت الاجتماعي الذي يجب (عندهم) ألاّ يغيب حتى في الشهر الفضيل، فتشبّعت أنفسهم بالخبث واللؤم، فلا يؤثّر رمضان بروحانيته وشرفه على نفسية العُتُل الغليظ، فلا يُرى إلاّ كالشيطان المارد المارق عن سبل الخير والصلاح، المحروم من نفحات الإيمان الرمضانية التي منحها الله سبحانه للصائمين صياماً حقاً خالصاً ووعدهم بالجزاء الذي يكاد يخفيه سبحانه عن عباده للحث على الاستزادة من الطاعات في موسم الخير والبركات والذي يندرج في مضمون وعده جلَّ شأنه (الصوم لي وأنا أجزي به)، غير أن فئة حرمت نفسها من هذا العطاء الكريم والمنحة السَّنِيّة والوعد الحق، ليس بالتقصير عن السباق في ميادين الخير وجداول الرحمات وينابيع الغفران، بل تعدوا كل الحدود لاقتراف أبشع الجرائم والسفاهات، ومنهم من فعلها دون مروءة أو حياء في أطهر بقاع الأرض دون مراعاة لحرمة الزمان ولا المكان!

جرائم تقشعر لها الأبدان ليس لها ما يبررها سواء في صيام أو فطر، فكل الأمور يمكن تجاوزها مهما استعصت بالحوار والمجادلة الحسنة لا سيما مع الأهل والأقربين والجيران، والتلطّف مع الآخرين خشية اعتلالهم بمرض أو نحوه وإعطاء فرصة للتفاهم قبل تصاعد الانفعال المفضي للثورة المقيتة ومن ثم الوقوع في المحاذير، أما مع الوالدين فالأمر مختلف تماماً مهما تعالت الأصوات واختلفت الرؤى، ومهما كانت درجة اعتقادنا بحقنا وصواب رأينا، فإنهم الآباء ولهم حق الخضوع والترحم لا الشتم والعقوق، أو القتل كما حدث في ينبع أواسط رمضان حين تمادى شاب اختلف مع والده الستيني إلى قتله وإحراقه، أو ما حصل في منطقة جازان من اعتداء شابين على والدهما المسن ثم وفاته بالمستشفى، أو قاتل والدته في الجنوب، وإجمالاً فالحديث يشمل عمليات وحالات تهريب المخدرات والعمالة والمضاربات والمشاحنات في زحام الطرقات وما يحدث بالأسواق من البائعين بمضايقة النساء ومعاكستهن والمبالغة برفع الأسعار، وغير ذلك من مواقف وأحداث أسرية اجتماعية تحدث في رمضان، فهل نعيد كل هذا لأثر الصيام؟ هذه مغالطة، ولو كان الأمر كذلك لخرج ركن الصيام عمّا فرض له ولتجرد من حكمة مشروعيته، ولكان السلف أدركوا ذلك وحاشاهم أن يُحدثوا أمراً فيما شرعه الله سبحانه وجاء به رسوله المصطفى، الخلل كامن في أنفس عاجزة عن الصبر قاصرة عن تحمل أي مسؤولية وبعيدة عن حكمة الحوار وعقلانية المنطق في أي عارض أو مشكلة أو نقاش عابر.

T@alialkhuzaim

مقالات أخرى للكاتب