22-08-2014

مصانع الفكر والحروب القادمة.. فلمن الغلبة؟

من تابع ويتابع المسيرة الدموية الحافلة لدولة العم سام سيجد أن تاريخها رغم محدوديته وقصر عمرها مقارنة بدول العالم الأخرى يخلو تماماً من أية صفحة بيضاء ناصعة.. ومن يقرأ صفحات تاريخها يُصاب برعب من سطور كُتِبت بدماء ملايين الأبرياء من كل ملة وقوم وشعب، ولعل أشهر من فضح وحشية السياسة الأمريكية ضد شعوب العالم الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي ويليام بلوم.. فرغم كل التهديدات التي كان يتلقاها بسبب مواقفه تجاه سياسة أمريكا الخارجية..

إلا أنه ظل يُواصل فضح سياسة الإدارات الأمريكية وممارساتها التي تخرق جميع الأعراف والقوانين الدولـية.

ويليام بلوم يرى أن الحروب والصراعات القادمة ستنتجها صالونات التفكير أو ما يُطلق عليها مصانع الفكر.. فهل تنجح حروب الأفكار في تغيير مسار اللعبة الأمريكية على الساحة الدولية بعد أن فشلت حروبها العسكرية في أفغانستان والعراق وقبلها في فيتنام.

بعد سقوط جدار برلين وسقوط الشيوعية احتاجت أمريكا لصناعة عدوٍ بديل.. فاتجهت أنظارها نحو الإسلام ليكون نداً جديداً تمارس ضده أنواع حروبها من عسكرية ونفسية وفكرية.. لكن يظل الحديث عن حرب الأفكار موصولاً بالزعامة والسلطة الأمريكية يتوارثها الرؤساء على اختلاف انتمائهم السياسي أو الحزبي أو حتى الاجتماعي، وما ذكره باراك أوباما في كتابه (جرأة الأمل) خير دليل على ذلك، حيث يقول إن أمريكا تخوض في الشرق الأوسط صراعاً مسلحاً وتخوض في الوقت نفسه حرب أفكار.

إن كل المعطيات التي تتيح لمن يريد اللعب بالخيوط من وراء ستار يتم تشكيلها وبلورتها في مصانع فكر أنشأتها فرقٌ أمريكية من أفضل وأهم الفرق اللاعبة في رسم وتقرير أجندة السياسات الدولية.. وترجمة الأفكار والمعلومات إلى قوة ونفوذ وبمسميات مضللة تُوحي بأنها على حياد، وأنه لا انتماءات حزبية لها وإن كان هذا لا ينفي كونها ذات خلفية أيدولوجية، ولكن كل ذلك كي تبعد أي شبهة تحوم حولها وهنا تكمن خطورة هذه المصانع كونها أولاً ترتدي ثوب الحياد ظاهرياً أمام منتقديها.. وثانياً التأثير الذي تمارسه على سياسة أمريكا الخارجية اتجاه دول العالم.

إن الصراع العالمي الدامي والمتنامي اليوم يرتكز على الأفكار كقوة ومحرك يُعتمد عليها في توجيه الإمكانيات والقوى البشرية والمالية والعسكرية والثقافية لتحقيق المكاسب من خلال التغيير في البنى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وصولاً لتحقيق الهدف.. وما هذا التغيير إلا نتاج أفكار طُبِخت على نارٍ هادئة في مصانع الفكر الأمريكية التي وضع أسسها الفكرية (لويس باول) في بداية السبعينيات الميلادية من القرن العشرين لمواجهة الفكر الشيوعي المناوئ للرأسمالية الغربية إلى حين أن أُسْقِط.

ثمة قناعة لا يمكن أن يشوبها زيف بأي حالٍ من الأحوال، مفادها أن التربة التاريخية والاجتماعية تفرض على جذور الثقافة نوعية الغذاء الذي يطبع خصائصها فيما بعد.. وفي المسلك الأمريكي فإن ثمة تربة لاهوتية لا مراء فيها جاهزة لتغذية أي امتداد، لذلك نجدها تجتهد بكل ما تملك وتتحرك في جميع الاتجاهات التي ترغبها من خلال تبنيها لسيناريو حرب الأفكار لفرض مناخ فكري يحقق لها بيئة آمنة للتواجد المستقر في منطقة الشرق الأوسط.

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

مقالات أخرى للكاتب