05-09-2014

عمّان.. وسيرة مدينة

عرفت عمّان عن قرب وبتفاصيلها (حيث إني لم أمكث بها سوى ثلاثة أعوام فترة الثانوية العامة)، عرفتها من الكاتب السعودي الذي أبدع في وصفها في روايته «سيرة مدينة» عبد الرحمن المنيف، عمان التي تتعانق جبالها السبعة مشكِّلة مدينة التلال التي تتمايس فيها النسمات، وتظللها سحب مقيمة وأخرى عابرة، بعضها ظلال وأغلبها سحب الشتاء الحبلى بالمطر الذي ينافسه الثلج في مواسم شتائية كثيرة ترتدي فيه عمان حلة الثلج والبياض والتماثيل الثلجية التي يبدع أهلها في تكوينها.

عمّان الجارة القريبة الصديقة الشقيقة للمملكة العربية السعودية، التي تُعتبر امتداداً لمناطقها الشمالية ولعاداتها وتشابه اللغة والتقاء الأنساب، وهي المعبر البري لبلاد الشام، سوريا ولبنان أيام مواسم العز والحياة قبل أن تهدد الحرب أمنها.

من أجمل المناطق التي أحب زيارتها وارتياد مقاهيها المطلة على كل عمّان لارتفاع هذه المنطقة هي شارع الرينبو، الذي أول ما يستقبلك به هو الموقع القديم للسفارة السعودية، والمقاهي والمطاعم عن يمين وشمال، وقد كانت من قبل منطقة بعيدة عن وسط عمّان قال عنها المنيف: «كان لا يصل إلى الدوار الأول إلا المتنزهون في أيام الربيع، الصيادون الذين يسافرون إلى وادي السير، أما إذا أقبل الصيف تزداد حركة بعض الناس حول الدوار لأسبوعين أو لثلاثة، فإذا انتهى الحصاد خمدت الحركة مرة أخرى لنهاية الخريف إلى وقت الحرث والبذار، أما عندما تبدأ البرودة ويدخل فصل الشتاء، فعندئذٍ يغيب هذا المكان من الذاكرة لأنه يصبح مخزناً للرياح والزمهرير».

حين كنت بصحبة بعض الأصدقاء في مطعم على منطقة مرتفعة من هذا المكان تذكرت جملة المنيف الأخيرة في الفقرة السابقة، فأنت أيها المشاهد الكريم من أي مكان هناك تستطيع أن ترى عمّان وجبالها ومدرجها الروماني والمسرح القديم، وإن انتهيت من جلستك وأردت العودة لمقر إقامتك وأنت في طريقك صعوداً أو نزولاً سيُفاجئك المشروع الحكومي الجديد الذي حوَّل المكان إلى مقاهٍ ومطاعم ومحلات لبيع السجاد والملابس التراثية والقطع القديمة، كذلك تلك البيوت التي لم يرهق الزمن أحجارها التي تشتهر بها مباني عمّان والتي تزيد البناء صلابة.

لا تطل عمّان العاصمة على بحر، لكن الجبال والغابات والأماكن التراثية والخضار أينما وليت وجهك والمولات الكبيرة هي روح المدينة ونبض سياحتها، عمّان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، ومهرجان الأردن الكبير جرش حياة للفن والثقافة، وسيرة من مروا إلى هناك على مسارح جرش وفي أروقتها.

البحر الميت الذي يُعتبر قبلة لطالبي العلاج بمنتجاته الغنية والعالمية والاسترخاء والاصطلاء بالشمس على شواطئ بحر تموت فيه الحياة إلا من أولئك الذين يعشقون السباحة فيه وتغطية أجسادهم من طينه العلاجي.

البتراء المدينة الحمراء، التاريخ المتجلي على صخور المدينة الناطق بماضيها، الشاهد على حاضرها ورم القريبة منها، واحة الصحراء التي يخيّم فيها زائروها ويمتطون الجِّمال والأحصنة والدراجات وهي القريبة إلى العقبة المتنفس البحري للأردن.

في أكثر من جهة في الأردن يمكن للمحدّق في الأفق أن تصافح نظراته الضفة الغربية، فلسطين التي تهب منها نسمات الذاكرة تذكر العلاقة الوطيدة والتاريخية بهذه الديار وتلوّح بالأشواق والدعاء لمن هم هناك يقاومون الاحتلال ويتمنون بالأمل.

عمّان هي سيرة مدينة تصافحها أرواحنا، ولعلنا نحاول الإجابة عن سؤال عبد الرحمن المنيف: كيف كانت المدينة؟ ويقول:

«المدن ليست المعالم مهما بلغت البراعة في استعادة تفاصيلها، وليست المياه والأرض والأشجار، والمدن لا تقتصر على البشر، إن المدينة هي مجموعة من العناصر التي كوّنتها، مع استمرار صلتها بها واختلافها عنها».

عمّان المدينة النظيفة الباهية، تتسلق أشجار المجنونة على أسوار أبنيتها وعرائش العنب تظلل باحة الدار التي يجتمع الأهل تحتها، ويفوح ياسمينها ينعش المارة قرب المباني وفي شوارعها، تحتاج عمان أن تُعتنى من أهلها أنفسهم بسياحتها، من سائقي سيارات الأجرة الذين معظمهم محل شكوى السائح، الذي يقصدها للاصطياف أو السياحة العلاجية التي اشتهرت بها أماكنها ومستشفياتها.

من آخر البحر

فهل تذكرين؟

نهارات عمّان.. قهوتنا المستطابة

صهيل الصباح على شرفات أحلامنا

ثرثرات الحكايا وهمس النساء يكدن ويمكرن حتى الأذى..

تعالي نلملم أشواقنا

وكل الذي كان ما بيننا

نلمّ ضفائرها الذكريات

ونسرج منها تلالاً تعانق ليل عمّان

maysoonabubaker@yahoo.com

Mayabubaker@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب