17-09-2014

مستقبل البلاد والتحالف لمواجهة الإرهاب

كنت في رحلة استشفاء واستكشاف بواشنطن دي سي في نهاية هذا الصيف إبان احتدام الجدل والمواجهة بالعاصمة الأمريكية للرعب «الداعشي» المتصاعد، ولذا ربَّما يصح أن أقول في جملة اعتراضية طويلة: إن هذا يعني بأنني كنت في قلب الحدث،

غير أن حرائق الحدث ونيرانه وإن تدخلت أو تداخلت فيها القوة الأمريكية لا تعتمل ميدانيًّا إلا في جسدنا العربي الممتد من الخليج إلى المحيط بشظاياها الملتهبة أو المتفحمة داخل خواصرنا من الشام لبغداد وحدودهما وأبعد وأقرب بما يجرنا لا سمح الله لمزيد من التشظي وتفرفط الريش وتضييع الشعوب وسقوط دول.

وقد هالني في تلك الاحتدامات ما كنت أعرفه نظريًّا من حجم المراقبة والمحاسبة التي تواجهها أعلى سلطة قياديّة في الولايات المتحدة الأمريكية وهي سلطة الرئاسة في حال الحاجة لقرارات مصيرية بحيث لا يتخذ أيّ قرار ولا يجري التفوه بالتصاريحات دون توقع المساءلة وتحمل التبعات. وقد تابعت ذلك عن قرب مطلع شهر آب (أغسطس) وفي نهايته عبر الإعلام الأمريكي وعبر الأكاديمية حين انهال النقد وانهالت الأسئلة على الرئيس الأمريكي باراك أوباما من الحزبين الجمهوري والديموقراطي ومن أعضاء بمجلس الشيوخ ومجلس النوَّاب بالكونجرس ومن كتاب ومحللين بالصحافة والتلفزيون وحين تكثفت النقاشات وعلا الجدل في الأوساط المعنية كمراكز البحوث والجامعات المختصة بقضايا المنطقة في علاقتها بأمريكا مثل مؤسسة الشرق الأوسط بواشنطن دي سي بشهادة رئيستها «وندي تشمبرلن».

لقد إنثال النقد وانداحت الأسئلة بعد خطاب أوباما 9 - 8 الذي أعلن فيه قراره بإرسال مقاتلات من دون طيار لتقوم بغارات جويَّة على شمال العراق في محاولة كما قال لإيقاف توغل القتال الوحشي الذي تقوده قوات «داعش» العسكرية وكذلك قراره المصاحب للقرار السابق بإرسال طائرات إنقاذية وأخرى مقاتلة لإيقاف الإبادة الجماعية بتعبيره الواقعة على مدنيين عزل ولحماية الأمريكيين العاملين هناك ولتقديم مساعدة عاجلة تهدف إلى كسر الحصار الذي كان يفرضه بلاهوادة ما يسمى بتنظيم الدَّولة الإسلاميَّة على الإزيدين العالقين في جبل سنجار.

واللافت أن تلك القرارات قد سبقت بعدد من الانتقادات التي وجهتها هيلاري كلنتون لأوباما مباشرة في مقابلة صحفية أجريت معها على إثر صدور كتاب جديد لها بعنوان

«اختيارات صعبة»، حيث قالت: إن تلكؤ الرئيس وتردده في اتِّخاذ قرار حاسم بالحسم العسكري لصالح المعارضة السورية في أوج الانتفاضة الشعبية عام 2011م هو الذي أدَّى لملء فراغ المواجهة العسكرية مع النظام السوري بمد الحركات الإسلاميَّة المتشددة كجبهة النصرة، ثمَّ «داعش» بل أدَّى إلى تطورهما كتنظيمات إرهابية بشكل مستل ومستنسخ عن توجه القاعدة المتطرف ولكن بتجسِّد وتوسع لوجستي بشكل غير مسبوق في قلب العالم العربي. غير أن الملاحظ هو أن قرارات أوباما بالشروع المبدئي للدخول في مواجهة عسكرية مع «داعش» مثل إرسال 300 خبير عسكري واستخباراتي إلى العراق وتوجيه الضربات الجويَّة على مواقع وجود «داعش» القتالي بالعراق والتخلي أخيرًا عن قيادة نوري المالكي الطائفية للعراق لم تقلل لا من حدة ولا من وتيرة النقد والأسئلة التي وجهتها أمريكا لأوباما بعد خطابه الثاني أواخر الشهر نفسه حين صرح بأن ليس لدى إدارته استراتيجية واضحة بعد لمواجهة التصاعد الحاد للقتال بالعراق وسوريا الذي تريد به «داعش» تثبيت دعائم دولة الخلافة الإسلاميَّة. وقد بلغ هذا النقد ذروته خاصة بعد مقتل صحفيين أمريكيين إلى أن جاء القرار بتشكيل تحالف دولي بقيادة أمريكا لمحاربة الإرهاب المتمثل تحديدًا فيما يسمى تنظيم «داعش» المتشدد بدولته المسماة (آي إس آي إس). ونرى أنه جرى التحول الأمريكي من حيز القرار إلى حيز التنفيذ من خلال انعقاد مؤتمر جدة بتاريخ دلالي في الذاكرة الأمريكية وفي العالم من بعد ذلك التاريخ والمتمثل في الحدث الكارثي بنييورك والبنتاجون يوم 11 سبتمبر. وإذا كان تاريخ انعقاد مؤتمر جدة وقيادة أمريكا لهذا التحالف لمحاربة تنظيم داعش تحديدًا والإرهاب عمومًا بمشاركة غالبية دول مجلس التعاون الخليجي وعدد غير قليل من دول المنطقة بما فيها تركيا وإن لم تشارك في توقيع بيان المؤتمر ذا دلالات تحليلية مُتعدِّدة فإنَّ انعقاد المؤتمر بالمملكة لا يقل دلالة. وهذا ما يحتاج بمجمله وتفاصيله إلى الفحص كما أنه يبعث على التساؤل النقدي المسؤول. وتتعاظم الحاجة للقراءة التحليلية ذات الوعي النقدي المسؤول والمتسائل خاصة في وجود تلك القراءة المسطحة لأكاديميين، مع الأسف، التي ترى أن جعل المؤتمر في ضيافة المملكة جاء كمحاولة من أمريكا لرد الاعتبار للعلاقات التاريخية بينهما والأدهى النظر الامتناني التبعي للموضوع برمته على أنّه تراجع أمريكي عن التخلي لصالح إيرن عن حليف إستراتيجي قديم كالسعوديَّة. فإذا كان من النقد القاسي في الداخل الأمريكي الذي وجه للإدارة الأمريكية ولقيادة أوباما نقد السياسة الخارجيَّة التي سمحت إبان احتلال العراق والانسحاب منه بذلك الخلل الطائفي في العراق التي ساهمت في فشل بناء جيش عراقي قادر على حماية العراق، فإنَّ هناك نقدًا وتشكيكًا أيْضًا بوجود ميول رسمية للاعتماد على الحلول الاستخبارية التي يرفع منسوب الريبة وبالتالي المساءلة لها ما يتردد من نية تحجيم تنظيم داعش وليس القضاء عليه وتقسيم العراق وسوريا وليس استرداد خريطة المنطقة من الفوضى والاحتراب.

لا شكَّ أن هدف دول المنطقة وخصوصًا دول الخليج والمملكة تحديدًا من الانخراط في مثل هذا التحالف هو حفظ عقد هذه الدول وحفظ سلام المنطقة واستقرارها الأمني والاجتماعي والاقتصادي والوطني ولا شكَّ أن هناك نقاطًا من التلاقي أو التباعد في مصالح المشاركين وتحديدًا قيادته الأمريكية في تلك المواجهة التي ليس منها بد لمحاربة الإرهاب عمومًا و»داعش» تخصيصًا ولكن هذا أو بالأحرى لهذا نحن شعبا وقيادة بحاجة للمناقشة والتشاور والنقد والتساؤل كما يفعلون وأكثر لأننا المعنيون مدينيا وأزيد اقتصاديًّا ولا بد أن فاتورة هذا التحالف لن تقل عن فاتورة عاصفة الصحراء ولا بُدَّ ألا ينفرد أحد دون أحد بدفع الأثمان لا الاثمان المعنوية ولا الأثمان المادِّية. فأمريكا وهذا حق مشروع لن تدخل حروبًا فادحة ولا مازحة نيابة عن الآخرين ولكن على الآخرين أيْضًا أن يتصرفوا بمسؤولية عن أجيال الحاضر والمستقبل على مستوى أمني وقانوني واقتصادي ويشركوا شعوبهم ما استطاعوا في مثل هذه المسؤوليات الجِّسام التي تحتاج للتحالف وتحتاج للاستقلالية معا. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

Fowziyaat@hotmail.com

Twitter: F@abukhalid

مقالات أخرى للكاتب