23-09-2014

اليوم الوطني يوم وحدة البلاد

صمدت وحدة البلاد السعودية أمام التحديات فلم يمر عقد من الزمن إلا ومحاولات النيل من هذه البلاد قائمة، ولكن القافلة سائرة في طريقها مهما اعترضها من العقبات، فالخير يزداد وعطاء الأرض يتواصل، والحساد بين يمين وشمال لا يحصلون إلا على الحسرة، فالتعليم الذي هو باب الثقافة فتح القلوب لترى الحقائق، فالتعليم يشرح الصدر ويطرد الجهل ويتيح للإنسان الرؤية بدون التعويل على رجل آخر يوجهه إلى ما يريد، فالاستثمار في التعليم هو الاستثمار الناجح، وما تقدمت الشعوب وأبصرت طريقها إلا عن طريق التعليم، إن الجهل مطية عمياء يوجهها أصحاب المصالح إلى حيث يريدون، وقائد البلاد أدرك هذه الحقيقة، فمع وفرة المدارس والجامعات الحكومية والأهلية في المملكة العربية السعودية فإن القائد أضاف إليها الابتعاث الخارجي، ففتحت الأبواب للدراسة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين واليابان لينهل أبناؤنا من علوم تلك البلدان، ويروا بأعينهم ما وصل إليه التعليم، وما استفادت منه بلدانهم من تنظيم واحترام للقوانين، ومحافظة على صحة الإنسان، وحفظ حقوقه الأمنية والغذائية والصحية، لقد رأوا احترام الطريق وحفظ حقوقه فقلَّت الحوادث التي تجلب الوفيات والإعاقات، ورأى الدارسون في الكليات الطبية والمتدربون في المستشفيات احترام المريض وحفظ حقوقه، والتخطيط لتوفير سريرله في المستشفى، ورأى الدارسون في كليات الإدارة السعي إلى تيسير الإدارة واختصار رحلة الأوراق لتصل إلى النتيجة في يسر وسهولة، إن تكدس الموظفين في الإدارة مظهر من مظاهر الكسل الوظيفي، وابتعاد عن النشاط الإداري، وقتل لروح الحسم وكسب النشاط الإداري.

إن همة القائد هي التي فتحت الطريق لأبنائنا فأبصروا بعين التعليم، وعين لرؤية العالم الخارجي ومقارنته بواقع بلادنا التي تستشرف الأمجاد وتتطلع إلى أن تكون في الصف الأول من أمم الأرض.

الوطن يستحق أن نتذكر حقوقه، ونخصص له يوماً نشيد به، وبمن بنى الوطن وأسهم في نهضته، فالوطن فيه بيتك أيها المواطن، وهل يطيب العيش بدون بيت، تهدأ فيه النفس ويستريح الخاطر وتسترخي الأعصاب، وتجتمع فيه الأسرة، فجدرانه تردد صدى الأطفال، ومجالسه تشهد طرح الأفكار ونقاشات ما يهم الوطن، والبيت جزء من الوطن فهو اللبنة التي تسهم في تكوينه، فالوطن بيتي وبيتك وبيت الآخر، في البيت درجْتَ فَشَهِدَتْ أرضه خطواتك الأولى، وشهدت حجراته صيحاتك في طفولتك، فأنت تألفه صغيراً وتحن إليه كبيراً، إنك تعرف قيمة بيتك عندما تسافر صغيراً أوتحن إليه كبيراً، إنك تعرف قيمة بيتك عندما تسافر وتنتقل من فندق إلى فندق، عند ذلك تحن إلى حجرات بيتك، وتعرف أنها سكنك المفضل ومحل إقامتك المقصود، لقد طَوَّقَت بابن بطوطة السنون وتناقلته الأيام من نَزْلٍ إلى نزل، ومن دار إلى دار، حتى ألقى عصا التسيار بداره في المغرب، فهدأت نفسه، وعرف أن الوطن بيت وفيه أسرتك وقرابتك، فعلى الأسرة وأنت واحد منها دفع حقوق الوطن، وأهم هذه الحقوق حمايته، فالأسرة حامية ثغر من ثغور الوطن، ومتى ما تكاتفت الأسر وتعاونت في حماية الوطن فإنها قد أدت واجبها، إن تراخي الأسرة في تربية أبنائها وبناتها سيجلب للوطن الفساد، والشقاق، والنزاع، فالشر يبدأ صغيراً ثم يكبر، إن إهمال النشء سينتج عنه شرور لا أول لها ولا آخر، تنعكس على الوطن، فضلاً عن الأسرة التي ستعاني من تشرّد أبنائها إما في فساد، أو في كونهم صيداً سهلاً لأصحاب المطامع الذين يزجون بهم في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فتصل أخبارهم إلى الأسرة فتحترق القلوب كل يوم، إنها معاناة لا يحس بها إلا أصحابها الذين يستشرفون الأخبار عن أبنائهم في معارك أصحاب المطامع.

وفي الوطن قريتك ومدينتك وصحراؤك، انظر أيها المواطن إلى الطرق السريعة الخارجة من أمهات المدن في أول أيام العطلة الأسبوعية سترى رتلاً من السيارات وهي خارجة من المدينة ومتجهة إلى الوطن: القرية أو المدينة الأخرى أو الصحراء، إنه الوطن حبه لا يزول، فصاحب القرية يقضي عطلته الأسبوعية في قريته، ففيها نشأته وبيته القديم ومزرعة الأسرة، إنها معاهد تألفها النفس، ففيها المدرسة الأولى التي تعلم فيها ابن القرية وفيها زملاء الطفولة وفيها معالم باقية من زمن الأجداد تشهد للتاريخ، أليست القرية جزءا من الوطن؟ فابن القرية هو ابن الوطن! عليه واجب تجاه وطنه، فيذود عنه بلسانه قبل أن يذود عنه بسنانه، إن اليوم الوطني يوم تقدير واحترام للوطن وصيانته وحفظه عن الأعداء.

إن المواطنة تحمل مسؤولية تجاه الوطن، فالكل منتفع من الوطن، وعليه واجب تجاهه، فوالله لو لم يكتسب المواطن من الوطن إلا الانتساب إليه والإقامة فيه لكفاه عزاً وشرفاً، فأنا عزيز لأنني أعيش في وطني، فلست غريباً تتقاذفني البلاد، ولست مشرداً لا آوي إلى بلد، فأنا عزيز لأن لي وطنا أنتسب إليه وأعتز به، فأرضه أفترشها متى شئت وماؤه أروي به عطشي، إن ماء الوطن له مذاق لا يعرفه إلا من اغترب عن بلاده، ألم يقل الأحنف بن قيس عندما قربت وفاته وسؤاله عما يرغب فيه، وهو على نهر الفرات: (شربة من ماء الغزيز) إن العيش في الوطن لا يقارن بالعيش في الغربة:

يعيش الرجال الموسرون بأرضهم

وترمي النوى بالمقترين المراميا.

إن وطننا اليوم وطن للجميع، يؤمه طالب العيش من أطراف الأرض شمالا وجنوبا، وشرقا وغربا، فحمايته حماية للمواطن والمقيم على أرضه، فمشاركة المقيم على أرض الوطن في اليوم الوطني اعتراف بفضل الوطن عليه، فالعيش مطلب للإنسان في أي أرض ولكن الواجب على ذلك الإنسان حمد الله أولاً، ثم رد الجميل للأرض التي اكتسب فيها رزقه.

إن وطننا فيه الكعبة المشرفة التي يتجه إليها كل مسلم خمس مرات في اليوم والليلة، فهي قبلة المسلمين وحمايتها واجبة على كل مسلم، ولكن أبناء المملكة العربية السعودية هم الذين يتحملون الذود عن الوطن بما فيه الكعبة المشرفة، وفي الوطن الحرم الشريف الذي تعبد فيه خير البشر محمد بن عبدالله، وتحمل الأذى الذي ناله من المشركين، وشهد الحرم انتصار محمد بن عبدالله وإزالة الأصنام والأوثان، وفي الوطن بطحاء مكة التي انطبعت أرضها بأقدام نبينا وهو متجه إلى غار حراء وراجع منه وانطبعت بأقدام صحابة رسول الله، إنها البطحاء الطاهرة التي شهدت المواكب الإسلامية وهي قادمة إلى الحرم وخارجة منه، وفي الوطن غارحراء حيث تعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم وناجى ربه في أيام وليال شهدت بأطهر الكلمات وأرق المناجاة، حيث لاقت الاستجابة من رب رؤوف بنبيه، فشهد الغارلقاء جبريل بنبينا محمد وتلقينه أول آيات القرآن، التي تلاها نبي هذه الأمة وتلاها الرعيل الأول من أمة محمد، ثم تتابعت الأجيال الإسلامية في تلاوة تلك الآيات، إن غار حراء من أطهر بقع الأرض، فقد التقت فيه الأرض بالسماء، فانطلق التحول التاريخي في نظام البشرية من ذلك الغار القابع في أعلى الجبل، وفي الوطن غار ثور حيث اختبأ فيه نبينا مع صاحبه أبي بكر الصديق، وانطلقت منه الهجرة التي أرَّخ بها الفاروق عمر بن الخطاب، لقد شَرَّف الغار أسفل مكة، أليس الغارالذي شهد المناجاة بين نبينا وصاحبه أبي بكر! ثم إن تلك المناجاة نزل فيها آيات من القرآن تتلى من ذلك اليوم إلى يومنا هذا، وستتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وفي الوطن طريق الهجرة بين مكة والمدينة، حيث شهد الطريق مواطئ أقدام رسول الله في كثير من أجزائه، فياله من تراب ما أجلّه، حظي بمصافحة أقدام أشرف البشر محمد بن عبدالله، وفي الوطن قبر رسول الله المحتوي على جسده الطاهر، وقبول الصحابة والتابعين.

وفي الوطن أحجار أُحد التي سال عليها دم نبينا، فاختضبت به ودماء صحابته الذين استشهدوا في تلك المعركة، وقبورهم تشهد لهم اليوم بالتضحية في سبيل الإسلام ونصره، وفي الوطن أرض بدر التي شهدت أول لقاء بين المسلمين والمشركين، وشهدت ابتهال نبينا ومناجاته ربه طالباً العون من رب رؤوف بعباده، فقد نصر نبيه، وأعلى كلمة الإسلام، فانطلقت الدعوة رافعة راية الإسلام بعد تلك المعركة التي هزم فيها الشرك وأعوانه، وفي الوطن مدن وقرى وأودية شهدت مواطئ أقدام الرسول صلى الله عليه وسلم منها الطائف وحنين وأودية وقرى بين المدينة وتبوك.

وبعد: فهل نعدل بوطننا وطنا آخر؟ لا أظن ذلك فأرضه تشهد كل ذرة تراب فيها بملامسة أقدام نبي هذه الأمة، وملامسة أقدام أصحاب رسول الله والتابعين، إن أرض الوطن أرض طاهرة يتحتم علينا أن نعي حقها ونقدر من حافظ عليها وصانها.

إن يومنا الوطني يوم ذكرى وفخر واعتزاز بالوحدة التي تحققت على يد المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود غفر الله له وأجزل له المثوبة لقاء ما أنجز من جمع ما تفرق ورتق ما تمزق، كما نطلب المغفرة لأبنائه الذين حافظوا على وحدة البلاد: سعود وفيصل وخالد وفهد أمد الله في عمر خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز ملك البلاد حتى يكمل ما شرع في بنائه وينجز ما أمله لبلاده، فطموحاته لا تقف عند حد، وقد أنجز الكثير ويؤمل في الكمال لبلاد الحرمين، أعانه الله وأسعفه بالصحة والعافية وطول العمر إنه على كل شيء قدير.

مقالات أخرى للكاتب