25-09-2014

في انخراط السعوديين بالمجموعات المتطرفة

من سبر تاريخ الدول والأديان سيلحظ اطرادًا بين تسامح الدَّولة مع التسلّط الديني أو فرضها لدين ما بممارسة متشدّدة أو بفرض تطبيقات متشددة، وبين ارتفاع مطالب عامة مواطنيها بالمزيد من السماح والدعم للتسلّط الديني والمزيد من التشدد في الممارسة في فرض التطبيقات، مع ارتفاع في معدل تدخل رجال الدين في السلطة، حتَّى تنتهي الأمور في كلِّ مرة إلى المواجهة، التي عادة ما تكون دموية. فهناك الرومان وتسامحهم مع التشدد الوثني، ثمَّ القضاء عليه بعد ذلك. وتكرار نفس السيناريو الروماني مع اليهود. وهناك دول النصارى عبر التاريخ القديم قبل الإسلام التي تكررت فيها هذه السيناريوهات كثيرًا وبأشكال متنوعة. وأحيانًا يكون ذلك لتحقيق غرض محدد، ثمَّ لا يلبث أن ينقلب السحر على الساحر. كالتحريض على الحروب الصليبية ضد المسلمين ودعم فرسان الكنيسة وفرسان الهيكل أو المعبد، ثمَّ القضاء عليهم وحرقهم أحياء من قبل الدول الصليبية التي دعمتهم من قبل، بعد أن تعاظمت قوتهم وتسلطهم على الناس، «ومَن يَجعَلِ الضِرغامَ بازًا لِصَيدِهِ تَصَيَّدَهُ الضِرغامُ فيما تَصَيَّدا».

والتاريخ الإسلامي ليس ببدع من تاريخ الأمم. فالخوارج لم يظهروا على معاوية ولم يقاتلوه أولاً، بل خرجوا على علي رضي الله عنه وبه ابتدأوا فقاتلوه وقتلوه رضي الله عنه قبل أن ينطلقوا فيعمموا شرهم على الأمة. ويكثر السعوديون نسبة لتعدادهم عن نسبة الجنسيات الإسلاميَّة الأخرى في «القاعدة» و»داعش» وغيرهما. وتزداد نسبة مشاغبات الإسلاميين عمومًا في الدول الإسلاميَّة على قدر نسبة دعم حكوماتها لفرض التدين، أو على قدر ضعفها الذي يسمح بخروج الحركات والأحزاب المتأسلمة. وحتى في تركيا اليوم، وبالرغم من علمانيتها الكاملة ولكن بسبب شعارات زعيمها الإسلاميَّة، فقد بدأت تظهر إشارات تشير إلى بداية نشأة مرحلة السكون للتطرف التي تكون عادة سابقة للظهور العلني، الذي لا يُستبعد أن يكون تجاهله متعمدًا من قبل الحكومة لأجل كسب الانتخابات. والمتجاهل لهذا السيناريو التركي المتوقع أن لم يُنتبه له، هو جزء من السيناريو المتكرر عبر تاريخ الإنسانيَّة. ففي كلِّ حالة تطرف ديني عبر تاريخ البشرية غلبت آراء هذه الفئة المتجاهلة للخطر، آراء الفئة المُحذرة فوقعت الفتن والمجازر الدموية.

والسرد التاريخي لهذا الاطراد لا فائدة منه ما لم يبين لماذا يُخصص التطرف الديني من بين الشعارات المتطرفة الأخرى كالقومية والعنصرية والاجتماعيَّة وغيرها، وما لم تُستنبط منه الأسباب المنطقية لتكرار حتمية حدوثه عند وجودها، وتُستخرج العبر والدروس.

وبداية، ولكيلا نخرج عن الموضوع فنبني الممانعة للفهم ابتداءً، فالطَّرح يدور حول التطرف الظالم للغير. والتطرف المقصود هنا هو خروج عن المجتمع. لذا فلا يدخل المغول مثلاً أو النازية ونحوها في الطَّرح المقصود هنا.

فالمغول والألمان كانوا متطرفين ولكن بإجماع مجتمعهم على التطرف الظالم، وهذا بخلاف المتطرفين في الأديان عمومًا كالإرهابيين المسلمين وغيرهم من الأفراد العنصريين أو التنظيمات العرقية الخارجة عن المجتمعات الغربية اليوم. وأما تخصيص الأديان بحتمية خروج التطرف منها أكثر من غيرها من الأيدلوجيات، فذلك لدور الأديان في تحقيق الأمن النفسي للمتطرف ما لا تستطيع عليه الأمور الأخرى كالقومية والعرقية.

فالإنسان ظالم فطرة، مخلوق على الظلم، تدعوه نفسه إلى الظُّلم غصبًا كما تدعوه الغرائز الحيوانية الأخرى. والإنسان كذلك بالفطرة يحب العدل ويكره الظلم. وحب الشيء غير الخِلقة عليه، فكره الإنسان للشيء لا يعني عدم خِلقته عليه. فالبخيل مفطور على البخل، لا يجود وإن كان يحب الكرم ويكره البخل، وكذلك الجبان يكره الجبن ويحب الشجاعة. والبخيل والجبان لا يفتآن عن بحث مبررات لتبرير قبح خلقهما، ولو وجدا دعمًا حكوميًّا أو اجتماعيًّا لتطرفا في بخلهما وجبنهما وشطا شططًا بعيدًا. والأديان عمومًا تدعو في أصولها للرحمة والعدل، ولولا ذلك لما تحقق لها قبولاً وانتشارًا . ولكن الأديان كذلك انحرفت عن أصولها فأصبحت حمالة أوجه يمكن تفسيرها على أقصى درجات التشدد والتطرف الذي فيه ظلم للغير، ويعد الظالم المتطرف فعله الظالم هذا من الرحمة والعدل لكونه دينًا.

وقد خلق الله السلوك الاجتماعي للبشر على التبعية للأعراف السائدة، والأديان تشكّل الأعراف والثقافات كما تتشكّل الأديان بها. والسلطة والمال يؤثران بشكل مباشر في تشكيل الأعراف والثقافات. فإنَّ توجهت السلطة والمال للعلوم، أصبحت ثقافة الفخر والاعتزاز السائدة في المجتمع هي التسابق في المجال العلمي وهكذا فيما لو توجهت السلطة والمال لأيِّ أمر من الأمور. وكذلك، فمتى توجهت السلطة والمال إلى التشدد في الدين أو توجهت لفرض تطبيقات متشددة على المجتمع، أصبحت ثقافة الفخر والاعتزاز السائدة في المجتمع هي التشدد في الدين. فتكثر الدعاوى فيه ويرتفع معدل النفاق وتزيد المزايدات على الورع والتدين من أفراد المجتمع وتتسابق المزايدات طلبًا للصدارة والمنفعة، فيتجاوز تشدد المجتمع تشدد الدَّولة فيخرج عنها المتطرفون، كما تجاوز تدين الخوارج وورعهم، تدين علي رضي الله عنه وورعه فتطرفوا في تدينهم، فخرجوا عليه فقاتلوه وقتلوه، يحسبون أنهَّم يحسنون صنعًا.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب