19-08-2014

سلوكنا الحياتي.. جبري أم قدري؟

الحديث ذات مساء عائلي خاص عن «الأخلاق والسلوك»، والسؤال الرئيس يدور حول إمكانية التغيير لما ركب في ذواتنا من خلق؟!.

كثر الجدل وعلا الصوت وانقسم الحضور في تلك الجلسة إلى فرق ثلاثة:

* أقلها عدداً وأضعفها صوتاً من يعتقد أن الأخلاق متوارثة من الأبوين، وربما أثر فيها نزعة عرق «تخيّروا لنطفكم فإنّ العرق دسّاس»، مركوزة هذه الأخلاق في التكوين البشري كالخَلق الجسدي تماماً، لا تقبل التبديل ولا يمكن فيها التحوّل من حال إلى آخر، وهي والسلوك سواء لا فرق بينهما لا من قريب أو بعيد، وعملية التطبُّع وإنْ أجدت على المدى القريب، فإنها سرعان ما تنكشف ويعود الإنسان إلى طبعه الذي خُلق عليه .

* وأكثر منهم عدداً وأعلى صوتاً من يرى أنّ الخُلق «الصورة الباطنة للإنسان» خلاف الخَلق «الصورة الظاهرة له « تقبل التبدّل والتغيير المطلق، وإلا لما كانت التربية، ولما وُجد في الناس المصلحون والدعاة الساعون لتهذيب الأخلاق وتغيير السلوك، وقبل هذا وذاك لما بعث الله الأنبياء والرسل وجعل الجنة والنار.

* ورأي الأغلبية في هذه الجلسة أنّ الأخلاق وإنْ كانت مركوزة في ذواتنا ولا يمكن تغييرها، فهي طبع مجبول عليه هذا المخلوق الذي شاءت إرادة أن يخلق من طينة هذا الجزء من الأرض «كما في الحديث»، إلا أن السلوك الذي هو الجانب العملي للقناعات الأخلاقية هو الذي يقبل التهذيب لا التغيير حتى يصل الإنسان إلى نقطة الصفر، وكأنّ هذا الخلق المشين لا وجود له تمامًاً في شخصية هذا الإنسان جراء جرعات التربية وسياط الوعظ والتوعية والتثقيف التي خضع لها، ولذلك كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن جاءه طالباً الوصية، فقال له لا تغضب وكرر مراراً «لا تغضب»، ولو كان الأمر لا يحتاج إلى التدريب والتدرّج في التغيير ومراقبة الإنسان ذاته في التطور خلال مرحلة العلاج والانتصار على النفس لا لها، لما كان هذا التكرار من معلِّم البشرية والمربي الأول والقائل عن نفسه: (إنما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق)،

* قادنا هذا الحوار الفلسفي الذي لم ينته بعد ولن ينتهي، إلى طرح سؤال هو الأهم في نظري، لارتباطه الوثيق بسلوكياتنا الحياتية وواقعنا المعاش.. ترى ما هو السلوك السلبي لديك الذي استطعت تشخيصه وبدأت محاولاتك الجادة للتخلص منه وتهذيبه؟ .. وهل كان ذلك بمساعدة من الغير أم أنه اجتهاد شخصي منك؟.

* جلس كلٌ منا يُعمل عقله محاولاً إعادة قراءة صفحات تاريخه وتقليب أوراقه التي لا يعلم بها إلاّ الله، لعلّه أن يتذكر وبدقه هذه التجربة التي خاضها لوحده، واستطاع الخلوص منها إلى نجاح حقيقي وتطوّر فعلي في حياته الخاصة.

* الكثير منا لم يكن عنده مقدرة على التشخيص وتحديد مثالب شخصيته،

* فريق ثانٍ اعترف بوجود سلوكيات عنده ليس راضياً عنها ويعتقد أنها لا تليق بمثله، ولكنه لم يفرق بين السلبي والإيجابي من السلوك، فالعيب الاجتماعي مثلاً ظهر أثره الفعلي بشكل مباشر على نظرته الأخلاقية أكثر من استشعار رقابة الله وكذا الضمير الذاتي.

* قليل جداً من أورد تجربة شخصية في معالجة سلوك معيّن لديه واستطاع النجاح.

* أعجبني قول أحدهم أنه لم يستطع بعد إجادة فن الحوار بشكل صحيح فهو:

* لا يجيد الإنصات للمتحدث وكثيراً ما يقاطعه حين يستطرد في القول.

* لا يذكر أنه خرج من حوار تم بينه وبين آخر بتغيير قناعة راسخة عنده أو تبديل لموقعه الفكري أو الفعلي في هذه القضية أو تلك.

* لا يعرف كيف تبنى البراهين، ويُتوصل من المقدمات إلى النتائج، ويفتقد في كثير من حواراته للحجة والبرهان، ولذلك يعلو صوته في وجه الغير، خاصة عندما يكون أصغر منه سناً وأدنى علماً.

طال الحديث ولم ينته بعد، الأهم أننا جميعاً لنا سلوكيات تحتاج إلى وقفة مع النفس صادقة ومراجعة ذاتية كاملة، ومن ثم وضع برنامج زمني للتغيير إلى الأفضل، عندها نصل إلى المجتمع الذي نريد، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.

مقالات أخرى للكاتب