19-08-2014

أشياء قد تبدو صغيرة لكنها.. «إرهابية»!

الموقف السعودي المعلن والثابت من الإرهاب وطوائفه واضح: ظاهرة الإرهاب هي أخطر التحدِّيات التي تواجه المجتمع الدولي في الوقت الراهن، التي لم تعد محاربتها شأنًا محليًّا ينحصر في حدود دولة ما.

السعوديَّة عانت كثيرًا من الإرهاب الذي ضرب مدنها وشوارعها وبعض منشآتها. ولأكثر من عقد لم تكن المواجهة اعتيادية لكنها ظلَّت قوية جدًا، شرسة جدًا، ومتشعبة أيضًا.

إلا أن النجاحات الأمنيَّة الكبيرة في المواجهات المباشرة، كما الضربات الاستباقية للخلايا الإرهابيَّة استطاعت أن تحسم جزءًا مهمًا من معركتنا مع الإرهاب ونفوذه وتمويله ومشايخه ودعاته والمتعاطفين معه.

آخر الجهد السعودي الكبير على مستويات الاستباقات الدوليَّة، تمثل في دعم المملكة للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب بمبلغ 100 مليون دولار، عبر الأمم المتحدة قدم للأمين العام للمنظمة الأممية.

صحيح أن الحرب ستستمر طويلاً لتجفيف المنابع الفكرية ومصادر التمويل المادِّية، عبر جبهات عدَّة يتداخل فيها الأمني بالإعلامي والثقافي والفكري وحتى السياسي.

لكن لنركز الآن على أشيائنا الصغيرة، أو التي تبدو كذلك لكنها خطرة ومؤثِّرة جدًا في التأسيس للفكر المتطرف، الذي من شأنه أن يقود - بشكل مباشر أو غير مباشر- إلى صناعة إرهابيين!

أحادية الفكر.. سواء أكان فكرًا مستندًا على خلفية دينية أو أيدلوجية هو في الغالب من يصنع القوالب الجاهزة باتجاه واحد، حين يكون الاجتهاد الديني -مثلاً- وحيدًا غير قابل للاختلاف والتفاوت، يصبح التسامح متعذرًا مهمًا بلغة المواعظ..!

حين يكون القرار الإداري مرتبطًا بشكل لافت بصيغ توجيه دينية محددة دون وجود خيارات أخرى لها ذات المنطلقات الدينيَّة والعقدية، فإننا هنا نصنع قوالب جامدة يمكن بسهولة اقتيادها وتجنيدها.

حين تصبح النشاطات الاجتماعية والترفيهية في المجتمع في كلِّ المناسبات مُقيَّدة ومحاصرة بخطوط التشدد التي تمنع انفتاحها واستمرارها، فإنَّ المساحة المتبقية للحركة ستبقى هي تلك القديمة التي تتيح «للديني» خلق تجمعاته ونشاطاته بحريَّة دون سواه.

وحين تصبح المرأة- أيّ أنثى - في مجتمعنا أسيرة لتفسيرات مختلطة بين التشدد والعادات والتقاليد العتيقة، تقيد حقها في التنقل والمشاركة يصبح من السهل سلب نصف وعي وقوة المجتمع، وإمكانية استغلالها لكل أنواع التطرف من أقصى اليمين لليسار.

حين تكون النشاطات المدرسية محصورة في «التوعية الإسلاميَّة» و»المراكز الصيفية» السالفة الذكر، وتشذب كل النشاطات الرياضيَّة الجماعية والثقافية والترفيهية والفنيَّة، فإننا نوجه الطلاب في اتجاه واحد.. نحو سهولة توظيفهم لصالح الجماعات الحركية والحزبية والمتشدّدة والمتطرفة.

وحين نرفض دور عرض للسينما بحجة تخوف التقليدي، وتوظيف التيارات الحركية لهذا التخوف لصالح أهدافها، فإننا نفرض سياقًا واحدًا للمجتمع لا يمنحه الكثير من الخيارات. إلا الانغلاق.

وحين يكون الحوار - وحتى الجدل- ممنوعًا بسبب محدودية حرية التعبير، أو تعدد المقدسات، بما فيها الأشخاص-، يصبح التشكيك في أيّ فكرة والمجاهرة بالرأي الآخر تهمة، والانقياد أمرًا يسيرًا.

يمكن لنا أن نتناول قائمة طويلة جدًا من أشيائنا الصغيرة - والخطرة- المتشددة والأحادية في الوقت نفسه التي تقود المجتمع إلى التطرف.. وتخلق بيئة مثالية للإرهابيين للتجنيد والتوجيه!

الآن علينا التركيز على أشيائنا الصغيرة.. هي التي تحتاج إلى مواجهة حاسمة.. حرب من نوع آخر.. ضد التطرف والتشدد والأحادية..

@AlsaramiNasser

مقالات أخرى للكاتب