18-09-2014

تحويرٌ وتحرير..

يكبر الصغيرُ فلا نلتفتُ إليه ظنًا أن نموه العمريَّ يقصر عن امتداداتنــــا الزمنية، ونغفلُ أو بعضُنا عن أن النمو المعرفيَّ والعاطفيَّ والاجتماعيَّ مرتبطٌ بذكاءاتٍ خاصةٍ يبنيها الفردُ نائيًا عن الرقم المجرد، وحين تكون البيئةُ شابةً كبيئتنا فإنها لا تستجيبُ لافتراضات الشيوخ واشتراطاتهم، ونعجب حين نجد من مثقفينا من لا يعبأُ بتوجهات الشبابِ الجديدة داعيًا إلى إهمالها؛ فلا تعدو أن تكونَ «تقليعات بزارين يكبرون ويعقلون»، ولو فكر وقدَّر لاقتنع أن ما يظنونه طارئًا سيصبح قاعدةً تتكئ عليها كثيرٌ من العادات والممارسات.

** وفي مجتمعٍ يمثل ثلثاه شبابًا لم يبلغوا سنَّ الأربعين تبدو الحاجة إلى مساراتٍ جديدةٍ تحتوي طموحهم وجموحهم وإلى قراءاتٍ مختلفةٍ تفكرُ خارج الصندوق وإلى قياداتٍ تفهمُهم وتتفاهمُ معهم وإلى تواضعٍ نخبويٍّ يتنازلُ عن أوهامِ سيادته وريادته؛ فلم يعد مقامُ الأب والمعلم والمدير والشيخ والواعظ والمسؤول كما كان في أجيالٍ سلفت، ولم يظلَّ الأكاديميُّ والمثقفُ والإعلاميُّ ذوي أدوارٍ مفصليةٍ في حياة شبابٍ يؤمنون بالمساواةِ ويدركون فاعلية أدوارهم في التغيير والتطوير.

** تحملُنا هذه التوطئةُ نحو نظرية إداريةٍ معروفةٍ تؤكد أننا لا نستطيع إدارة ولا تطوير ما لا يُمكنُ قياسُه، وهي النقطةُ الحرجةُ بين من يطلقون أحكامهم على القضايا المفصلية وَفقًا لأدلجاتهم ورغباتهم وأماليِّهم ومملياتهم ومن يسعون لقراءة المعادلة بتجردٍ وعلميةٍ وموضوعيةٍ تعتمر المعاييرَ المحسوسةَ المقيسةَ القادرةَ على إدراك العوامل المؤثرة والمحتملة والتنبؤِ بالآتي أو المتوقع، وبينهما تاهت قضايانا بين الإنشائيين المتلونين والعلميين المنكفئين والمؤدلجين النفعيين، والشباب الممثل للأغلبية أكثرُ تضررًا بهذا التيه؛ فقد يرددُ المردَّدَ ويتجه إلى التحزبِ والميل إلى التطرف في اتجاهين متضادين يحملان نُذُر الفرقة بل الشرذمة.

** أين قياساتُ الأخلاق مثلاً بين ما هو منكرٌ عقلاً وعرفًا وما هو مرفوضٌ أو مقبولٌ عادةً وممارسة، ولماذا تأخذنا مشكلةٌ طارئةٌ إلى احترابٍ كلاميٍّ لغتُه التسفيهُ والاستعداء وناتجُه تعصبٌ في الرأي لا يفترق عن العصبيةِ القبلية والمذهبية والإقليمية، وأين قياساتُ النزاهةِ والفسادِ التي ترى حينًا بعينين ونظاراتٍ مكبرةٍ وحينًا بنصف عينٍ أصابها الرمد، وأين قياساتُ الأداء للأجهزةِ الحكومية والأهليةِ البديلةُ عن الانطباعاتِ العابرة المشخصنةِ المتكئةِ على رؤىً لا يمكن محاكمتُها، وأين قياساتُ اتجاهاتِ الرأيِ بمنأىً عن الاستقطابِ ذي النبرة العاليةِ الذي يغلقُ المنافذَ دون حريةِ التفكير والتقدير، وهل ما نراه هو الواقعُ فعلاً أم أن خلف الواجهةِ من هم كامنون ينتظرون تبدلَ الرقباء كي يقولوا ويصولوا؟ أو لم يكن بالإمكانِ فتحُ السجالِ لمن شاء كي لا يستأثرَ مزايدٌ ومصلحيٌّ وذو هوى؟ أو نثق بقياساتنا بعد هذا؟

** نستلهم من الإدارةِ معيارين مهمين هما: مفتاح مؤشرات الأداء KPI وعامل النجاح الحرج CSF ولو شئنا تطبيقَهما في النطاق الإداري وتحويرهما للشأن الفكري والاجتماعي لوضعنا خطوةً على الطريق الآمن.

** القياسُ غيرُ الإحساس.

ibrturkia@gmail.com

t :@abohtoon

مقالات أخرى للكاتب