19-08-2014

أرأيت الذي يكذب بالدين

يكذِّب بالدين.. لا يعمل وفق ما جاء فيه، لا يلتزم بما دعا الإسلام إلى العمل به، والتمسك بأوامره، ومن يكذب بالدين فهو خارج عن حوزة الإسلام حتماً.

وليس الخروج عن الإسلام إلى ديانة أخرى هو كل التكذيب بالدين.. ولكن التكذيب بالدين هو كل رفض وإنكار وترك لكل ما أمر الله به عباده المسلمين.. هم مسلمون.. لكنهم لا يعملون بالإسلام، هم مسلمون لكنهم لا يلتزمون بحقائق الإسلام، هم مسلمون ولكنهم تاركون له عملياً، وسلوكياً، وأخلاقياً، وقد قال أحد المفسرين (إن حقيقة التصديق بالدين ليست كلمة تُقال باللسان، إنما هو تحول في القلب، يدفعه إلى الخير والبر بإخوانه في البشرية المحتاجين إلى الرعاية والحماية، والله لا يريد من الناس كلمات إنما يريد معها أعمالاً تصدقها، وإلا فهي هباء لا وزن لها عند الله ولا اعتبار).

* * *

أرأيت الذي يكذب بالدين.. فصَّلَ الله تعالى ذلك في هذه السورة القصيرة عدداً في آياتها، الكبيرة الشاسعة في جوانبها الإيمانية ووضح - سبحانه وتعالى - لنا مَن هم أنواع المكذبين بالدين.

ذكر الله تعالى (الكذب) بمشتقاته الكلامية وألوانه العملية مئتين واثنتين وثمانين مرة في القرآن، وأوجب ترك الكذب على كل عباده ومخلوقاته (معشر الجن والإنس) فقال في سورة الرحمن مخاطباً لهم (إحدى وثلاثين مرة) قائلاً لهم مستنكراً نسيانهم ونكرانهم لنعم الله تعالى (فبأي آلاء ربكما تكذبان).

* * *

فمن هم الذين يكذبون بالدين؟ هم بيننا كثيرون.. هم حولنا لا يهدؤون؛ أولهم: (ذلك الذي يدُعُّ اليتيم). فمن اليتيم؟ هو الصغير الفاقد الأب من الإنسان.

معانٍ كثيرة إنسانية واجتماعية لليتم، تجعله يشمل ألواناً مختلفة من اليتم؛ حتى سميت الجمعة الأخيرة من شهر رمضان الجمعة اليتيمة.

* * *

وقد ورد ذكر اليتيم بالمفرد والجمع ثلاثاً وعشرين مرة منها:

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ} (220) سورة البقرة.

{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} (9) سورة الضحى.

{كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} (17) سورة الفجر.

{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} (2) سورة الماعون.

* * *

كثيرون هم اليتامي في كل المجتمعات، وأوجه العطف على اليتامى كما أمر بها الله تعالى كثيرة (لا تقربوا مال اليتامى)،لا تقسوا عليه بالعمل أو القول (يدُعُّ اليتيم)، إطعامهم وإيواؤهم، الإنفاق عليهم بصور الحاجة، إصلاح حالهم، وحسن المشاركة لهم على حسن تربيتهم، العدل معهم في مستحقاتهم كلها صور نبيلة حثت عليها تعاليم الدين.

وهناك من التوصيات النبوية العظيمة ما يحملنا على الاهتمام باليتامى وكم هو الجزاء العظيم لذلك قال - صلى الله عليه وسلم - (خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسَن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساء إليه).

* * *

وقال (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وأشار بالسبابة والوسطى ومزج بينهما.

وقال (من عال جارتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه).

وقال - صلى الله عليه وسلم (والذي بعثني بالحق لا يعذب الله يوم القيامة من رحم اليتيم، ولانَ له الكلام، ورحم يتمه وضعفه).

* * *

كل هذا تؤكده الآية الكريمة من سورة الضحى، والتي خاطب الله تعالى نبيه مبيناً له أنه ما ودعه ولا تركه، وذكر نعمه العظيمة عليه وأولها وأجملها {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}.. من هنا كان العطف على اليتيم بكل ألوانه من أعظم الأعمال أجراً عند الله.

هذه هي شريعتنا الإسلامية الغراء.. لم تترك شيئاً إلاّ وحددت موقفنا منه.. ودعت إلى ضرورة التمسك به.. وبينت أن تركه خروج عن حقيقة الإسلام وإنكار للدين.

إنها قيم أخلاقية عظيمة يجب ألاّ تصرفنا هموم الدنيا ومشاغلها عن القيام بها وتحقيق شرعة الله فيها.

* * *

إني لن أملّ من الحديث عن القيم العظيمة التي تغيب عن بعض الناس وخصوصاً من يتسنمون منابر الوعظ والإرشاد والتوجيه ويقيمون مدى تمسك الآخرين بالدين في مظاهر شكلية لا تصل إلى عمق القيم كما هي واجبة في الإسلام.

لقد سمعت من أحدهم شماتةً بإنسان رآه حليق اللحية وما درى محدثي أن هذا الإنسان الذي عاب عليه ترك شيء من السنة أنه من أكثر الذين ينفقون على الفقراء واليتامى دون أن تعلم شماله ما أنفقت يمينه إخلاصاً منه في ذلك.

ديننا تميز بهذه القيم، ونحن مطالبون بالتمسك بها تمسكاً حقيقياً بأصول ديننا - فالله لا ينظر إلى صورنا ولكن ينظر إلى أعمالنا.

* * *

وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القـوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأَمِدَنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.

رحمه الله

مقالات أخرى للكاتب