13-08-2014

«سَكَنَ الليل..!»

في كل مرة أقول لنفسي: سأتوقف عن ارتياد الساحات الحرة المدعوة (وسائل التواصل الاجتماعي)، وأجدني أعود مرة أخرى لسبب أو آخر. أقول لنفسي: سأتوقف، وإن فعلت لن يكون ذلك على حساب وقتي المحدود بالتزاماتي وأعصابي القابلة للاجتياح، ومن ثم التعب. لكنني أخرج عن ذلك الوعد لنفسي بين الفينة والأخرى حين ينتابني الملل أو رغبة ملحة للاطلاع على ما يجري خارج الأسوار وفي عقول الآخرين..

كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة والنصف ليلاً:

في الأحوال العادية هو وقت يوحي بصوت عذب يردد:

(سَكَنَ الليل وفي ثوب السكون / تختبي الأحلام.. وسعى البدرُ وللبدرِ عيونٌ.. ترصدُ الأيام).

النوم يداعب أجفاني؛ حتماً سأنام هذه الليلة، لكن لا بأس بجولة سريعة عبر التويتر والفيس بوك. وما إن تصفحت الأخير على عجالة، وقد بلغت حائط ذلك الأستاذ الأديب الذي تميزت منشوراته بالجمال والرصانة والعقل، حتى فوجئت بصورة فاجأتني مثل صفعة، صورة تبيّن عربياً يُذبح كما الخراف. أفجعتني الصورة. ارتعش جسدي، حتى خيل إلي أنه سيغمى علي. أنا من أولئك الذين توجعهم الحروف والكلمات إذا ما تجاوزت حداً معيناً فما بالكم بصورة مفجعة مثل هذه؟!

هل أكتب له رداً عاماً أعاتبه فيه، أم أكتب له رسالة خاصة لعدم إحراجه أمام الملأ؟ لكن ما الفائدة في أي من الحالتين؟ لقد سبق السيف العذل.

مرت الساعة تلو الساعة، والنوم لا يأتي، ليس إلا الأفكار المزعجة المخيفة. الصورة المرعبة لا تقل رعباً عن ذلك البطش والقتل الذي ذهب ضحيته الكثير من الأبرياء الفلسطينيين بين أطفال ونساء وشيوخ في حرب غزة الأخيرة. أخذت الصور المعتمة تتداعى في ذاكرتي، حتى حين هدأت قليلاً وغفوت فوجئت بسيل من الكوابيس، عندها أخذت أبسمل وأحوقل وأقرأ الورد. اللهم أنت حسبي ونعم الوكيل.

* * *

(الجمرة المقطوعة من جذع سنديانة لا تنطفئ حتى تفنى هي ذاتها. قد تخبو، وترى إليها في نظرة عابرة، فتحسب أنها انتهت، لكن جرب أن تنفخ عنها الرماد، أن تنفخ عنها نفخة من إعصار، وسترى عندئذ إلى توهجها، وقدرتها على الاشتعال.

ومثل جمرة السنديان يكون الرجال الذين قدّوا من السنديان، قد يشيخون، يهرمون، تشيب شعورهم، لكن رجولتهم تظل عارمة، مختبئة تحت رماد أعوامهم، فإذا هبت عليها ريح التحدي توهجت، وأطلت من عيونهم نار تلفح وتشعل ما حولها..). (حنا مينة) من قصة قصيرة بعنوان جمرة السنديان.

** هذه الفترة أشعر برغبة وتوق شديد للقراءة لـ»حنا مينة». لا أعلم لماذا هو تحديداً. منذ زمن لم أقرأ له. ربما حين أعود إلى قراءته أكتشف بنفسي إجابة هذا السؤال.

مقالات أخرى للكاتب