Friday 08/08/2014 Issue 15289 الجمعة 12 شوال 1435 العدد
08-08-2014

صوملة البلدان العربية وسلمان العودة

لم يحتفل ثورجيتنا بثورة من ثورات ما يُسمى زوراً وبهتاناً بالربيع العربي، وما تمخض عنها في البداية، مثلما احتفوا وصفقوا وهللوا لثورة ليبيا، واعتبروا سقوط القذافي بفعل (تدخل قوات أجنبية)، دون أن ينتهي الوضع بُعيد السقوط إلى حرب أهلية، دليلاً على أن ثورات الشعوب العربية، حتى وإن كانت مُقسمة إلى فئات وأقاليم وقبائل، وحديثة التكوين كدولة موحدة، كما هو حاصل في ليبيا، قد ينتهي بالدول إلى (الديمقراطية)؛ ذلك الشعار الذي أصبح عند إخونجيتنا هذه الأيام، تماماً كما كان (قميص عثمان) الممزق، وأصابع زوجته نائلة، شعارين ظاهرهما المطالبة بالعدالة، لكنهما فجرا الاستقرار فيما بعد، وأوقدا الفتنة، بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه.

سلمان العودة الواعظ المعروف، كان من كبار الوعاظ الثورجية؛ فقد غرّدَ في (تويتر) بتاريخ 7 يوليو 2012 م قائلاً بالنص:

(لم تقم حرب أهلية في ليبيا كما هدد الطاغية، الناس بخير، واستوعبوا الموقف، واندمجوا في عملية ديمقراطية رائعة).. انتهت التغريدة.

ليعود مثاله (بعد سنتين فقط) إثباتاً عليه، ويؤكد ما كنا نقول ونحذر منه، فما تشهده ليبيا هذه الأيام من قلاقل وفتن وحروب أهلية، وتقاتل بين فئاتها وقبائلها إلا دليل على ضحالته، ومحدودية رؤيته؛ هذا إذا أحسنّا الظن فيه، وفي نواياه؛ لكن كيف لنا أن نحسن الظن فيه، وقد كان من كبار من عارضوا بقوة استعانة المملكة بالقوات الأجنبية أثناء غزو صدام للكويت؛ حينها وظف الأدلة الشرعية، وانتقى من أقوال العلماء، ما يدعم مشروعية موقفه، وقرأ المستقبل قراءة خاطئة، وأكد حُرمة الاستعانة بالقوات الأجنبية؛ ليأتي سلمان العودة نفسه بعد عشرين عاماً، لينسف ما كان يقول، ويؤيد تدخل (القوات الأجنبية) في ليبيا؛ بل يعتبر أن تدخل (القوات الأجنبية) أدى إلى (عملية ديمقراطية رائعة)! فما الذي تغير؟..

الأدلة ثابتة، كما أن أقوال العلماء قد تكون اجتهادات صحيحة في زمنها، لكن الذي تغير أن العودة وجماعته، كانوا ينتزعون الأدلة، ومعها أقوال العلماء واجتهاداتهم من سياقاتها الزمنية، وظروفها التي قيلت فيها، ويطبقونها على زمن آخر وظروف أخرى، طالما أنها تخدم أهدافهم (الثورجية)، أما نتيجة هذه الثورات فكما ترون بأعينكم لا ما تسمعون بآذانكم؛ حروبٌ أهلية ضروس في سوريا، وأخرى في اليمن، وثالثة في العراق، والرابعة في ليبيا، والخامسة على وشك أن تبدأ لتعصف باستقرار لبنان؛ وكل هذه الحروب تُصادر أول ما تصادر الأمن والاستقرار من الإنسان البسيط، بل وربما تُفقده حياته، أو تقذف به ليكون لاجئاً في دولة من دول الجوار، يُعاني العوز والذل والحرمان، ويتسوّل ما يقيم به أوَدَه وأوَد من يعول.

وكان الشخص نفسه - أعني سلمان العودة - قد ألف كتاباً سمّاه (أسئلة الثورة) استعرض فيه كل أدلة علماء أهل السنة والجماعة في تقديم استقرار المجتمعات على الفتن والاضطرابات، ونسفها، وأوّلَ بعضها، وفي النتيجة انتهى ضمناً إلى أن (الإسلام يؤيد الثورات)، ولم يرد عليه من (علمائنا) إلا الشيخ صالح الفوزان حفظه الله وأمد في عمره؛ فمهما اختلفنا مع هذا الشيخ الجليل في بعض الجزئيات، فهو فعلاً صمام أمان، ومن البقية الباقية من السلف الصالح الذين لم تلوث ثقافتهم (الحركية الثورية)، التي لوثت آخرين من علمائنا؛ حتى إن واحداً من كبراء مشايخنا قال في إحدى خطبه، كما نقل عنه، أثناء عواصف ما يسمى بالربيع العربي، وتناقلتها وكالات الأنباء، ومن ضمنها (قناة الجزيرة القطرية) التي تتربص بأمننا واستقرارنا ما نصه: (خذوا من أعدائكم عبرة في انتظام أوضاعهم خلال الانتخابات، فلا فوضى ولا انعدام للأمن، بالنقيض مما يحصل في العالم الإسلامي من تخريب وقتل) ويبدو أن شيخنا - أثابه الله - ينظر إلى (الديمقراطية والانتخابات) كما ينظر إلى (شراب الكحه)، تستورده من بلاد (أعدائنا) الكفار الغربيين، و(تشربه)، ملعقة في الصباح، والأخرى في المساء، ثم تعتلي المنبر خطيباً يوم الجمعة وانتهى الأمر؛ ولو اتسع أفق شيخنا قليلاً، لأدرك أن كل هذه القلاقل والمحن، والحروب الأهلية، والأرواح التي تُزهق في منطقتنا، سببها وبواعثها أن هذه البقعة من بلاد الله الواسعة (لم تتهيأ بعد) لتطبيق هذه الآلية السياسية لتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين، وأن تطبيق الديمقراطية و(الثقافة الطائفية) تضرب بأطنابها بين الشعوب، يعني أن تنسف استقرار المجتمعات وتثير الفتن وتودي بها إلى هاوية التفكك والتشظي والتقاتل والتطاحن بين الطوائف المتباغضة؛ فالغرب الذي أعجب استقراره وانتخاباته شيخنا، قضى على الثقافة (الطائفية) أولاً، وألغى (وصاية) أرباب الطوائف على الشعوب، ونقّى دساتيره من سلطتهم، قبل أن يُشرع الديمقراطية والانتخابات، فهل سيقبل شيخنا باجتثاث كل دعاة الطائفية من مجتمعاتنا، لكيلا نصل إلى ما وصلت إليه العراق مثلاً؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يجيب عليه، قبل أن يطالب بأن نعتبر بأعدائنا في الغرب - كما يقول - ونطبق الديمقراطية والانتخابات، لتنتظم أمورنا.

إلى اللقاء..

مقالات أخرى للكاتب