18-08-2014

تكليف أرامكو وأزمة الجودة 2

كنت قد تطرقت في مقالي السابق لارتباط ارامكو كصرح اقتصادي وطني عريق بالجودة، لأنه أسس على قواعد صلبة في التخطيط والعمل والإنتاج. ومعلوم أن تكليف ارامكو ببناء أحد عشر استادا رياضيا جاء تجسيدا لقناعة حكومية كما هي شعبية بتميز هذا الكيان على مر تاريخه، وكذلك اعترافا ضمنيا بأن سوق المقاولات والإنشاء في معظمه في بلادنا يكتنفه القصور والعشوائية وقلة الإمكانات والخبرة الفنية .

وبالطبع هناك كيانات تستثنى من هذا الحكم لكنها في غمرة الطفرة الحالية المتعاظمة، لا تستطيع تلبية كل ما يطرح من مناقصات حكومية وهي كما قلت مهولة من حيث الحجم والميزانية، لأن تلك الشركات أصبحت ثقيلة الحركة بسبب التخمة ان صح التعبير، لأنها ببساطة قد يفوز بعضها بمئات المشروعات دفعة واحدة فكيف ستكون عليه الجودة في التنفيذ والقدرة على إكمال المشروعات في المدة المحددة في العقود، ومن هنا أصبح مصطلح (التعثر) من أكثر المفردات رواجا في الصحافة والإعلام المحلي ومن ثم الدولي، ومثله في المجالس والمنتديات الاجتماعية السعودية.

نجاح ارامكو المتوقع في إنشاء استاد الملك عبدا لله بجدة في غضون سنة أو تزيد وبمعاييرها الصارمة في الجودة وسرعة التنفيذ وسير العمل، كأنه كان بمثابة تقديم هذه الشركة النفطية العملاقة ولا أقول بمثابة الاختبار إلى سوق الإنشاء والمقاولات، حيث أثبتت سبقها وتميزها فيه إلى جانب مكانتها النفطية على المستوى الدولي .

السؤال الملح ولعله كذلك لدى معظم السعوديين وهو هل لدى الحكومة بهذا التكليف الجديد لارامكو لبناء أحد عشر استادا في عدة مدن سعودية توجه ليكون لارامكو كلمة في قطاع الإنشاء والتعمير في المملكة ؟ . لعله تساؤل في أمنية، فلماذا لا تعمل الحكومة ممثلة في وزارتي المالية والاقتصاد وعبر صندوق الاستثمارات العامة وبالاتفاق مع ارامكو لتأسيس شركة (ارامكو للإعمار)، تنبثق من الشركة الأم حاملة صفاتها الوراثية كالجودة وصرامة المعايير ودقة العمل واختيار الكفاءات وغيرها من عوامل التميز والقوة. على أن يكون لأفراد المجتمع حق المساهمة فيها لتكون منهم واليهم فتعم الفائدة للناس والبلد، وتشيع ثقافة الجودة وتنتقل العدوى الإيجابية إلى باقي شركات المقاولات وتسير وتيرة التنمية والبناء في البلد ويتفرغ أبناء المجتمع للإنتاج والعمل .

وكنت قد طرحت تساؤلا في مقالي السابق عن قدرة ارامكو على الإشراف على تنفيذ أحد عشر استادا رياضيا وإدارتها، وأقول وهذا رأي شخصي مع كامل الاحترام للآراء الأخرى أن ارامكو إذا اعتمدت على سوق المقاولات المحلي فقط دون الدولي، بدافع عاطفي أو قياسا على نجاحها في تنفيذ استاد الملك عبدا لله، فإني أخشى أن تواجه عدوى (التعثر) خصوصا إذا أرست عقود إنشاء أكثر من استاد على شركة واحدة . وأحسب أن إدارة ارامكو وقيادييها يعون هذه المحاذير وهذا ما نتمناه، لذا أقول وأكرر ما قلته سابقا في أكثر من مقال اننا نتمنى أن تكون حال شركات المقاولات والإنشاء وسوقها في المملكة على أعلى المعايير الدولية، وهذا لن يتأتى إلا بالاعتراف أولا بالخلل والقصور في التأهيل والخبرة وهذا بداية الحل، فالاعتراف بالمشكلة بداية حلها كما هو معروف . ومن ثم فتح الباب للاستثمار الخارجي المباشر مجددا كما كان الوضع في الطفرة الأولى في السبعينات للشركات العالمية العملاقة للنهوض بقطاع المقاولات ونقل الخبرة للشركات واليد العاملة والإدارة الوطنية، عن طريق المشاركة وإرساء عقود باطنية للشركات الوطنية حتى تترسخ في السوق خبرة وجودة وإمكانات، سواء العاملة في قطاع البناء أو في الخدمات المساندة . وارامكو أحرى بتقديم هذه التجربة من جديد وإحيائها في مشروع هذه المدن الرياضية وهي الكيان النفطي الذي قدم لهذه البلاد نموذجا تفاخر به في المحافل الدولية، عدا عن كونها كيانا اقترن بالإتقان والجودة وحسن التخطيط، إلى جانب الموارد البشرية التي هي عمادها في عملها منذ تأسست على هذه الأرض الطيبة . دمتم في رعاية الرحمن .

romanticmind@outlook.com

تويتر @romanticmind1

مقالات أخرى للكاتب