Tuesday 29/07/2014 Issue 15279 الثلاثاء 02 شوال 1435 العدد
29-07-2014

رسالة غاضبة إلى أبي الطيب

لو كان الأخ الشاعر الحبيب أبو الطيب المتنبي بيننا، ورأى نشرات الأخبار الدموية، وكيف تغير القاذفات الإسرائيلية على قطاع غزة، صباح مساء، وتلقي بجحيمها على المدنيين الآمنين، من أطفال ونساء ومسنين، وتدفنهم أحياء تحت ركام المباني المهدّمة، ماذا سيقول؟ وممَّ سيشكو بعد ذلك؟

لو كان الأخ الشاعر الفذ، الذي يشتكي حاله وسأمه حينما جاء العيد، يعيش بيننا، ورأى أهوال البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية التي تسقط على حمص ودير الزور وحلب وريف دمشق وريف إدلب، وكل المدن والقرى السورية، ماذا يقول عن العيد؟

لو قام المتنبي من قبره فجأة، وتجوّل في حلب المدمّرة، تلك التي عاش فيها أجمل أيامه، وأكثرها عطاء وشهرة، في بلاط سيف الدولة الحمداني، هل سيتعرف عليها اليوم؟ هل سيتعرف على هذه المدينة/ الركام، المدينة التي أصبحت مكاناً للأشباح، ومقراً للبوم والغربان؟

هل كنت ستبكي مثلنا حال الشعوب العربية، التي أصبحت لا تؤمن بشيء، ولا تنتظر شيئاً؟ أم أنك ستبقى شاعر بلاط كما كنت، وتمتدح القتلة، وترى عينك الشعرية ما لا نرى، لتصوّر هذه القنابل العنقودية عناقيد عنب يهبها الوالي للمسلمين، في عيدهم الجديد؟

وأنت تهرب ليلة العيد من مصر إلى الكوفة، ماذا تظن أن تجد في هذه الديار؟ هل ستعرف أنك تمر بمناطق موزعة عرقياً وطائفياً، وأنت العنصري الذي يشتم العبيد الأنجاس؟ هل تتنبأ، وأنت المتنبي، أي قدر ينتظرك في الكوفة؟ وأي سيارة مفخخة بالمتفجرات قد تنسف حصانك وسيفك؟ لتدرك أن تفاخرك بنفسك، وبالخيل والليل، والرمح والسيف، لم يعد يُجدي؟ ولا تحميك من الموت بقذيفة تهبط من السماء، أو ترفعك أشلاء من الأرض؟

ها هو العيد جاء أيها الشاعر الفذ، الشاعر الموهوب النادر، ونحن نردد مطلع قصيدتك: «عيد.. بأي حال عدت يا عيد»، بينما الحزن يعتصرنا على أهلنا وأحبائنا في سوريا والعراق وفلسطين، أقول فلسطين ولا أقول غزة أو القطاع، فأنا أشبهك قليلاً يا متنبي، كلانا يمتلك خيالاً خصباً وأحلاماً باذخة!

ها قد وقعنا، على جباهنا، في فرحة مزعومة ليوم اسمه: العيد، بينما حصانك الهارب لم يقع على جبهته وأنت تقطع البيداء صوب الكوفة، تسير في الليل وشيطان الشعر يركبك، كما يركبنا شيطان الحزن هذه الأيام!

حينما تبكي على العيد؛ لأن علاقتك بالوالي أو الحاكم فسدت، وخسرتَ مال الدنيا وعرضها، نبكي نحن على عيد دمشق، عيد بساتينها وياسمينها الأبيض على الشرفات، عيد الكوفة وبغداد وحدائقها، على شارع باسمك في بغداد، وعلى أهلها ومقاهيها ونهرها.. نبكي على عيد الأمهات الفلسطينيات المصابات بالحزن والحيرة، إذ يقلّبن ملابس عيد أطفالهن، الذين قضوا، وتلحفوا الأكفان في ليالي رمضان المبارك، تاركين ملابس العيد وفساتينه الزاهية!

فعلام تبكي العيد، بربك، أيها المتنبي؟

مقالات أخرى للكاتب