22-09-2014

ثم ماذا بعد داعش؟

الواجب الوطني يفرض علينا أن نفكر على الأقل، والأفضل أن نتأكد من مكونات داعش وأرصدتها من العقول والتضاريس الجغرافية المستعصية والوسط الشعبي الذي تتحكم فيه قسراً، ومن كل إمكانيات القدرة على الصمود والتعويض عندما تتعرض لضربة قوية ومركزة ومنسقة من جيش نظامي واحد جيد التأهيل والتجهيزات.

تُرى، إذا كنت ملاكماً محترفاً من الوزن الثقيل، وخصمك قزم أحمق بربع دماغ يغطيه بعصابة سوداء، هل تحتاج إلى ثلاثين ملاكماً إضافياً لتقضي عليه بالضربة القاضية؟

استعصت طالبان على جيوش التحالف، ليس بسبب تفانيها في سبيل الله ولا لقدرتها المادية، وإنما بسبب الفساد في الحكومات الباكستانية والأفغانية المتعاقبة، ونفوذ شيوخ القبائل، وتجذر اقتصاد الأفيون، والتضاريس الجغرافية المعقدة. القاعدة في أفغانستان وباكستان استعصت بدورها على التفكيك بسبب ولائها لطالبان. حين تسقط طالبان أو تتخلى عن القاعدة ينتهي أمر هذه في تلك البلاد.

الأمر مع داعش، أو ما يسمى بالدولة، مختلف؛ فهي لا تملك من عناصر المقاومة سوى فساد الأوضاع في المنطقة. لا توجد زراعة أفيون في الجغرافيا الداعشية، ولا رجال قبائل يستطيعون فرض الطاعة والاحترام على أتباعهم، ولا تضاريس معقدة تستعصي على الجيوش.

علينا وجوباً أن نتذكر التاريخ القريب. الجيش الأمريكي وحده كان يستطيع حسم الأمر مع نظام صدام حسين بسهولة، لكن الإدارة الأمريكية احتاجت إلى غطاء دولي لتبرير الغزو، فما الذي حدث بعد ذلك؟ العراق انتهى كدولة عربية، وانهار، وسُلّمت أشلاؤه لغير أهله.

عراق صدام كان دولة ذات سيادة محكوماً بنظام مرفوض داخلياً وخارجياً، لكن العراق آنذاك كانت له حكومة وجيش وأمن داخلي ووزارات وبنيات تحتية وتمثيل دبلوماسي في أغلب دول العالم وفي الأمم المتحدة. وبالتأكيد لم يكن العراق آنذاك يمتلك أسلحة دمار شامل ولا منظمات إرهابية تهدد العالم، ولا كانت الأوضاع فيه أسوأ بكثير من أغلب دول الجوار في أساليب البطش والتفرد بالحكم وكتم الأنفاس. كل هذا تبخر، وتم استبداله بالهاوية والإرهاب الحكومي والطائفي والمذهبي، لكن بأسوأ أضعافاً مضاعفة مما كانت عليه أحوال العراق قبل ذلك.

والآن، ماذا عن المسخ داعش، أو تجاوزاً نظام الدولة الإسلامية؟ المؤكد، رغم كل ما ينفخ في العقول الفارغة عن قوة داعش وحسن تنظيمها ودهائها، إلا أن داعش ليست أكثر من تجمع فوضوي من المغامرين الفاشلين في الحياة والمجرمين ذوي السوابق والمصابين بالانحراف الجنسي، مع حفنة من البلهاء استغفلهم واستغلهم مترهبنون جبناء يتمصلحون دنيوياً بالدين، ويفضلون البقاء أحياءً بين زوجاتهم وأهلهم على اللقاء العاجل مع الحور العين تحت الظلال الوارفة، التي يمنون ضحاياهم بها.

هذه التشكيلة الفوضوية من ضعاف العقول والأجلاف ذوي المشاعر الهمجية كيف استطاعت بهذه السرعة السيطرة على ثلث العراق وثلث سوريا، بينما هي موجودة على أرض مكشوفة وسط مجتمعات تحاول الهرب منها قبل أن تتعرض للاغتصاب والقتل الجماعي وحز الرؤوس والصلب في الميادين؟ بالمناسبة، وللتعريف بالوزن الحقيقي لداعش، هل يعرف القابعون أمام الإعلام الغربي والعربي والإيراني من الذي أنقذ الإيزيديين في جبل سنجار من داعش؟ الحقيقة المغيبة إعلامياً هي أن أول من وصل إليهم وصد عنهم داعش وأمّنهم بالماء والطعام كان حزب العمال الكردستاني الذي أسسه عبدالله أوجلان. مجموعة صغيرة جيدة التدريب من كرد الجبال، لا تخضع للبيش مرقة ولا لسيطرة أية حكومة هي التي صدت مجرمي داعش، وحالت بينهم وبين الإيزيديين الهاربين إلى جبل سنجار.

لكن ما الذي نقلته قنوات سي إن إن وبي بي سي والعربية والجزيرة، إلى آخر الأبواق الإعلامية الصاخبة؟ كل هذه القنوات نقلت بالصوت والصورة ولأيام متتالية صوراً لطائرة هليوكوبتر تحمل أطقم المراسلين الغربيين إلى جبل سنجار، لكن بعد تأمينه من كوادر حزب العمال الكردستاني.

الطائرة سقطت ومات قائدها العراقي، وجُرح بعض الركاب، واستمرت الشاشات تكرر قصة هذه الطائرة ثلاثة أيام، مع بعض المشاهد لأطفال وعجائز من الطائفة الإيزيدية المنكوبة.

كل هذا الهيلمان الإعلامي الموجَّه حول سنجار وداعش لم يبث صورة واحدة عن أبطال الإنقاذ الحقيقيين في مأساة جبل سنجار، أي كرد الجبال في حزب العمال الكردستاني.

السؤال هو: ما هو الهدف التالي لهذا الحشد العالمي الهائل ضد داعش؟ وماذا سوف يحدث للمنطقة وأهلها بعد ذلك؟

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب